مقدمات الكتب... ما قاله مارلين بوث بكتاب مصر فى العقد الأخير من القرن الـ19

الأربعاء، 26 يونيو 2024 07:00 ص
مقدمات الكتب... ما قاله مارلين بوث بكتاب مصر فى العقد الأخير من القرن الـ19 كتاب مصر
أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نواصل سلسلة مقدمات الكتب، ونتوقف اليوم مع كتاب "مصر في العقد الأخير المديد من القرن التاسع عشر" لـ مارلين بوث، أنتوني جورمان، ترجمة: سارة عناني، والصادر عن المركز القومي للترجمة، فما الذي جاء في مقدمته؟

يقول الكتاب في المقدمة تحت عنوان "عقد التسعينيات المديد من القرن التاسع عشر في مصر همود استعماري ومقاومة باطنة":

مهما يكن المكان، فإن تسعينيات القرن التاسع عشر ... والعنوان المقترن بها وهو نهاية القرن ... توحى بألوان براقة، وأحاسيس عارمة وجسارة جمالية، ومناقشات جماهيرية، يشيع فيها الخوف ومزيج من فتور الهمة وقوة العزيمة.


وقبل كل شيء، إدراك متعدد الوجوه لوجود شيء جديد، من خلال التكنولوجيا، في قضايا السلوك للرجل والمرأة وضروب نشر الصحف والكتب، وعادة ما تقدم عواصم أوروبا الغربية الصور التي تقرنها بنهاية القرن، ولكن أحد المعالم التي يتميز بها هذا العقد إحساسنا بأن أرجاء العالم بدأت تترابط ترابطاً أكثر من أي وقت مضى، ولو ظل التفاوت بينهما قائما، وبأن أصداء الوصف بنهاية القرن بعيدة المدى. وكان عقد التسعينيات من القرن التاسع عشر في مصر حقبة توقعات وقلق، وإعادة ترتيب وإعادة تجميع ربما في هدوء وترقب؛ إذ كان المصريون يدخلون آنئذ العقد الثانى من الاحتلال والحكم الاستعمارى البريطاني.

كانت الروابط بالعالم الخارجى واضحة فى القاهرة والإسكندرية، فكنت تراها في واجهات المبانى وفى الشوارع التي اتسعت، ولكن معظم أهل المدن من المصريين كانوا لا يزالون يقيمون في المدن القديمة حول هاتين المدينتين كان التعبير عن المقاومة البازغة للسيطرة السياسية والاقتصادية الأوروبية، إلى جانب احتضان قدر معين من الأخذ بأساليب الحياة الأوروبية، يتجلى فى الصحافة الناشئة القوية، وفي لغة عربية تزداد سلاستها باعتبارها اللغة الميسرة للحديث عن الشأن العام، وإن كانت المطبوعات الدورية باللغات الفرنسية والإيطالية واليونانية وبعضها ثنائي اللغة . تتنافس في اجتذاب القراء. وأدت تكنولوجيا الاتصالات والنقل إلى زيادة قدرة البعض على الحركة، وكانت المشروعات الصناعية الجديدة تشجع الاستهلاك، وهجرة العمال، وسرعان ما أدت إلى الكفاح في سبيل حقوق العاملين. كما أدت الائتلافات بين أفراد الجماعات العرقية المنوعة في مصر إلى أشكال معينة من التضافر السياسي والثقافي، وإلى ضروب من التوتر في بعض الأحيان، وفى الوقت نفسه كان جيل جديد من أبناء النخبة الذين تلقوا   تعليمهم في المدارس الحكومية الجديدة، وغيرها من المدارس التي يديرها الأجانب، أو فى أوروبا، يصوغون أفكارًا جديدة عن اقتصاديات الأسرة وألوان مستقبل الأمة وتمكنت الارض النساء من احتلال مواقع جديدة في الحياة العملية وفي المطبوعات في الوقت الذي  كانت فيه بنات النخبة والطبقات المتوسطة مثار  مناظرة حامية الوطيس حول التعليم الرسمي للفتيات المصريات. من حيث قبوله ومضمونه، فكانت الروايات والدراسات والمقالات المنشورة في المجلات تناقش مسائل الزواج والطلاق، وتربية الأطفال، وقضايا السكان، وتحديد هوية كل من الجنسين، والديناميات المتشابكة لحياة الأسرة والأمة، ودراسة تفاصيلها وتطويرها،
وفي غضون ذلك كان العاملون في الحكومة ومديروه الاستعماريون منهمكين في دراسة بلد شاسع متنوع ، لا يزال يعتمد اعتمادا  كبيرا على الزراعة ويتسم بهوامش بشرية لا يتسنى التحكم فيها بما يرضي الجميع في كل الأحوال.

ربما يظن من يتأمل الأحوال السياسية العامة في تلك الحقبة، أن عقد التسعينيات في مصر لم يشهد تغييرا ميدانيا يذكر ما بين الاحتلال البريطاني عام 1882 وما شهدته بواكير القرن العشرين من ارتفاع موجة الشعور المعادي للإمبريالية والكفاح في سبيل القضية القومية، ولكننا نستطيع أن نعتبر أنه عقد طرح التساؤلات، وتنظيم صفوفها، في أعقاب اضطلاع أوروبا بالتصدى لقضية ديون مصر، والفورة السياسية المحلية، والتدخل الأجنبي الذى أدى إلى الاحتلال. ونحن نبحث عن بوادر إعادة التنظيم والتنازع في أماكن منوعة مثل المدافن، وأماكن العمل والصحف، والمجتمعات المحلية في الريف، والأحياء (النائية)، وشوارع المدن والمسارح، وفي الصفحات والروايات. كما نتصدى لمسائل الاشتباك السياسي والحكم الاستعماري، وحالات إعادة الترتيب الاجتماعي، بما في ذلك التحولات في أدوار الرجال والنساء، ونقاط الغموض الجغرافي، والنشأة غير المسبوقة لوسائل الإعلام الجماهيرية، وتشكيل هوية المجتمعات المحلية، في وقت النمو والتدفق السكاني الهائل، وظهور حالات شتات جديدة، والإمكانات المتغيرة للإنتاج الثقافي.

وقد اقترنت بهذه التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية والسياسية السريعة ضروب جديدة من الإفصاح عن الانتماء السياسي والتنازع حوله، وهو الذي أدى بدوره إلى التطورات المؤسسية البارزة في العقد التالي، وبذر بذور السياسات القومية في الفترة التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى مباشرة. وقد حظيت هذه جميعا بالدعم من التحولات التكنولوجية والثقافية المادية، مثل ضروب التحسن في وسائل النقل، وتخطيط المدن والاتصالات، والحصول على المعلومات. وهذه هي الأسباب التي جعلت آخر القرن التاسع عشر يحظى باهتمام متزايد من جانب العلماء والدارسين في شتي التخصصات وفي شتى المناطق القومية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بصورة عامة. وهكذا فبعد أن كانت هذه الفترة تعانى من التجاهل النسبي في البحث العلمي، أصبح العقد المذكور يجتذب كل من يعيد تقييم التاريخ الثقافي والنشاط الأدبي، إلى جانب الباحثين في الكفاح العمالي، وحركات المعارضة السياسية في سياق المرحلة الاستعمارية المتاخرة، والشبكات الاجتماعية ودراسات أوضاع الجنسين. وعلى الرغم من أننا لا تستطيع أن نناقش جميع جوانب هذا العقد الدينامي، فنحن نرجو أن نجمع الكثير من القضايا والموضوعات التي يتكرر ظهورها في شتى المسائل التي تبدو متنوعة أو غير مترابطة

وأما منشأ هذا الكتاب فكان حلقة عمل دعونا إلى عقدها في جامعة إدنبرة عام 2011 برعاية مركز الدراسات المتقدمة للعالم العربي، بتمويل من مشروع دراسات المناطق القائمة على اللغة (LHAS) الذي أنشأته هيئة مراكز البحوث في المملكة المتحدة، وعلى رأسها مجلس البحوث الاجتماعية والاقتصادية. ونحن نعرب عن امتناننا لهذا الدعم وكان المشاركون في هذا الكتاب، إلى جانب عدد من الزملاء الآخرين الباحثين في هذه الفترة، وقد اجتمعوا للتحادث حول هذه اللحظة التي لم يكن حظها من الدرس فى تاريخ مصر الحديث، واشتركنا جميعًا فى صوغ الأسئلة الرئيسية التي استرشد بها عملنا بعدة طرق مختلفة، وتتولى فصول هذا الكتاب تقييم العقد المذكور عبر شريحة عريضة من المواقع والتحولات الجغرافية والسكانية والفكرية، فتتناول ألوانا متباينة من التعبير والنضال، وهى التى يتقاطع بعضها مع بعض أو يُشكل بعضها بعضا، ونحن لفحص بالقدر نفسه الأدوار التي اضطلعت بها شتى المجتمعات المحلية والجماعات المشتركة في الهوية خلال المناقشات التي شهدها ذلك العقد، وننظر في تدفقات السكان من مناطق مختلفة من مصر، وحدود الدولة نفسها. وكان من المحتوم أن يقوم المشاركون فى هذا الكتاب أثناء تأملهم لتأثير هذا العقد أنيا وزمنيا، وفي إطار إدراكهم لاستحالة الفصل الحاسم بين أية فترة زمنية وبين ما سبقها أو لحقها من الأحداث، بدراسة الفترة الزمنية الأطول والممتدة من الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 إلى ظهور المناقشات الضارية وتشكيل الأحزاب السياسية القومية في العقد الأول من القرن العشرين.

 

مصر
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة