يحمل قرار تغيير الحكومة المصرية في طياته آمالًا وتوقعات كبيرة من الشعب في سبيل تحقيق تحسينات ملموسة في مختلف جوانب الحياة، بدءًا من الاقتصاد وصولًا إلى الخدمات العامة. والتغلب على التحديات الراهنة من خلال آليات وسياسات تنفيذية من شأنها علاج الأمراض الاقتصادية والاجتماعية المزمنة بالمجتمع، وتحسين الظروف المعيشية للأجيال الحالية والمستقبلية دون استنزاف الموارد الطبيعية، من خلال تبني رؤى وسياسات مغايرة تسهم في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة ومن ثم تحسينات جوهرية في حياة المواطنين.
وفي دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، رصدت أهم التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة والتي تتجسد في:
ووفقا للدراسة فمن المتوقع أن يسهم التغير الحكومي في إعادة رسم وصياغة السياسات الراهنة، ولعب دورًا محوريا في تحديد بوصلتها، بما يتماشى مع طبيعة التطورات والتحديات التي تمر بها الدولة في الداخل والأزمات الاقتصادية العالمية، وعمق التوترات والصراعات الجيوسياسية التي تحيط بها في الخارج.
بالتأكيد من شأن ضخ دماء جديدة داخل الحكومة المصرية أن يؤدي إلى تغييرات ملموسة على الأرض، بجانب استمرار الحوار الوطني الذي سيعد بوصلة مهمة من شأنها تصويب مسارات الحكومة، الأمر الذي سيعود بالإيجاب على المواطنين، ويزيد من الدعم الشعبي. وفي هذا الصدد، من المتوقع أن تأتي عدة ملفات على رأس أولويات الحكومة القادمة يرجح أن يكون أبرزها ما يلي:
الأمن القومي:
تظل الدولة المصرية ملتزمة بالحفاظ على أمنها القومي في ضوء التحديات الإقليمية والدولية، مع التركيز على مكافحة الإرهاب وضمان الاستقرار، ومن شأن الحكومة الجديدة أن تواصل الاشتباك في الملفات التي كانت تنخرط عبرها الحكومة السابقة، ويأتي آخرها ملف حرب غزة، التي لعبت مصر خلاله دوراً مفصلياً كطرف موثوق في المفاوضات بين كافة الأطراف، عبر آلياتها الدبلوماسية وأجهزة الدولة المعنية.
ملف بناء الإنسان:
يقع ملف بناء الإنسان على رأس قائمة أولويات الحكومة الجديدة، وفق تعليمات سيادة الرئيس، خاصة في مجالي الصحة والتعليم، وذلك لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وضمان تقديم خدمات أفضل للمواطنين.
وعليه يتعين على الحكومة الجديدة الاستمرار في بذل المزيد من الجهد لتنفيذ المزيد من المشروعات التنموية في تحسين البنية التحتية الصحية والتعليمية والاجتماعية، وتحسين آليات تقديم الخدمة للمواطنين، بما يتماشى مع حاجة السكان المتزايدة ويحسن من جودة حياتهم، يتلاءم مع التحديات البيئية والاقتصادية التي تجابه الدولة المصرية.
وبالحديث عن ملف الصحة، فيطمح المواطنون إلى أن يلمسوا تحسناً ملحوظاً على صعيد مستوى الخدمات الصحية، عبر تعميم نظام التأمين الصحي الشامل، والتعاقد مع أكبر عدد من مقدمي الخدمات الطبية من القطاع الخاص، وكذلك التوسع في المبادرات الصحية استكمالاً للمبادرات الرئاسية التي حققت نجاحاً واسعاً، مما يقلل من أعباء الإنفاق الطبي في ظل نظام التأمين الصحي الشامل في المستقبل. أما على صعيد الأطباء، فهناك حاجة ملحة إلى تحسين ظروف عملهم، وتعزيز مرتباتهم والاهتمام بالتعويض عن ارتفاع معدلات التضخم، مع سرعة إصدار قانون المسؤولية الطبية، وكذلك تعزيز التسويق للسياحة العلاجية بمصر، كونها الأقل تكلفة مقارنة بعدد من الدول الأخرى.
أما عن ملف التعليم، فسيتعين على الحكومة بذل مجهود مضاعف في هذا الملف، لحل مشكلة الكثافة الطلابية، باستكمال مراحل مشروع “حياة كريمة” وبناء عدد أكبر من الفصول والمدارس، ومكافحة التسرب من التعليم وعمالة الأطفال، وتطوير التعليم الفني اعتباره قاطرة التنمية في دعم قطاع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك العمل على جذب المزيد من الطلاب الوافدين من خلال الجامعات الأهلية، ما يؤدي إلى تحسين مؤشرات جودة التعليم الجامعي في مصر.
