أبرزت دراسة حديثة للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، الجهود المبذولة من جانب الدولة المصرية من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن الوقف الفورى والدائم لاطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، وإتمام صفقة لتبادل الأسرى والرهائن بين الجانبين، ووقف العمليات العسكرية فى مدينة غزة ورفح الفلسطينية.
وأشارت الدراسة، إلى أنه خلال الفترة من أكتوبر 2023 إلى مايو 2024، كثفت مصر جهودها الدبلوماسية لوقف الحرب فى غزة وتخفيف الأزمة الإنسانية، ورغم أن هذه الجهود لم تفضِ إلى حل مباشر إلا أنها أكدت الدور المحورى الذى تلعبه مصر كوسيط رئيسى فى المنطقة والتزامها بالاستقرار والسلام فى الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، عارضت مصر بشدة أى محاولات لإعادة توطين الفلسطينيين فى شبه جزيرة سيناء، خوفًا من استدامة هذه الخطوة وتقويض الأمن القومى المصري.
ولفتت الدراسة إلى تأكيد الرئيس عبد الفتاح السيسى أن مثل هذا التهجير من شأنه أن يقوض القضية الفلسطينية، مشيره إلى أن على الرغم من معارضتها خطة التوطين، لم تتوان مصر عن تقديم المساعدات الإنسانية والطبية للجرحى فى غزة. وفى الآونة الأخيرة، ومع تعرض البنية التحتية الصحية فى رفح لضغوط شديدة، عمل الهلال الأحمر المصرى مع المنظمات المحلية لإنشاء مرافق طبية إضافية ومراكز قيادة لتعزيز قدرة القطاع الصحى وتوفير الخدمات الأساسية للأعداد المتزايدة من النازحين فى رفح.
وأكملت الدراسة، أنه فيما يخص المفاوضات، ركزت الوساطة المصرية على ضمان وقف دائم لإطلاق النار بين الحكومة الإسرائيلية وقيادة حماس، وكان أحد العناصر المهمة فى جهد الوساطة المصرى تمثل فى خطة تتضمن هدنة إنسانية وصفقة لتبادل الأسرى حيث تقوم حماس بإطلاق سراح الرهائن المدنيين مقابل إطلاق سراح الفلسطينيين المحتجزين فى السجون الإسرائيلية، فضلًا عن إدخال مساعدات إنسانية ضخمة إلى غزة لمواجهة النقص الحاد فى الغذاء والمياه والإمدادات الطبية، وفى ذلك كله، عملت مصر بشكل وثيق مع دول أخرى، بما فى ذلك قطر، التى لعبت أيضًا دورًا مهمًا فى الوساطة بين الحكومة الإسرائيلية وحماس.
وشددت أنه كان لمصر دورا فعالا فى جهود الوساطة التى جرت فى أوائل مايو 2024 للتوصل إلى وقف إطلاق النار فى غزة. وقبلت حماس شروط المقترح، الذى تضمن خطة من ثلاث مراحل تشمل وقف الأعمال العدائية، وانسحاب القوات الإسرائيلية، ومبادرة لإدخال مساعدات إنسانية ضخمة، إلا أن نتنياهو رفض المقترح واتجه بدلًا من ذلك إلى السيطرة على محور فيلادلفيا، وهو ما واجه معارضة شديدة من القاهرة.
إلا أنه بمرور الوقت، بدأ صبر الدبلوماسية المصرية ينفد، خاصة مع الإخفاق المتكرر لجهود الوساطة وتفاقم الأزمة الإنسانية. فإسرائيل، التى لم ترسل ممثلين عنها فى الجولة الأخيرة من الوساطة، فرضت قيودًا صارمة على إدخال المساعدات من قِبَل منظمات مثل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فى الشرق الأدنى (الأونروا)، بالإضافة إلى ذلك، استهدفت قوات الدفاع الإسرائيلية بشكل متكرر العاملين فى مجال الإغاثة، للاشتباه فى صلات تربطهم بحماس. وعلى الرغم من التنازلات التى قُدِمَت من حين لآخر بشأن إدخال المساعدات فى ظل الضغوط الدولية، فإن حجم المساعدات ومعدل دخولها لم يكن كافيًا على الإطلاق.
ففى حين تم السماح بإدخال بعض شحنات الإمدادات الطبية والمواد الغذائية، إلا أنها كانت ضئيلة ولم تصل إلى جميع المحتاجين، وتعرضت الحكومة الأمريكية -الحليف الاستراتيجى لإسرائيل والتى تزودها بالأسلحة المتطورة- لضغوط لاتخاذ موقف حازم لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة.وفى هذا الصدد، أدان مسؤولو الأمم المتحدة، بمن فيهم الأمين العام أنطونيو غوتيريس، الحصار على غزة. وخلال زيارة له إلى معبر رفح الحدودى فى مارس 2024، وصف غوتيريس الحصار بأنه “فضيحة أخلاقية” ودعا إسرائيل على إزالة جميع العقبات التى تحول دون دخول المساعدات. كما سعت السلطات فى مصر والأردن إلى تخفيف الحصار، حيث تعمل مصر على تسهيل إيصال المساعدات عبر معبر رفح رغم التحديات اللوجستية والأمنية.
وأوضحت الدراسة، أنه ردًا على التهديد بغزو إسرائيلى واسع النطاق لرفح، اتخذت مصر خطوات أكثر حزمًا تتجاوز دورها التقليدى كوسيط، فبعدما ثَبُت للإدارة المصرية أن الجهود الدبلوماسية غير كافية، صعدت مصر إجراءاتها من خلال توجيه تحذيرات أشد لإسرائيل، انعكس ذلك فى دعم الدبلوماسية المصرية للدعوى التى أقامتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل فى محكمة العدل الدولية، مؤكدة مزاعم جرائم الحرب المُرتَكَبة فى غزة، علاوة على ذلك، هددت مصر بخفض العلاقات الدبلوماسية وربما سحب سفيرها من إسرائيل، مما يشير إلى تصعيد ملحوظ فى الجانب الدبلوماسي. لكن رغم ذلك، أكدت القاهرة فى الوقت نفسه على أن معاهدة السلام ليست على المحك.
وكشفت الدراسة، أن الدبلوماسية المصرية تصاعدت تدريجيًا من الضغوط على إسرائيل بينما تجنبت فى ذات الوقت تصعيد حدة التوترات فى العلاقات المتأزمة بالفعل، هذه العقلانية فى الموقف المصرى تأتى فى سياق هزت فيه حرب غزة مشاعر الشعوب فى مختلف أنحاء العالم العربى، بما فى ذلك المجتمع المصرى، وهو ما يعكس النهج “الرزين” الذى تتبعه مصر فى التعامل مع الأزمة، والذى يراعى الفرص الواقعية لممارسة الضغط على حكومة نتنياهو ويرصد عن كثب سلوك الجهات الفاعلة الدولية الأخرى، بما فى ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية والمملكة العربية السعودية وقطر والأردن ودول أخرى (مثل الصين أو جنوب أفريقيا)، وتُعَدِل تحركاتها وفقًا لذلك. فى الوقت نفسه، تعمل القاهرة على ضمان عدم اضطراب المنظومة الأمنية الراهنة فى الشرق الأوسط، وهى مهمة تتطلب رباطة جأش وحكمة وإرادة. فى نطاق الدبلوماسية، فإن الهدف دائمًا هو زيادة فرص تحقيق النتيجة المرجوة، وليس الاندفاع وراء العواطف. لكن على أى حال، قد لا تكون حكومة نتنياهو مهتمة فى إنهاء الحرب بسرعة، لأن الصراع المستمر فى غزة يمكن أن يعزز بقاء رئيس الوزراء الإسرائيلى فى منصبه. أن نتنياهو بمناهضته الضغوط الدولية (حتى من واشنطن) المفروضة عليه يخاطر بكل شيء فى سبيل هدف واحد البقاء السياسي.