عندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر فى نهاية القرن الـ18 كان لها أثرها فى الحياة المصرية، ومن ذلك ما حدث فى الصحافة، ونتوقف اليوم عند صحيفة "الحوادث الكبرى" التى رأس تحريرها إسماعيل الخشاب.
يقول كتاب "تاريخ الصحافة العربية" لـ فيليب دى طرازى
الحوادث اليومية:
صحيفةٌ يومية رسمية، أَنشأَها نابليون الأوَّل سنة 1799 عندما كان قائدًا للجيوش الفرنسية في وادي النيل؛ لنشر أخبار مصر وإذاعة أوامر حكومته بين سكان القطر المذكور.
وعهد بكتابتها إلى إمام زمانه في العلوم الأدبية السيد إسماعيل بن سعد الخشَّاب كاتب "سلسلة التاريخ" في ديوان الحكومة المصرية؛ فقام بهذه المهمة أحسن قيام، كما روى معاصره العلامة عبد الله بن حسن الجبرتي في تاريخه (4، 238) بالحرف الواحد:
إنَّ الفرنساوية عيَّنوه في كتابة التاريخ لحوادث الديوان وما يقع فيهِ كل يوم؛ لأنَّ القوم كان لهم مزيد اعتناء بضبط الحوادث اليومية في جميع دواوينهم وأماكن أحكامهم، ثم يجمعون المتفرِّق في ملخص يُرفع في سجلهم بعد أن يطبعوا منه نُسخًا عديدة يوزعونها في جميع الجيش، حتى لمن يكون منهم في غير المصر من قرى الأرياف؛ فتجد أخبار الأمس معلومة للجليل والحقير منهم. فلما رتبوا ذلك الديوان كما ذُكر كان هو المتقيد برقم كل ما يصدر في المجلس من أمر أو نهي أو خطاب أو جواب أو خطأ أو صواب، وقرَّروا له في كل شهر سبعة آلاف نصف فضة، فلم يزل متقيدًا في تلك الوظيفة مدة ولاية عبد الله جاك منو Menou حتى ارتحلوا من الإقليم.
أما اسم الجريدة فلم نتحققه على رغم ما بذلناه من البحث والتنقيب والاجتهاد، فعسى يتوفَّق غيرنا إلى معرفته خدمة للتاريخ وتقريرًا للحقيقة.
ومن المعلوم أن الجبرتي روى عن إسماعيل الخشاب أنه كان يعتني بضبط "الحوادث اليومية" ويطبع منها نسخًا ويوزعها على جميع الجيش، فاستنادًا إلى رواية هذا المؤَرخ الجليل ترجَّح لدينا أن "الحوادث اليومية" هو اسم الجريدة، فعوَّلنا على استعماله لا سيما أنه يطابق على أوصاف هذه الصحيفة التي كانت تُنشَر يوميًّا كما رأيت، فلم يبقَ ريب بعد ذلك في أن هذه النشرة التي تأسست بعناية حكومة فرنسا تُعدُّ أُمَّ الجرائد العربية وباكورتهنَّ.
وقد انطفأ سراجها لدى انسحاب العساكر الفرنسية من مصر في 14 تشرين الأول 1801 وانكسارهم أمام جيوش تركيا وإنجلترا في الإسكندرية، وقد ورد ذكر هذه الصحيفة في مقالة عن صحافة الشرق بقلم الشيخ صالح اليافي منشئ جريدة "الرشيد" البيروتية (عدد1، سنة أولى) حيث قال: "ولما دخل الفرنساويون مصر اتخذوا لهم وُرَيقة ولكنها لم تدم".
وكان إسماعيل بن سعد الخشاب محرر هذه الجريدة كاتبًا بليغًا وشاعرًا أديبًا بشهادة علماء عصره، وقد ترك ديوان شعر صغير الحجم جُمع بعد وفاته بعناية صديقه العلَّامة الشيخ حسن العطار، وكانت وفاته في 2 ذي الحجة سنة 1230 الموافقة لسنة 1815.