أما عن ملف التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمواطن المصري، فتأتي فرص العمل المنبثقة من تعزيز الحكومة لدور المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، أحد الاليات الرئيسية التي يتعين على الحكومة الاستمرار في طرح المزيد من المبادرات لتشجيع ريادة الأعمال والمشروعات الشبابية مع تسهيل وتذليل العقبات أمام تلك المشروعات، وتقديم المزيد من الدعم المالي والتسهيلات الائتمانية لهذه المشروعات التي تلعب دورًا هامًا في الاقتصادات الناشئة والتي تقع مصر من ضمنها؛ إذ تقدم المزيد من فرص العمل، وتسهم في تشغيل ملايين الشباب مما يقلل نسبة البطالة.
ويتوقع من الحكومة المصرية الجديدة أن تعالج التحديات التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة، كضعف رؤوس الأموال، وصعوبة الحصول على العمالة المؤهلة والمدربة، وافتقار اغلب القائمين على المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى الخبرة والقدرات التنظيمية والإدارية والفنية والتسويقية بالداخل والخارج. كذلك افتقار منتجات هذه الفئة من المشروعات للجودة التي تمكنها من منافسة المنتجات المناظرة عالميا.
العدالة الاجتماعية
تهدف الحكومة الجديدة إلى بناء مجتمع عادل متكاتف يتميز بالمساواة في الحقوق والفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبأعلى درجة من الاندماج المجتمعي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال سن بعض القوانين التي تعمل على إرساء الحماية الاجتماعية وتوسيع مظلتها وتمكين الفئات الأكثر تهميشا، كالعمل على قانون الأحوال الشخصية الجديد الذي يحقق الانصاف للمرأة المصرية، وغيرها من القوانين الأخرى التي تعمل على مكافحة التمييز والعنف ضد النساء مثل القانون الموحد لمكافحة العنف ضد المرأة وقانون الزواج المبكر إضافة إلى تعديل القوانين الخاصة بالعمل خاصة في القطاع الخاص وما يتعلق بترتيبات العمل المرن لتحقيق مشاركة أوسع للنساء في سوق العمل ومن ثم ضمان التمكين الاقتصادي لهن.
ومن المستهدف أيضاً أن تعمل الدولة المصرية على توفير الحماية لكبار السن من خلال زيادة المبادرات الصحية المناسبة لهم إضافة الى استمرارية تقديم الزيادات والمنح الاستثنائية وزيادة المعاشات بشكل منتظم ومجزي بما يتماشى مع معدلات التضخم.
بجانب توسيع مظلة الحماية الاجتماعية وضم المزيد من المستفيدين من الأسر الأكثر احتياجا بالاستناد لقواعد البيانات الخاصة بتكافل وكرامة وحياة كريمة، واتباع نهج الدولة المتمثل في تقديم المزيد من البرامج التي تتسم بالطابع الحقوقي عن الإغاثي لضمان استدامة برامج الحماية الاجتماعية.
الثقافة والوعي والمشاركة السياسية:
ستواصل الدولة المصرية جهودها لتطوير المشاركة السياسية وتعزيز دور المواطنين في صنع القرار، من خلال الاستمرار في توسيع مشاركة كافة الأطياف السياسية في الحوار الوطني، وذلك تنفيذًا لتوجيهات الرئيس السيسي بضرورة انخراط كافة الأطياف السياسة في المشهد السياسي المصري، بما يرسخ لمفاهيم المواطنة والسلام المجتمعي.
كما ستعمل الحكومة الجديدة على تطوير ملفات الثقافة والوعي الوطني وتجديد الخطاب الديني، وذلك لتعزيز مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعي، بهدف بناء جيل يتمتع بهوية وطنية وقادر على المنافسة.
وقد يتحقق ذلك عبر زيادة الاهتمام بمبادرات الإبداع والثقافة، وكذلك تنوع المنتجات الثقافية المقدمة للمواطن، بما يراعي خصائص الأجيال المختلفة، وكذلك تطوير الإعلام الرقمي والمنصات الإلكترونية، وتجديد الخطاب الديني، بما يركز على محاربة التطرف الفكري، والأفكار الهدامة، واستغلال القاعدة الشبابية الواسعة التي تشكل النصيب الأكبر من الجمهورية عبر تدريبهم وتأهيلهم، وتعزيز مفهوم الوطنية داخلهم.
