"عهدت نفسي أعيش الحياة مع الإنسانية محبة وسلام.. بص للعالم بقلبك تلقى كل الدنيا جنبك" رسالة حب وسلام يهديها لنا المسرح القومي تحت قيادة الفنان أيمن الشيوي، من خلال أحدث عروضه "مش روميو وجوليت"، فالحقيقة كان لدي حماس كبير لمشاهدة ذلك العرض بمجرد الإعلان عنه، ولعل ذلك لعدة أسباب يأتي في مقدمتها أنه للمخرج الكبير عصام السيد الذي لم يخيب ظننا في أي عمل يقدمه، فما بالك إذا كان هذا العمل عرض غنائي استعراضي فهذا النوع من المسرح له مكانة خاصة لدى الكثير فهو من أكثر أنواع المسرح جذبا للجمهور، لما يمتلكه من متعة خاصة تجعلك تغوص داخله وتستمتع بكل تفاصيله.
في مدرسة الوحدة يبدأ العرض المسرحي في حوش المدرسة حيث مشاجرة كبيرة أدت إلى انقسام الطلاب لنصفين، ويقود تلك المشاجرة علي ومايكل ومن الوهلة الأولى وبسبب الأسماء نعرف أنها بين مسلم ومسيحي ولكن ما الذي يدفعهم لهذا الانقسام، إنها الفتنة التي دفعتهم، فبسبب توهمهم بأن أحد المدرسين الذي يدعى يوسف وهو مسيحي الديانة أحب زميلته زهرة مسلمة الديانة، فقد أشعلت الفتنة النار بينهم ولم يستطع أحد إخمادها سوى مدير المدرسة الذي شعر بإحباط شديد بعدما إستدعاهم في مكتبه ليعرف سر الحكاية.
فسر الحكاية يكمن في إحدى شوارع حي شبرا حيث شب يوسف وزهرة سوياً مع عائلتين لا يعرف الكره طريقهم عاشوا أخوة متصالحين متقاربين لا يفرقهم الدين ولكن تجمعهم دائما الإنسانية، تصدمهم بعض التقاليد التي لا تعرف للحب الصادق مكان، وهنا يفكر هذا المدير الذي رفض أن ينهي حياته العملية دون أن يصلح تفكير هؤلاء الشباب الصغير الذي لعل تقاليد المجتمع المندثة هي من لوثتهم وجعلت الكراهية هي الأساس لديهم.
"هعمل مسرحية" هكذا صرخ المدير في وجه المدرسين وهو يردد " الحل مسرحية يبنوا عالم من الخيال يبنوا شخصيات سوية" وأستنكر المدرسين هذا الحل وهم يقولوا "مدرستنا قايدة نار وإحنا نعمل مسرحية"، ولكن وافقه الرأي يوسف وزهرة وتولوا أمر المسرحية فقد قرروا أن يقدموا روميو وجوليت لشكسبير والحقيقة أن إختيار تلك المسرحية لتقديمها وسط هذه الأحداث إختيار موفق ومتماس مع الحدوتة فروميو وچوليت هم في الأساس ضحية، ضحية تقاليد فارغة وضحية كراهية بين عائلتين قتل غرورهم وكبريائهم الحب الطاهر الذي نشب بين روميو وچوليت.
رفض الطلاب أن يقدموا المسرحية ولكن مع إصرار يوسف وزهرة بدأوا في البروفات ومن خلال البروفات قدم علي دور روميو وقدمت ميرنا دور چوليت وهم من ديانتين مختلفتين أيضا ولكن عندما شعرت ميرنا أنها وقعت في حب علي ذهبت مسرعة للكنيسة حيث الأمان بالنسبة لها لعلها تجد حلاً لما أحل بها وبالفعل وجدته، وجدت يوسف الذي وجدت الحزن في عينيها وسألها عن سبب حيرتها بالرغم من أن لديه من الذكاء مايجعله يفهم القصة، ومافعله يوسف معها أنه أنار لها جوانب الحكاية عندما قال" حبكم يصبح مدفن أو زنزانه لو أهلك عاشوا حزانه" مش علي حزن حبايب نسعد"، وكأن كلام يوسف أصبح كطوق نجاه لمشاعرها التي سرعان ماعادت لصوابها، علي الجانب الأخر هناك شخصية متطرفة إرهابية تلك الشخصية التي تدعى نجاتي ، شعرت بحقد وغل عندما أوشكت المشكلة على الإنتهاء فكيف يصبح الحب أمر عادي بينهم كيف يعيشوا دون فتنة كيف لم تهد الدنيا حولهم، إذن إنها الحرب بالنسبة له ولمريديه فماذا يفعل؟
النار في كل أرجاء المدرسة كل شيء يحترق ويصبح كالرماد، هل يصل حقده لهذا الفعل الشنيع هل يمكن أن يستبيح القتل والحرق بهذا الشكل، في الحقيقة نعم فهذا ماحدث، ولكن في المقابل تكاتف الطلاب المسيحي بجوار المسلم ليطفئوا تلك النار التي تلتهم وحدتهم في مدرسة الوحدة وهم يرددوا " إيد مع إيد مع إيد نطفي النار والهمة تزيد" حتى تريز المدرسة التي كانت تكره زهرة بسبب ظنها السوء فيها ولأنها تحب يوسف التي تعتقد أنه حقها ولم لا فهو من نفس ديانتها، تكاتف تريز مع زهرة ليدعو الله ينجيهم وينجي يوسف من النار، وبالفعل ينجحوا في إخماد النار ويعرفوا من عدوهم الحقيقي ويقرروا أن الحب فقط هو الذي سيجمعهم بعيدا عن أي إختلافات فتقبل الأخر فرض عليهم.
