ما حكم تلبية الدعوة إلى الوليمة للعائد من الحج؟ فأحد جيراني أنعم الله عليه بأداء فريضة الحج، وعاد إلى أرض الوطن بالسلامة، وعزم على إقامة وليمة في بيته بهذه المناسبة، ودعاني إليها. فما حكم إجابة تلك الدعوة؟ وهل عليَّ حرج إذا لم أحضر؟..سؤال ورد لـ دار الإفتاء وأجابت عنه بالآتى:
يستحب إجابة دعوة الجار الذي عاد من الحج إلى مأدبة طعام (النقيعة)؛ لما في ذلك من البر والصلة، ومشاركته فرحته بأداء ركن الإسلام الأكبر، وإدخال السرور على قلبه، وكل ذلك مما ندبت إليه الشريعة الغراء، ورغَّبت فيه، ورتَّبت الثواب عليه، ولا حرج عليك إذا تخلفت عن إجابة الدعوة.
حكم تلبية دعوة النقيعة للعائد من الحج وأقوال الفقهاء في ذلك:
قد ذهب عامةُ فقهاء الحنفية والشافعيةُ في الصحيح والحنابلةُ إلى سُنِّيَّةِ واستحبابِ تلبية دعوة النقيعة.
قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "حاشيته على رد المحتار" (6/ 347، ط. دار الفكر): [قوله: (دُعي إلى وليمة) هي طعام العرس، وقيل: الوليمة اسم لكل طعام، وفي "الهندية" عن التمرتاشي: اختُلف في إجابة الدعوى: قال بعضهم: واجبٌ لا يسع تركها، وقال العامة: هي سنةٌ، والأفضل أن يجب إذا كانت وليمةً، وإلا فهو مخيرٌ، والإجابة أفضل؛ لأن فيها إدخال السرور في قلب المؤمن... وفي "البناية": إجابة الدعوة سنة؛ وليمة أو غيرها] اهـ.
وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (3/ 224، ط. دار الكتاب الإسلامي) في حكم تلبية غير دعوة العرس: [(و) في (غيرها مستحبة) لخبر "الصحيحين": «إذَا دُعِيَ أَحَدُكَمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا»] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (3/ 33، ط. عالم الكتب): [(والإجابة إليها) أي: الدعوات غير الوليمة (مستحبة)؛ لحديث البراء مرفوعًا: "أَمَرَ بِإِجَابَةِ الدَّاعِي" متفق عليه. وأدنى أحوال الأمر: الاستحباب، ولما فيها من جبر قلب الداعي، وتطييب خاطره] اهـ.
وذهب المالكية في المنصوص عندهم إلى أنَّ تلبية الدعوة إلى "النقيعة" مكروهة، وذهب الإمام ابن رشد إلى إباحتها من غير حرج في التخلف عنها.
قال العلامة الصاوي في "حاشيته على الشرح الصغير" (2/ 499، ط. دار المعارف): [ووجوب إجابة الدعوة والحضور: إنما هو لوليمة العرس، وأما ما عداها فحضوره مكروهٌ، إلا العقيقة فمندوبٌ؛ كذا في "الشامل"، والذي لابن رشد في "المقدمات": أنَّ حضور الكل مباحٌ إلا وليمة العرس فواجبٌ، وإلا العقيقة فمندوبٌ، والمأدبةُ إذا فُعلت لإيناس الجار ومودته فمندوبةٌ أيضًا، وأمَّا إذا فعلت للفخار والمحمدة فحضورها مكروه] اهـ.
ومقتضى ذلك: أن وجه الكراهة عندهم في تلبية دعوة النقيعة: هو ما يُظن اشتمالها عليه من مقاصد مذمومة كالمحمدة والافتخار ونحوه. فإذا اشتملت على مقاصد محمودة؛ كشكر الله تعالى، وإطعام الطعام، والتودد، وتأليف القلوب: فإنه يستحب إجابتها؛ لاندراجها حينئذ تحت ما نصوا عليه من استحباب إجابة المأدبة إذا اشتملت على تلك المقاصد. وأما إذا فعلت من غير قصد مذموم أو محمود: فإن تلبيتها تكون مباحة.
قال العلامة الحطاب في "مواهب الجليل" (4/ 3، ط. دار الفكر): [وقال في "جامع الذخيرة": مسألة فيما يؤتى من الولائم، ثم قال صاحب "المقدمات": هي خمسة أقسام: واجبة الإجابة إليها وهي وليمة النكاح، ومستحبة الإجابة وهي المأدبة وهي الطعام يعمل للجيران للوداد، ومباحة الإجابة وهي التي تعمل من غير قصد مذموم كالعقيقة للمولود والنقيعة للقادم من السفر والوكيرة لبناء الدار والخرس للنفاس والإعذار للختان ونحو ذلك، ومكروه وهو ما يقصد به الفخر والمحمدة لا سيما أهل الفضل والهيئات] اهـ.
بناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يستحب لك إجابة دعوة جارك الذي عاد من الحج؛ لما في ذلك من البر والصلة، ومشاركته فرحته بأداء ركن الإسلام الأكبر، وإدخال السرور على قلبه، وكل ذلك مما ندبت إليه الشريعة الغراء، ورغَّبت فيه، ورتَّبت الثواب عليه، ولا حرج عليك إذا تخلفت عن إجابة الدعوة.