يعيش المسرح المصرى خلال هذه الفترة حالة من الزخم الكبير وانتعاشة غير مسبوقة وذلك بعد أن عادت له الروح عقب ثورة 30 يونيو، وخاصة فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث كان للثورة تأثير واضح على الفن والحركة المسرحية بصفة خاصة، كما شهدت الفترة الماضية وما بعدها نهضة فنية قوية بعد أن كانت تعاني قوة مصر الناعمة تدهورًا عقب ثورة 25 يناير.
وكان المسرح أحد اهتمامات وزارة الثقافة عقب ثورة 30 يونيو وفقًا لتوجيهات الدولة على مدار السنوات الماضية وحتى الآن، حيث أنه اتساقًا مع استراتيجية وزارة الثقافة لتحقيق العدالة الثقافية، تم إنشاء شعبة مسرح "المواجهة والتجوال" التابع لفرقة المسرح الحديث أحد فرق البيت الفني؛ لتكون مسؤلة عن إنتاج عروض للتجوال وتنظيم جولات للعروض بمختلف المحافظات؛ إيمانًا بأهمية المسرح في مواجهة الأفكار الظلامية التي سادت خلال فترة ما قبل ثورة 30 يونيو.
واستمر البيت الفني في تقديم عروضه المتميزة والهادفة بالمحافظات والقرى والنجوع من خلال شعبة المواجهة؛ ليكون مشاركًا بقوة ضمن المبادرة الرئاسية (حياة كريمة)، وأسفر نجاح ما تقدمة الشعبة لتحولها لفرقة مسرح تابعة للبيت الفني للمسرح يشرف عليها الفنان والمخرج محمد الشرقاوي، وأصبحت مشروعًا قوميًا يواصل التجول بعروضه حتى الآن بجميع ربوع مصر خصوصا القرى والنجوع والمناطق الحدودية الأكثر احتياجًا لهذا الفن.
ومن أبرز ما تقدمة حاليًا فرقة مسرح المواجهة العرض المسرحي الأكثر تميزًا "السمسمية" تأليف وإخراج سعيد سليمان والذي يجول محافظات مصر، حيث يعرض حاليًا بقصر ثقافة العريش ضمن مبادرة ولد هنا، بالبيت الفني للمسرح للفني، حيث يركز العرض على النماذج الجيدة من الشخصيات التي قدمت بطولات حقيقية وتعريف الأجيال الجديدة بها، حيث يحتفي العرض بأبطال المقاومة الشعبية في مدن القناة خلال العدوان الثلاثي في 56 و67، وانتصار أكتوبر 73، الذين لم يدخروا جهدًا؛ لبذله في سبيل الوطن.
وكان المسرح يعاني من إهمال لسنوات طويلة، ولكن في ظل اهتمام الدولة بالفنون وبناء الإنسان أصبحت وزارة الثقافة تعمل على تأهيل كل المسارات وإعادة تشغيلها؛ تزامنًا مع إعادة إحياء فن المسرح فجاء مشروع المسارح المتنقلة.
كما اتجهت وزارة الثقافة بناءً على توجيهات الدولة لافتتاح الصروح الثقافية والفنية لنشر الوعي والتنوير بكافة ربوع مصر، وتطوير وإعادة افتتاح الصروح الثقافية والفنية على مدار السنوات الماضية، والذي بدأ بإعادة تجديد وتشغيل المسرح القومي، ومسرح الغد، ومؤخرًا مسرح السامر الذي افتتحته وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني بإقامة احتفالية كبيرة تليق بمكان المسرح الفنية واحتفالًا بمرور 10 سنوات على ثورة 30 يونيو.
ومن بين المبادرات التي أطلقتها الوزارة بمختلف قطاعاتها على مدار السنوات الماضية للنهوض بالمسرح هي المخرج المحترف، و"ولد هنا" ، و"وأبدا حلمك"، و"أعرف جيشك" و"مسرح السيرة" وغيرها من المبادرات والمشروعات الفنية التي مازالت الوزارة تسعى إليها؛ بهدف تقديم جيل مسرحي شاب قادر على حمل راية الإبداع ومواصلة المسيرة.
ومن ضمن خطوات النهوض بالمسرح قد انطلق في مطلع العام الماضي فعاليات مؤتمر للاعلان عن خطة عروض فرق البيت الفني للمسرح تحت شعار
"2023 عام جديد..ومسرح جديد"، ونظمه قطاع شئون الإنتاج الثقافى برئاسة المخرج خالد جلال القائم بأعمال رئيس البيت الفني للمسرح، حيث تسعى من خلاله الوزارة لاستيعاب المبدعين من الأجيال المختلفة، ودعم المواهب الشابة الواعدة، ورفعة المسرح المصري واستعادة مكانته الرائدة. ويشهد المسرح حاليًا زخمًا كبيرًا من العروض المسرحية التي تم إنتاجها حديثًا ضمن الخطة المقررة رافعة يوميًا لافتة "كامل العدد"، ومحققة أعلى إيرادات وأعلى نسبة حضور جماهيري غير مسبوق في تاريخ المسرح المصري، حيث يقدم على مسارح الدولة جميعها حاليًا عروض من إنتاج الفرق المسرحية بالبيت الفني للمسرح.