الإصلاح الاقتصادي:
وهو الملف الأصعب أمام الحكومة الجديدة، وبناء على توجيهات السيد الرئيس، ستواصل الدولة المصرية مسار الإصلاح الاقتصادي، مع التركيز على جذب وزيادة الاستثمارات المحلية والخارجية، وتشجيع نمو القطاع الخاص، وبذل كل الجهد للحد من ارتفاع الأسعار والتضخم وضبط الأسواق.
وبشكل أكثر تفصيلاً، يمكن أن يشكل الحوار الوطني الاقتصادي عامل مؤثر وفعال وداعم للحكومة الجديدة في مواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة، من خلال طرح رؤي وأفكار المختلفة، بما يسرع من وتيرة تخطي الأزمة الاقتصادية.
فعلى صعيد القطاع النقدي، سيتعين على الحكومة أن تستهدف خفض التضخم إلى أقل مستوياته بنهاية عام 2026. أما على الصعيد المالي، فهناك هدف أساسي يتمثل في خفض العجز الكلي للموازنة وخفض الدين العام وتحقيق فائض، وذلك من خلال الاستمرار في جهود الحفاظ على الاستقرار المالي المتوازن في ظل تداعيات الأزمة الراهنة، والاستمرار في دعم ومساندة القطاعات الإنتاجية والفئات الأكثر تأثراً بالأزمات الاقتصادية، واستمرار جهود تحسين جودة البنية التحتية، كذلك الاستمرار في سياسة التسعير السليم للسلع والخدمات لضمان كفاءة تخصيص الموارد خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة والضغوطات التضخمية على أسعار السلع الأساسية والغذائية.
أما القطاع الخاص، فيجب على الحكومة الحالية أن تستهدف مضاعفة نمو القطاع الخاص إلى ما يفوق نسبة 65%، وجذب المزيد من الاستثمارات، وتذليل التحديات التي تواجه تفعيل دور القطاع الخاص، وزيادة مستويات مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وخلق فرص العمل والاستثمارات ورفع معدلات التصدير، والتي تمثل الهدف الرئيس لـ “وثيقة سياسة ملكية الدولة”.
وعن الصناعة، ستحتاج الصناعة إلى دفعة قوية من التسهيلات والتشريعات القانونية، مثل الرخص الذهبية، وغيرها من الإجراءات التي كانت تعوق حركة الاستثمار، والتعهد بالقضاء على البيروقراطية المترسخة داخل المجتمع وخاصة في الأجهزة التنفيذية، ومن المستهدف أن يسهم استمرار سياسات توطين الصناعة التي تتخذها الحكومة بشكل مستمر في زيادة معدلات تبادلها التجاري مع غالبية دول العالم. وتعزيز التقنيات الذكية والتحول الأخضر، وتعديل التشريعات المتعلقة بالتعريفة الجمركية، ووضوح شرط التعامل مع المستثمرين وطرق فض المنازعات الدولية، وشمولية قانون الاستثمار.
أما ملف السياحة، والذي يعتبر أحد أهم موارد مصر الاقتصادية، فعلى الحكومة الجديدة أن تستهدف تعاظم نمو السياحة المصرية من خريطة السياحة العالمية والوصول إلى أكبر عدد قياسي من السياح في فترة قصيرة، وذلك عبر تعظيم البنية التحتية، وتذليل العقبات أمام السائحين، سواء كانت المتعلقة بعدد الغرف المخصصة لاستقبالهم أو خطوط الطيران المهيأة لنقلهم، وكذلك تطوير الاتصالات ونظام التأشيرات، وكذلك استخدام مفاهيم ترويجية جديدة، ومشاركة القطاع الخاص، وحوكمة القطاع السياحي والاتحادات المنظمة له، والشراكة مع الوكالات الدولية التي تقدم ضمانات ائتمانية، وتحديث الخريطة الاستثمارية السياحية وذلك وفقًا لمحددات منظمة السياحة العالمية،
وعن قطاع الزراعة، على الحكومة الجديدة أن تستهدف زيادة الرقعة الزراعية، ودعم التصنيع الزراعي، وذلك من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل، وخاصة الاستراتيجية، وكذلك إنشاء تجمعات للصناعات الزراعية ورفع القيمة الاقتصادية المضافة للمحاصيل الزراعية والموارد المائية المستخدمة، وزيادة الصادرات من المنتجات الزراعية المصنعة، وكذلك تعزيز البحث العلمي في مجالات تطوير الزراعة، وتشجيع مشروعات التصنيع الزراعي، مع حسم الموقف من التعدي على الأراضي الزراعية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة