الحب بحر واسع كلما أبحرنا فيه أوشكنا على الغرق أكثر، فلا حدود له ولا ملجأ إلا إليه، فالمحبان يريدان أن يكونا شخصا واحدا، وفي ذلك يحدثنا كتاب "لماذا نحب؟: طبيعة الحب وكيمياؤه" لـ هيلين فيش":
الحنين إلى التوحُّد العاطفى:
"تعالَ إليَّ في أحلامي/ ووقتها/ وفي النهار/ سأعود من جديد في حال أفضل/ لأنه هكذا/ سيقضي عليَّ كلُّ الحنين اليائس/الذي يسكن نهاري" العشاق يتوقون بلهفة إلى الوحدة العاطفية مع أحبَّتهم، كما كان يعلم الشاعر ماثيو آرنولد، من دون هذا التواصل مع المحبوب، يشعر العشاق بأنهم غيرُ مكتملين أو كأنما هم مُفرَّغون، كأنَّ جزءًا أساسيًّا من تكوينهم مفقودٌ.
في استطلاعي، وافق 86٪ من الرجال، و84٪ من النساء على عبارة: "أتمنَّى بعمق أن يكون… منجذبًا/ منجذبة إليَّ مثلما أنا منجذبٌ إليه/إليها".
تلك الرغبة العارمة في الذوبان والتوحُّد مع المحبوب، تُحلل وتُفنِّد مجمل الأدب العالمي.
كتب الشاعر الروماني ابن القرن السادس باولو سيلنتياروس: "هكذا يرقدُ العاشقان/ مُغلقَي الشفاه/ محمومَين/أبدييَّ الظمأ/ كلٌّ منهما يتوق أن يدخل بكامله في عمق الآخر".
يوفور وينترز، الشاعر الأمريكي ابن القرن الثاني عشر كتب يقول: "علَّ ورثتنا يضعوننا بعد موتنا في جرَّة واحدة محكمة الإغلاق/ لأن الروح الواحدة لا تعود أبدًا".
وعبَّر ميلتون ببراعة عن ذلك في "الفردوس المفقود" حينما قال آدم لحواء: «نحن واحدٌ/ لحمٌ واحدٌ/ أفقدكِ حين أفقدُ نفسي".
ويؤمن الفيلسوف روبرت سولومون أن تلك الرغبة الملحَّة هي السبب الأوَّلي الذي يجعل العاشق يقول: "أنا أحبك"، ليست هي جملة من أجل إخبار حقيقة، بقدر ما هي طلب للتأكيد، يتوق العاشق لسماع تلك الكلمات السحرية: "أحبك أيضًا"، عميقة هي الحاجة للتوحد العاطفي مع المحبوب لدرجة جعلَت خبراء النفس يؤمنون بأن شعور العاشق بالنفس يصير مشوشًا وضبابيًّا … وكما قال فرويد: "كلما زاد الحبُّ وطأةً، هدَّد بطمس الحدود بين الذات وبين المحبوب".
قبض الروائي جويسن كارول أوتس بحيوية على حالة الانصهار المبهج تلك قائلًا: "إذا ما التفت الناسُ إلينا فجأة فسوف نرتجف ونرتد للوراء/ الجِلد المبتل سوف يرتعد/ وأخيرًا/ سوف يتمزق عن شخصين؟".