وعلي المسرح القومي تعرض مسرحية "مش روميو وجوليت"، و"العيال فهمت" على مسرح ميامي، و"مرايا إلكترا" على المسرح العائم، و"ذات والرداء الأحمر" على مسرح القاهرة للعرائس، و"الحلم حلاوة"على مسرح متربول وغيرها من العروض المسرحية التي وصلت لـ11 عرضًا مسرحيًا.
وفي السياق، قال الناقد المسرحي أحمد خميس الحكيم - في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط - إن ثورة يناير ومن بعدها ثورة 30 يونيو حدثت طفرة في الفنون بشكل العام وفن المسرح على وجه الخصوص، لافتا إلى أن خريطة الفنون تغيرت منذ ذلك التاريخ الفاصل.
وأضاف "على الرغم من وجود بعض المواقف والأزمات التي ما زالت مؤثرة بالسلب على المسيرة الجمالية التي كانت ترجو سقف حريات أكبر، لكن النتائج التى تحققت على الأرض مرضية ويمكن البناء عليها".
وأوضح أنه أصبح لدى الناس وعي بأن فنون الأداء لها دور مؤثر في الشارع بالقدر الذى يسمح بتقديم بعض الأوبرات والباليهات والأغاني والأشعار والعروض المسرحية في الشوارع، فنزول تلك الفنون وغيرها أوصل رسالة مفادها بان الفنون موجودة بالأزمات وتساهم بقدر كبير في الترفية والتعليم والاشتباك مع القضايا الكبرى التى تخص الوضع الراهن.
وتابع أن القائمين على العمل سواء في البيت الفني للمسرح أو مسرح الثقافة الجماهيرية انتبهوا إلى أهمية إنتاج كمية من العروض تغطي ما حدث من تغيير مفاجئ في المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي في مصر.
من جانبه.. قال مخرج العرائس الفنان ناصر عبدالتواب "إن المسرح بشكل عام في مصر شهد طفرة غير مسبوقة من بعد ثورة 30 يونيو، فنحن الآن أمام حركة مسرحية محترمة، ولكن ينقصنا مساحة من الحرية لإطلاق العنان للمبدعين، فمصر لم تنفض من المبدعين".
وأضاف "أنه على سبيل المثال نرى تجارب إخراجية رائعة لأول مرة على المسارح حاليًا لمخرجين شباب تبشر بوجود مخرجين مبدعين واعدين سوف نراهم بقوة على الساحة، بجانب العروض الرائعة التي تقدم حاليًا لمخرجين كبار على مسارح الدولة".
وثمن عروض مسرح المواجهة والتجوال التي تقدم من خلال مبادرة (حياة كريمة)، مؤكدًا أنها من أرقى المبادرات التي تم إطلاقها على مدار السنوات الماضية، واستطاعت أن تصل للقرى المحرومة والمتعطشة للفن، والتي تسعى لتحقيق العدالة الثقافية.
وفيما يخص دور مسرح العرائس، طالب المخرج ناصر عبدالتواب بضرورة إعطاء فرصة لتقديم هذا الفن من خلال عروض موجة للطفل ضمن مبادرة (حياة كريمة) في النجوع والقرى، بجانب عروض مسرح المواجهه الموجه للكبار، فهذه الأماكن متعطشة بشكل كبير لفن العرائس الذي يحمل مضامين مهمه لها تأثير كبير بالأخص على الطفل.
وبدوره.. أكد المخرج المسرحي غريب مصطفى أن المسرح عقب ثورة 30 يونيو، بدأ يتخذ خطوات جادة للانتشار والانتعاش سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام، إذ عبر المسرح عن أفكار إنسانية نبيلة، وثمة عروض كثيرة شكلت إضافة للقوى الناعمة أبرزها "كيد البسوس"، و"دوار بحر" و"العربة".
وقال إن عرض "كيد البسوس"، الذي تم تقديمه على مسرح قصر ثقافة روض الفرج بالمهرجان الختامي لفرق الأقاليم المسرحية بدورته الـ46، ألقى الضوء على انتشار فكرة الثأر والحروب بين القبائل من خلال شخصية "سعاد البسوس" التي أشعلت فتيلة الحرب انتقامًا لأخيها بعد أن قتله الملك.
وأضاف أن العرض المسرحي "آخر الأرض"، الذي تم تقديمه الشهر الماضي ضمن عروض المهرجان الختامي لنوادي المسرح بدورته الـ31، تناول فكرة هل يمكن أن تغير الأزمات من حياة الأشخاص؛ للتأكيد على فكرة السعي لمواجهة المشكلات، فالحياة يوجد بها ما يستحق العيش لأجله.
وأوضح أن العرض المسرحي "العربة" المأخوذ عن نص "وما زالت الأرض تدور" للكاتب سليم كتشنر، يؤكد ضرورة التغلب على الصعوبات والمشكلات الحياتية والتمسك بالحلم والسعي نحو تحقيق الأهداف.
ومن ناحيتها.. أكدت الناقدة المسرحية داليا همام أن المسرح خلال الـ10 سنوات الأخيرة شهد حراكًا واسعًا على مستوى الشكل والمضمون، إذ ظهرت أشكال مسرحية جديدة مثل: مسرح الأقاليم والمواجهة والتجوال؛ لتجوب خشبة المسرح أحياء مصر النائية، كذلك برزت عروض تؤكد دور المسرح والفن في محاربة الأفكار الظلامية كأحد وسائل القوى الناعمة.