سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 6 يونيو 1983.. وفاة محمود المليجى.. الفنان الذى رآه يوسف شاهين «أعظم الممثلين المصريين على مر التاريخ وأبرع من يؤدى دوره بتلقائية»

الخميس، 06 يونيو 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 6 يونيو 1983.. وفاة محمود المليجى.. الفنان الذى رآه يوسف شاهين «أعظم الممثلين المصريين على مر التاريخ وأبرع من يؤدى دوره بتلقائية» محمود المليجى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كان المخرج هانى لاشين يواصل العمل من أجل الانتهاء من فيلمه «أيوب» وحسب روايته فى أكثر من لقاء على القنوات الفضائية، فإنه كان يجلس على ترابيزة ومعه من أبطال الفيلم، محمود المليجى وعمر الشريف وآخرين، استعدادا لتصوير أحد المشاهد، وفجأة وبلا مقدمات تحدث المليجى مع الشريف قائلا: «يا أخى الحياة دى غريبة، الواحد بينام ويصحى، وينام ويصحى، وينام ويشخر»، ثم أسند رأسه على يديه وبدأ فى التشخير، فصفق الجميع بحرارة وضحكوا بعمق  على ما اعتقدوا أنه تمثيلا رائعا من الأستاذ الكبير الذى أقدم على هذا الأداء دون مقدمات، ودون أن يكون مطلوبا من الأصل فى الفيلم، ولما أطال التفت إليه عمر الشريف قائلا: «إيه يا محمود.. خلاص»، لكنه لم يرد، وكانت مفاجأة موته زلزالا للحاضرين يوم 6 يونيو، مثل هذا اليوم، 1983، بعد نحو 71 عاما عاشها منذ مولده يوم 22 ديسمبر 1910، قدم فيها نحو 750 فيلما و74 مسرحية.


بدا موت المليجى بهذه الطريقة وكأنه شاهد على أنه كما لو كان يعيش أدواره الفنية ولا يمثلها حين كان يؤديها منذ أن بدأ التمثيل فى فرقة «فاطمة رشدى» عام 1930 بأدوار صغيرة يتقاضى عليها 4 جنيهات فقط، ثم قام ببطولة أول أفلامه «الزواج على الطريقة الحديثة»، والتحق بعدها بفرقة «رمسيس» ليعمل كملقن براتب 9 جنيهات، وكانت أم كلثوم البداية الحقيقية لدخوله عالم الشهرة عندما لعب أمامها دور البطولة فى فيلم «وداد» عام 1936.
فى عام 1939 قدم فيلم «قيس وليلى» للمخرج بدر لاما، ولعب أول أدواره الشريرة مما جعله يكرر تقديمه مرات أخرى بعد نجاحه كل مرة بأسلوب مختلف حتى لا يقع فى أسر النمطية، وأطلق عليه لقب «شرير الشاشة» وفقا لمجلة «ذاكرة مصر، مكتبة الإسكندرية، عدد 18، يوليو 2014».


انطلق المليجى حتى أصبح الشرير الأعظم فى تاريخ الشاشة إلى أن سطع نجم فريد شوقى ليتقلص دور المليجى لحسابه، حسبما تذكر سناء البيسى فى مقالها «شرير الشاشة - محمود المليجى - الأهرام 31 مارس 2007»، ثم كان تحوله الكبير بفضل يوسف شاهين فى فيلم «الأرض» عام 1970، حيث جسد فيه أعظم أدواره على الإطلاق، ومن أعظم الأدوار فى تاريخ السينما العربية، دور محمد أبو سويلم، ثم أصبح الممثل المفضل لشاهين فى أفلامه التالية «الاختيار، العصفور، عودة الابن الضال، حدوتة مصرية، إسكندرية ليه».


كان «شاهين» يراه قائلا: «أعظم الممثلين المصريين على مر التاريخ»، و«أبرع من يؤدى دوره بتلقائية لم أجدها لدى أى ممثل آخر، كما أننى شخصيا أخاف من نظرات عينيه أمام الكاميرا». ويوضح الناقد محمود عبدالشكور، معنى «التلقائية» التى يتحدث عنها «شاهين»، متذكرا فى كتابه «كنت صبيا فى السبعينيات»، أنه من خلال متابعته لبرنامج «نجوم وأفلام» على شاشة التليفزيون المصرى فى سبعينيات القرن الماضى، شاهد حلقة فيها المخرج يوسف شاهين الذى التقى مع ممثله المفضل محمود المليجى.


قدم شاهين نموذجا لقدرات المليجى التشخيصية، وطلب منه أن يلقى عبارة محددة متقمصا طريقة وأداء عدة شخصيات قدمها فى أفلام شاهين، وعلى رأسها طبعا خالد الذكر محمد أبو سويلم، يؤكد عبدالشكور: «كان أداء المليجى مذهلا، بدا كما لو كان نموذجا للقدرة السريعة على استحضار أدواته، ومن تلك المدرسة التى تأخذ الشخصية إلى عالمها وليس العكس، إنه يضيف من أسلوبه هو إلى أداء الشخصية، ثم يخرج بسهولة من حالة إلى حالة، عكس أصحاب مدرسة التقمص الكامل الذين يستغرقون وقتا طويلا سواء فى التحضير والاندماج، أو فى الخروج من جلد الشخصية».


أما عن نظرات عينيه أمام الكاميرا فتقول سناء البيسى عنها: «كان صاحب عيون حذر الممثلون بعضهم البعض من التطلع إليها أثناء التصوير‏،‏ فمن ينظر فى هاتين العينين لا بد وأن يتلعثم ويتعثر وتضيع منه كلمات الحوار‏، عيون جعلت النجمة الشابة ترتجف وتنخرط فى البكاء ليوقف المخرج التصوير وينتحى بها جانبا يسألها ما بها فتقول‏:‏ خايفة من الأستاذ محمود‏،‏ وتفر زبيدة ثروت مرتعدة الأوصال فى مشهد جحظت فيه عيناه ليهدئ حسين رياض من روعها قائلا‏:‏ اوعى تخافى منه‏،‏ لأنه شخصيا لو شاف فرخة بتندبح حيغمى عليه‏،‏ ولم يكن فى القول تشنيعة أو مبالغة على شرير الشاشة الضعيف أمام لون الدماء‏».


تضيف «البيسى»: صاحب العيون بليغة الأداء تتجسد على سطحها صورة الشر،‏ وعلى الجانب الآخر تعكس الانكسار ومهانة الضربة القاضية‏..‏ وتلك النظرة المنكسرة قال عنها الكاتب والمخرج رأفت الميهى‏:‏ إن نظرة عينى محمود المليجى فى نهاية فيلم‏ «غروب وشروق‏»‏ مع سعاد حسنى حولت مجرى أحداث الفيلم لتجعله من فيلم مؤيد للثورة إلى فيلم ضد الثورة ورجالها‏،‏ فلقد حدث أن الكاميرا فى مشهد النهاية ركزت على نظرة المليجى الذى كان يلعب دور رئيس البوليس السياسى فى لحظة انكساره وهو يودع ابنته سعاد فى طريقه إلى السجن‏،‏ ومن شدة الاندماج وبلاغة تصويره للحظة الانكسار تلك شعرنا نحن فى العرض الخاص بأننا تعاطفنا مع شخصية رئيس البوليس السياسى الظالم‏،‏ واضطررنا إلى حذف هذه اللقطة حتى لا تحدث أزمة ويصبح الفيلم ضد الثورة، واكتفينا بلفتة منه تجاه الابنة ثم المغادرة منكسرا دون أن يرفع عينيه إلى الكاميرا بنظرة الأسد الجريح‏.‏










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة