تحدث قداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية عن مفهوم الرهبنة قائلا "الرهبنة القبطية عرفها العالم من الكنيسة المصرية، وظهرت منذ القرن الثالث الميلادى لتمتد إلى العالم كله، وفلسفة الرهبنة هى "الموت عن العالم"، ولذا تم تسميتها بـ "رهبنة الكفن"، وهى رغبة الإنسان باختياره ومحض إرادته للجوء للدير، وبعد اختباره وإرشاده لسنوات يُقبَل فى شركة الدير الذى يصلى عليه صلاة جنائزية بعد أن يغطى بستر يُعتبر بمثابة "كفن"، ويعيش بعد ذلك بالنذور الرهبانية التى تشمل الانعزال عن العالم والفقر الاختيارى وحياة الطاعة والتبتل الطوعى، لكى تكون حياته نقية. والرهبنة تُعتبر الزاد الحقيقى لخدمة الكنيسة وعملها فى كل مكان".
ويذكر الموقع الرسمي للكنيسة الأرثوذكسية أنه فى القرن الثانى وفى عهد الامبراطور أنطونيوس بيوس (138 ـ 161 م) تأتى أقدم الإشارات التاريخية عن وجود نساك بوادى النطرون، حيث كان القديس فرنتونيوس ومعه سبعون ناسكاً يتواجدون بوادى النطرون راغبين فى التقشف والعزلة . وفى بدايات القرن الرابع كانت نشأة الرهبنة القبطية، التى تعتبر هى الأم لكل رهبانيات العالم.
فى سنة 250م خرج القديس الأنبا بولا (حوالى 234 ـ 341م) قاصداً حياة الوحدة وكان عمره حوالى 16 سنة، وعاش فى حياة الوحدة الكاملة حوالى 94 سنة، وقبل نياحته تقابل مع القديس الأنبا أنطونيوس سنة 341م، وتنيح وله من العمر حوالى مائة وعشر سنين، ويعتبر هو أول السـواح فى مصر عموماً (تذكار نياحته بالسنكسار 2 أمشير)
فى سنة271م القديس الأنبا أنطونيوس الكبير (251 - 356م) أب رهبان العالم ومؤسس الحياة الرهبانية وكوكب البرية يعتزل حياة العالم، وفى سنة 285م يعبر النيل تجاه الصحراء الشرقية، وهو ابن 35 سنة ليسكن فى منطقة بسبير شرق النيل (مكان دير الميمون بالقرب من بنى سويف حالياً) وعاش هناك حوالى عشرين عاماً فى عزلة، وفى سنة 289م تعمق فى الصحراء الشرقية، وفى سنة 305م خرج من وحدته الكاملة ليقود أول جماعة رهبانية (كينوبيون)، وتذكار نياحته بالسنكسار 22 طوبة. وفى سنة 310م دخل القديس الأنبا باخوميوس (292 ـ 348م) فى حياة الرهبنة، وفى سنة 318م أنشأ القديس الأنبا باخوميوس أب الشركة أول جماعة رهبانية منظمة (أول دير) فى طبانسين قرب فاو (فى منطقة قنا فى الصعيد الأعلى)، وفى سنة 315 أعتزل الأنبا آمون (أمونيوس) الكبير العالم، وفى سنة 325م أسس حياة الرهبنة فى جبل نتريا (البرنوج)، ثم امتدت الرهبنة جنوباً إلى منطقة القلالى حوالى سنة 338م وكان من أشهر آبائها القديس مكاريوس الاسكندرى (296 – 394م)، وفى سنة 340م تقريباً أنطلق القديس أنبا مقار (مكاريوس) الكبير (300 ـ 390م) إلى الأسقيط بعد توحده لمدة عشر سنوات على أطراف إحدى القرى، وقد قام القديس الأنبا مكاريوس الكبير بزيارة القديس الأنبا أنطونيوس مرتين، المرة الأولى عام 343م، والثانية عام 352م. وقد تتلمذ على يدي القديس مكاريوس الكبير القديسان مكسيموس ودوماديوس ابنا الامبراطور فالنتنيان الأول (364 ـ 375م) إلا أنهما تنيحا وهما فى سن الشباب، وكانا هما أول من تنيح من الرهبان فى الأسقيط حوالى سنة 380م (مكسـيموس تنيح فى 14 طوبة ودوماديـوس تنيح 17 طوبة، وتذكارهما بالسنكسار 17 طوبة) وجاء كثيرون وسكنوا حول مغارتيهما ببرية شيهيت وسموا ذلك الموضع دير الروم (برموس) وبنى القديس مكاريوس الكبير كنيسة عظيمة فى ذلك الموضع هى أول كنيسة بنيت فى برية شيهيت ، وأزدهرت الحياة الرهبانية فى برية شيهيت، ولم تأت نهاية القرن الرابع الميلادى إلا وكان هناك أكثر من خمسة آلاف راهب فى برية شيهيت وحدها
وفى الربع الأخير من القرن الرابع ، توجه كثير من الآباء والرحالة والمؤرخين إلى برية شيهيت للتعرف على الحياة الرهبانية، ففى سنة 373م زار نتريا والقلالى وشيهيت المؤرخ الإيطالى روفينوس (345 ـ 410م) ، ومعه القديسة ميلانية الكبيرة الأسبانية، وفى سنة 383 م زار مصر أيفـاجريوس البنطى ( 345 ـ 399م) ، وفى سنة 385 م زار نتريا القديس جيروم (ايرونيموس) (342 ـ 420م) ومعه القديسة باولا الإيطالية ، وقد قام بلاديوس ( 364 ـ 431م) صاحب "التاريخ اللوزياكى" ، والذى كان راهباً بجبل الزيتون باورشليم بزيارة منطقة القلالى سنة 391م وظل بها لمدة تسع سنوات، والقديس يوحنا كاسيان (350 /360 ـ 440/ 445م) زار برية شيهيت سنة 399م، وغادرها مع صديقه جرمانوس سنة 400م، فأنتقلت الرهبنة بسرعة مذهلة من مصر مهد الرهبنة المسيحية إلى ربوع العالم
كما ظهرت فى القرن الرابع أيضاً تجمعات رهبانية أخرى فى : بسبير ( دير الميمون قرب بنى سويف)، وأوكسيرنكوس (البهنسا) ، وأنطينوى (قرب قرية الشيخ عبادة بملوى)، وليكوس (بالقرب من أسيوط)، وشنوبسكيون (منطقة قصر الصياد بالقرب من قنا) ، وغيرها
ومن أشهر آباء الرهبنة فى القرن الخامس : القديس الأنبا شنوده رئيس المتوحدين (333 ـ 451 م) ، وبلغ عدد الرهبان والراهبات التابعين لأديرته حوالى 4 أو 5 آلاف ، ويعتبر أكثر من أثرى الأدب القبطى بكتاباته وعظاته باللغة القبطية.