ساعتان هم مدة العرض مرت علينا ولم نشعر بهم بسبب اندماجنا مع كل شخصية على المسرح ولعلنا كنا نتمنى ألا ينتهي، فنجد أن الفنان العظيم علي الحجار قد جسد دوره بإبداع والحقيقة أن بمجرد صعوده على خشبة المسرح أنتابني شعور بالسعادة فالحجار له جولات في المسرح الغنائي فقد قدم لنا أكثر من ثلاثون عرضا غنائياً فحضوره على المسرح وصوته الجذاب تجعلك تشعر بسعادة كبيرة أما المفاجأة الحقيقية كانت في الفنانة الكبيرة رانيا فريد شوقي فبالرغم أنها قدمت عروض مسرحية من قبل لكنها في هذا العرض مختلفة فقد شعرت بأنها كالفراشة على المسرح شعرت وكأن خشبة المسرح تنطق بحبها حضورها طاغي وأدائها ممتع، وإذا تحدثنا عن ميدو عادل فهو ليس جديد عليه مارأيناه فهو ممثل مسرحي من العيال الثقيل وهذا النوع من المسرح قدمه من قبل في عدة تجارب فهو إضافة حقيقية للعرض، أما العبقري عزت زين الذي عودنا على أدواره الممتعة والذي يقدمه برصانة كبيرة لم أتفاجأ من أدائه فهذا هو المتوقع بفنان بحجم عزت زين.
كما نجد طه خليفة الذي قدم دور نجاتي بحرفية بالغة هذا الإرهابي المتطرف الذي يعيش وسطنا ويحاول دس أفكاره ، كما قدم مايكل سيدهم دور الطالب المشاغب الذي يتشاجر من أجل وجهة نظره وقدمه مايكل بخفة ورزانة فمايكل له حضور مميز على المسرح كما له خفة ظل ظهرت خلال الشخصية، بجانب ذلك أبدعت دنيا النشار في دور ميرنا وچوليت كذلك ولا نستطيع أن نغفل الفنانة أميرة أحمد التي قدمت دور تريز الحاقدة على زهرة والفنان آسر علي المدرس الإنتهازي الذي قدمه كذلك بخفة ظل وأيضا الفنان طارق راغب الذي أبدع في أداءه.
الحقيقة أننا كنا أمام عرض مسرحي متكامل لديه كل مقاومات النجاح كتبه مؤلف شاب أثبت وجوده خلال أعمال مسرحية سابقة ليأتي في هذا العرض ليثبت أقدامه وهو المؤلف محمد السوري بمشاركة المخرج الكبير عصام السيد ، كما صاغ أشعاره ببراعة الشاعر أمين حداد الذي أمتعنا بأشعار رائعة جعلتنا ننصهر في دراما العرض، ناهيك عن الديكور الذي عبر عن الحالة بشكل جيد وكان ديكور ثري أهتم مهندس الديكور محمد الغرباوي بأدق التفاصيل على المسرح ليجعل عين المتفرج متشبعة، أما الإستعراضات لشيرين حجازي فكان اسم شيرين وحده بإعتبارها من أهم مصممي الإستعراضات علي الساحة المسرحية الآن كفيل ليجعلنا نثق فيما ستقدمه، مش روميو وچوليت عرض مميز وثري ويحمل رسالة واضحة وهادفة يحتاج لها مجتمعنا في الوقت الحالي، فشكرا لصناعه وشكرا لمايسترو العرض الفنان الكبير عصام السيد.
عرض مش روميو وچوليت
عرض مش روميو وچوليت
عرض مش روميو وچوليت
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة