على مدى 11 عاما منذ قرر المصريون استعادة وطنهم من براثن الإرهاب والطريق الخطر وطريق الذهاب بلا رجعة ، حسم المصريون موقفهم وقرروا مواجهة تنظيم اختطف البلد فى طريق الضياع، وخلال 11 عاما لم يكن التحرك للأمام فى خط مستقيم، لكن فى خطوط متعرجة، كل مرحلة كانت هناك تحديات مختلفة، بعضها تحديات أو مشكلات يومية، والبعض الآخر تحديات وجودية، تهدد الدولة ووحدة المصريين، الرباط الذى حافظوا عليه، مهما تنوعت الآراء واختلفت التصورات تبقى وحدة المصريين هى سر صمود مصر والمصريين بينما تهاوت من حولهم دول وتفسخت أنظمة.
كل من يريد قراءة وتقييم الحال الآن وينظر إلى تحديات اقتصادية أو سياسية إقليمية او دولية، عليه النظر من كل الزوايا إلى حجم وشكل ما واجهه فى سنوات تبدو وكأنها 11 عقدا، حيث واجه المصريون الإرهاب الممول والمعولم والذى فكك دولا من حولنا، أكثر من 8 سنوات، كان الإرهاب تهديدا واستنزافا للاقتصاد، وعلى مدى 90 شهرا كانت تكلفة مواجهة الإرهاب 90 مليار جنيه، بمعدل مليار جنيه شهريا، وأرواح مئات الشهداء وآلاف الجرحى.
الإرهاب لم يكن تهديدا محليا لكنه كان جزءا من تنظيمات لها امتدادات إقليمية ودولية، ولم يكن الإرهاب منفصلا عن تنظيمات وشبكات وأجهزة استخبارات وتمويلات ضخمة أنتجت تنظيم داعش وتوابعه، وكان حليفا محتملا لتنظيم الإخوان الذى لا يمانع من التحالف مع الشيطان طالما يحقق له مصالحه.
بجانب الإرهاب كان على مصر استعادة الاقتصاد والبدء فى عملية بناء وتخطيط للبنية الأساسية وملفات الصحة والتعليم والزراعة والصناعة، كان على المصريين أن يواجهوا الفيروس الكبدى الوبائى، والعشوائيات، وبنية أساسية متهالكة من الطرق والكهرباء، ولجان وشائعات تنطلق من منصات وخلايا مدربة هدفها نشر الإحباط والإيقاع بين المصريين وبعضهم، وزرع الشك والخوف.
وقبل أن تنتهى الحرب على الإرهاب كان ظهور فيروس كوفيد 19، أو كورونا لمدة عامين والذى أغلق العالم ونتج عنه تداعيات اقتصادية كبرى، نجحت مصر فى تخطيه بفضل إصلاح اقتصادى قوى وإن كان مؤلما، وانتصرت على الفيروس وتداعياته، ومعه حرب دعائية وشائعات نجحت مصر فى تخطى الأزمة، وبشكل فاق دولا كبرى.
ولم تكن كورونا قد انتهت بعد عامين حتى اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية بانعكاساتها على الاقتصاد العالم وأسعار الحبوب والطاقة، والحرب الروسية الأوكرانية ليست حربا ثنائية، لكنها فصل من فصول حرب باردة وساخنة وتحولات جيوسياسية، أثرت ولا تزال على أسعار الغذاء والطاقة فى العالم، ووسط استمرار حرب أوكرانيا بتداعياتها، اندلعت الحرب فى غزة والتى يواصل فيها الاحتلال الإسرائيلى حرب إبادة على غزة لأكثر من 8 أشهر، وبقيت مصر تقوم بدورها فى منع تداعيات الحرب، وتضع خطوطا حمراء ضد تهجير الفلسطينيين من غزة أو تصفية القضية الفلسطينية، خاضت مصر حروبا على عدة جبهات من واقع مسؤوليتها على القضية الفلسطينية، فى واقع دولى مرتبك، تسعى مصر إلى حماية الفلسطينيين، ومنع التصفية والتهجير وضمان تدفق الغذاء والدواء واستقبال الجرحى، والسعى لوقف الحرب من خلال مبادرات لوقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين، وتتعامل مع قوى دولية وإقليمية معقدة ومتشابكة.
كان على الدولة والشعب ـ كما ذكر الرئيس عبدالفتاح السيسى مواجهة تحديات متوازية معا، تم إنفاق 1.8 تريليون جنيه على قطاع الكهرباء، و2 تريليون جنيه على الطرق والنقل الذى يخدم 105 ملايين مواطن، وهو إنفاق ضرورى مثل مشروعات البنية التحتية، وتحديات لا يمكن تأجيلها أو تركها، مشروعات الطرق والنقل وفرت 8 مليارات دولار كانت تضيع فى إهدار الوقود والوقت، بجانب خسائر حوادث الطرق وخسائر فى الأرواح.
كان على الدولة أن تعمل فى ملفات تمثل تحديات وإذا كان قطاع مثل الصحة يحتاج إلى مئات المليارات لاستكمال التأمين الصحى خلال عشر سنوات، بمبادرات القضاء على فيروس الكبد الوبائى سى، وإطلاق مبادرة 100 مليون صحة، لم يكن ممكنا انتظار تحسين نظام الصحة وترك ملايين مرضى فيروس سى، أو سرطان الثدى، كما نجحت استراتيجية المبادرات فى القضاء على العشوائيات التى كانت تحاصر القاهرة والمحافظات ونقل سكانها إلى مجتمعات حضارية تتضمن كل الخدمات، لأنه لم يكن يليق أن تستمر العشوائيات.
تحمل المصريون بصبر وإخلاص الإصلاح الاقتصادى وتجرعوا دواء لا بد منه، فقد كان عليهم وتمسكوا بوحدتهم لتجاوز التحديات بما يشبه المعجزة، والتعامل مع تحديات متوازية وملفات مترابطة، كانت تتطلب تعاملا عاجلا ومتوسطا وطويل المدى.
11 عاما لكنها تساوى فى حسابات الأحداث والتفاصيل والتحديات عشرات السنين، من زاوية النظر إلى حجم التحديات التى عبرتها الدولة بفضل تماسك المصريين وثقتهم وصبرهم، فقد واجهوا إرهابا قاوموه ببسالة واستمروا فى البناء والتحرك للأمام، كل أزمة كانت كافية للتعطيل والتعقيد، ولهذا فإن ما وصلنا إليه الآن، بتحليل منصف، يشير إلى أمل واضح فى إمكانية تخطى التحديات القائمة، وأن تكون تجربة السنوات الماضية وتحدياتها، دليلا على أن التمسك بالوحدة والأمل وتجاوز الخوف وعدم اليقين، والتعامل مع ما يجرى بناء على قراءة وتحليل، بعيدا عن التهوين أو التهويل، وأنهم قادرون على تجاوز أى أزمات اقتصادية طالما تمسكوا بوحدتهم، والنظر إلى تجاوز تحديات 11 عاما، من إرهاب لأزمات اقتصاد وصحة وصناعة.
مقال أكرم القصاص فى عدد اليوم السابع