عباس حلمى الأول.. ثالث حكام مصر فى العصر الحديث، بداية من حكم أسرة محمد على باشا، والذى تولى الحكم خلفًا لعمه إبراهيم نجل محمد على، وكان ذلك فى 24 نوفمبر سنة 1848، واليوم تمر ذكرى اغتياله إذ قتل فى قصره ببنها فى يوم 13 يوليو من سنة 1854، وكان آنذاك يناهز السادسة والثلاثين من عمره.
من المعروف أن جد عباس حلمى الأول وهو محمد على باشا مؤسس الأسرة العلوية وحاكم مصر ما بين عامي 1805 إلى 1848، مشروعات قومية ضخمة استطاع أن ينهض بمصر عسكريًا وتعليميًا وصناعيًا وزراعيًا وتجاريًا، ولكن السؤال هنا هل استطاع حفيده عباس حلمى الأول الحفاظ على ما حققه جده أم أنه دمر مشروعاته؟
حول الإجابة على هذا السؤال أشار بعض المؤرخين أن عهد عباس حلمى الأول عهد رجعية وقفت فيه حركة التقدم والنهضة التى ظهرت فى عهد جده محمد على باشا، كما لحق بعهده سمعة سيئة.
وتعود الحكابة عندما تولى عباس حلمى حكم مصر، هدمت أحلام وآمال جده، حيث أغلق عباس مدرسة الألسن التى ظلت مفتوحة 15 عاما، لعدم رضاه عن سياسة جده محمد على وعمه إبراهيم باشا، وأوقف أعمال الترجمة وقصر توزيع الوقائع على كبار رجال الدولة من الأتراك، ونفى رفاعة إلى السودان عام 1849م، ليعبث عباس بوجه الثقافة والمشروع النهضوى الكبير، الذى رسمه رفاعة الطهطاوى.
وبالفعل نفى عباس حلمى الأول رفاعة الطهطاوى، إلى السودان بحجة توليه نظارة مدرسة ابتدائية يقوم بإنشائها هناك، فتلقى رفاعة الأمر بجلد وصبر، وذهب إلى هناك، وظل هناك فترة دون عمل استغلها فى ترجمة رواية فرنسية شهيرة بعنوان "مغامرات تلماك"، ثم أنشأ المدرسة الابتدائية.
ووفقا لكتاب تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قُبيل الوقت الحاضر لعمر الإسكندرى وسليم حسن فكان أول ما قام به أن هدم كل ما أفنى فيه جده العظيم زهرة حياته، غير مفرق بين النافع والضار؛ فكما قضى على احتكار التجارة المجحف بحق الفلاح، نقص الجيش إلى تسعة آلاف، وأغلق المعامل والمدارس، واستغنى عن كثير من الموظفين الغربيين، وأظهر ميله إلى العادات والأنظمة التركية والبلدية.
مضى عباس باشا معظم حكمه بمعزلٍ عن الناس، متهاونًا في شئون الملْك، غير مكترث بما في ذلك من الضرر. ولعل له عذرًا في ذلك؛ إذ إنه لمَّا شاهد فشل حروب الشام بقيادة إبراهيم باشا، ورأى سقوط جده الكبير والقضاء على كل آماله، رأى أنه من العبث مقاومة أوروبا، وأدرك أن البلاد في حاجة إلى السكينة والراحة، وأن لا داعي إلى المظاهر الأوروبية الكاذبة التي كان يعتقد أنها تسربت إلى مصر قبل ميعادها.
وحول تشويه سمعته وغموض عهد عباس حلمى الأول يقول الكاتب طاهر الطناحى فى مجلة الهلال: أما السبب فى غموض عهد عباس وتشويه سمعة حكمه فهو من صنع المؤرخين الأوروبيين الذين ساءهم منه اعتزاله الأجانب الذين كانوا يسعون بنشاط فى نشر نفوذهم إلى سائر مرافق البلاد فأعرض عن كثير منهم وأراد أن يقوى الروح الوطنية فى البلاد فأثار ذلك نفوسهم وتناولوه بالسعاية والذم واتهموه بالرجعية والجمود ومحاربة الإصلاح وكتب عنه مؤرخوهم فخلعوا عليه أوصاف القسوة والضعف والتأخر وألقوا على عهده سحبا كثيرة من الغموض وقد زعموا أنه أرجع البعثات العلمية التى أرسلها جده محمد على الكبير إلى أوروبا، ولم يرسل بعوثا أخرى وذكر البعض أنه لم يرسل غير 19 طالبا لوقت محدد والحق أن عباس باشا لم يقل عن جده محمد على باشا الكبير عناية بالتعليم وإرسال البعثات إلى أوروبا.