نظم المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، اليوم الخميس مؤتمرًا تحت عنوان: "صراعات القرن الأفريقي.. وتداعياتها على الأمن الإقليمى والمصري"، وذلك بمشاركة نخبة واسعة من خبراء الشئون الأفريقية، والعلاقات الدولية، ومراكز الفكر المصرية والأجنبية، بالإضافة إلى حضور رفيع المستوى من الوزرات، وكبار المسئولين بالدولة المصرية، وممثلين عن السفارات الأجنبية، والمنظمات الدولية، والأكاديميين، والباحثين، إلى جانب ممثلين عن منظمات المجتمع المدني.
وأكد دكتور محمد مجاهد الزيات، عضو الهيئة الاستشارية بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن الحديث عن القرن الأفريقى لا يجب أن ينسحب فقط على دول القرن الأفريقى المحددة أو حتى دول الجوار الأفريقى بالنسبه لها، وأنه لا يعقل أن نتحدث عن الأمن البحرى أو الأمن فى القرن الأفريقى دون أن نشير لإيران فنفوذها موجود سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأضاف "الزيات" خلال مؤتمر "صراعات القرن الأفريقى وتداعياتها على الأمن الإقليمى والمصري" أن هناك أطراف حاضرة وغائبة لها قرار وتأثير على الأمن فى تلك المنطقة، وأن جميع الصراعات التى تجرى على مستوى سوريا ولبنان واليمن والقرن الأفريقى وليبيا هى صراعات مستمرة وسوف تستمر.
وأشار إلى أن هذه الصراعات مركبة لأنها يتداخل فيها الشأن الداخلى والشأن الإقليمى والدولى أيضًا، وأن الصراع الدولى له انعكاس فى القرن الأفريقى لأنه صراع اقتصادى، وصراع على البنية الأساسية، وأن الأمن فى القرن الأفريقى هو شأن عربى وشأن مصرى فى البداية والنهاية.
فيما قالت الدكتورة سها جندى، وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، إن التدخلات الخارجية تعد عامل فى السياسة الداخلية لدول القرن الأفريقى العامل الأهم على الإطلاق فى زيادة الصراعات، خاصة فى ظل تدخلات ليس فقط من الدول الغربية ولكن أيضًا من الدول الإقليمية والعربية، والتى تسهم فى زيادة الصراعات وتعقد المشهد.
وأضافت فى تصريحات صحفية على هامش مؤتمر "صراعات القرن الأفريقى وتداعياتها على الأمن الإقليمى والمصري" الذى ينظمه المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية اليوم، أنه علينا أن نعمل على الوصول إلى حل حقيقى، وأن نحاول ألا نترك أى دول خرجت من النزاع فى مهب الريح وعرضة للتهديدات والتدخلات الخارجية فى شؤونها الداخلية، خاصة فى ظل احتدام الوضع بالنسبة لتلك الدول بعد خروج من الصراع، وذلك فى ظل دورنا فى حماية القارة شديدة الثراء.
وأشارت إلى أن مصر عندما تولت رئاسة الاتحاد الأفريقى شهد الجميع أنها كانت العراب الأمين، وحاولت دائمًا الوصول إلى حلول للصراعات الأفريقية، وفى نفس الوقت، الكثير من الدول فى القرن الأفريقى ترى أن مصر صاحبة مصلحة، ولذلك من المهم أن نوازن بين دورنا القيادى وبين مصالحنا السياسية.
وأكدت أن التنمية والسلام هما الحلان لكافة الصراعات الإقليمية، وفى ذلك الإطار، هناك حاجة شديدة لتدخل مصر أخذًا فى الاعتبار إمكانياتها لتكون جزءًا من الحل لأى دولة خارجة من صراع فى المنطقة أو خارجها.
وأكدت الدكتورة رانيا حسين خفاجة مدرس العلوم السياسية بكلية الدراسات العليا الأفريقية بجامعة القاهرة، أن الصراع الدولى له انعكاس على القرن الأفريقى، وأن العلاقة بين الموارد والصراعات علاقة وثيقة، سواء ندرة الموارد أو وفرتها أو مسألة غياب العدالة فى توزيع الموارد، موضحة أنه من الأهمية بمكان البحث فى أنماط الصراعات حول الموارد، خاصة الصراعات المحلية.
وأضافت خلال كلمتها بمؤتمر "صراعات القرن الأفريقى وتداعياتها على الأمن الإقليمى والمصري" أن هناك نزاعات مرتبطة باكتشاف النفط، فالبحث عن هذه الموارد يثير إشكالات كثيرة بين المجتمعات المحلية مثلما الحال فى الصومال وكينيا، وأن توجد حاجة ماسة لتفعيل الإنذار المبكر فيما يتعلق بالصراعات المتوقعة حول الموارد، وإيلاء قدر من الاهتمام لقواعد البيانات التى توضح العلاقة بين اندلاع الصراعات وقلة الموارد.
وأشارت إلى أن الصراع على الموارد فى المستويات المحلية يتقاطع مع الصراعات الإثنية وصراعات الحدود والصراعات السياسية.
ومن جانبه أكد كمال جوتالة السكرتير الدائم لمكتب رئيس الوزراء الصومالى، أن القرن الأفريقى له تاريخ معقد وصعب ومركب تأثر بالاستعمار وإرثه، مفهوم الدولة فى منطقة القرن الأفريقى بشكل عام منطبع بشدة بالآثار التاريخية للحقبة الاستعمارية.
وأضاف خلال كلمته بمؤتمر "صراعات القرن الأفريقى وتداعياتها على الأمن الإقليمى والمصري" أنه قبل الحقبة الاستعمارية اتسم الحكم فى منطقة القرن الأفريقى بالطابع العشائرى فضلًا عن انتشار الممالك والسلاطين، متابعا: "الدول الأوروبية رسمت الحدود بين الدول الأفريقية بالمسطرة دون النظر لطبيعة المنطقة أو حتى العداءات والتحالفات بين مكوناتها، ما كان له أكبر الأثر على مستقبل هذه الدول حتى الآن".
ولفت إلى أنه زاد العبء على الدول فى القرن الأفريقى بسبب الرغبة فى السيطرة داخليًا ومواجهة التحديات الخارجية مما نجم عنه العديد من الحروب، وأن المذكرة التى وقعتها إثيوبيا مع إقليم أرض الصومال للوصول إلى منفذ للبحر الأحمر تضع العديد من علامات الاستفهام حول شرعية الحدود القائمة حاليًا وتضر باستقرار القارة الأفريقية ككل.
وشدد على أنه من الضرورى التركيز على بقاء الدول وحمايتها من الانهيار عبر خلق دولة قادرة على ضبط الأمن وتوفير الخدمات الأساسية والتعامل مع المشاكل الاقتصادية والتنوع العرقى، مضيفا :"لابد من استخدام الآليات الداخلية للوساطة فى حل مشاكل الدول من خلال توظيف الاتحاد الأفريقى والمنظمات الأفريقية، وأنه من المهم بناء نظام متكامل اقتصاديًا كوسيلة من وسائل حماية الأمن الأفريقى عن طريق تكوين شبكة اعتماد متبادلة داخل القارة".
فيما أكد الدكتور أيمن زهرى خبير دراسات الهجرة والسكان، أن هناك نحو 20 مليون مشرد بين نازح ولاجئ من دول القرن الأفريقى وشرق أفريقيا أى نحو سدس إجمالى المشردين والنازحين على مستوى العالم، وأن الصومال على سبيل المثال بها نحو 3.9 ملايين نازح، ونحو مليون لاجئ منها للخارج بالعديد من دول العالم؛ أى نحو 5 ملايين مشرد من دولة واحدة، وعدد المشردين فى السودان يزداد يوميًا، ويصل الآن إلى نحو 9:7 ملايين نازح داخل السودان وأكثر من مليونى طالب لجوء فى دول الجوار.
وأوضح أن الحروب والنزاعات الداخلية السبب الرئيسى للنزوح واللجوء، ونواجه استمرارية فى هذه الظاهر التى تسمى "التشريد طويل الأجل" بسبب استمرار هذه النزاعات لأكثر من عشر سنوات، ونحو 75%من اللاجئين يلجأون لدول الجوار التى لا تستطيع استيعاب هذه الأعداد ودمجها فى المجتمع. لذا وضعية اللاجئين على مستوى العالم مزرية، كما أن التغيرات المناخية تعد سببًا أساسيًا كذلك فى النزوح واللجوء لأن أفريقيا من أكثر القارات المتأثرة بها.
وأشار إلى أن من ضمن مفاتيح الحل الرئيسية للنزوح فى القرن الأفريقى أن يكون الحل أفريقيًا من خلال المؤسسات الأفريقية وخاصة الاتحاد الأفريقى ومنظمة الإيجاد، كما أن هناك آليات لحل هذه الظاهرة على المستوى الأفريقى، مثل: اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية الخاصة باللاجئين واتفاقية الاتحاد الأفريقى لعام 2009.
فيما أكد تينا كوكاماه باه رئيس قسم أفريقيا جنوب الصحراء بمركز مارتى آهتسارى للسلام بفنلندا، أن هناك عدد من آليات التعاون الإقليمى المكلفة بمنع الصراعات وحلها فى القرن الأفريقى، وتشمل هذه المنظمات الاتحاد الأفريقى، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إياد)، وجامعة الدول العربية، وكذلك جماعة شرق أفريقيا (EAC).
وأضاف خلال كلمته بمؤتمر "صراعات القرن الأفريقى وتداعياتها على الأمن الإقليمى والمصري" أننا نواجه حاليًا فترة من التوترات المتزايدة والمنافسة الجيوسياسية وضعف التعددية على المستوى العالمى، وكذلك فى القرن الأفريقى، مشيرا إلى أننا بحاجة إلى أن نكون مبدعين فى خلق سبل للحوار الشامل فى هذا العصر الذى يتسم بالتوترات وإضعاف التعددية.
وأستكمل أنه ينبغى لدول القرن الأفريقى أن تجتمع معًا لمعالجة التحديات الأمنية المشتركة وآثار صراعات المنطقة العابرة للحدود، وأنه يحتاج المجتمع الدولى أيضًا إلى التنسيق والتعاون لتجنب المزيد من التشرذم فى المنطقة ودعم ملكية المنطقة فى إدارة الصراعات، ويحتاج حل الصراع فى السودان إلى نهج متماسك، والتنسيق بين المنظمات والوسطاء لتصميم عملية سلام شاملة.
وأشار إلى أن هناك حاجة للتعاون بشكل عاجل لمعالجة المجاعة الوشيكة وتدمير البنية التحتية الحيوية فى السودان. وقد يتطلب هذا بعض الإبداع بما فى ذلك دعم الهياكل المحلية.