في أوائل سبعينات القرن الماضي، قام الرئيس الأمريكيّ الأسبق نيكسون بزيارته التاريخية إلى الصين، حيث قابل زعيمها ماو تسي تونج وبدأ البلدان بعدها صفحة جديدة في العلاقات بينهما وتلاشى إلى حين خطر الحرب الباردة.
وبحسب ما ذكره موقع " Art Masterpieces" كان الرسّام اندي وارهول مشهورا وقتها باهتمامه برسم الشخصيات المشهورة في العالم، مثل مارلين مونرو وجاكلين كينيدي وألفيس بريسلي ومحمّد علي كلاي.
وقد قرأ في بعض المجلات والصحف آنذاك أن "ماو" أصبح أهمّ وأشهر شخصية في العالم، إذ كانت أخباره تحتلّ الصفحات الأولى من الصحف الأمريكية والعالمية.
وكان أحد أصدقاء وارهول قد اقترح عليه أن يرسم أينشتاين، خاصة عقب انتشار اسمه في العالم بعد اكتشافه نظرية النسبية، لكن وارهول كان يعتبر أن الشهرة أهمّ من الأفكار والمظهر أهمّ من جوهر الشخص.
ولهذا قرّر أخيرًا أن يرسم ماو، وهذه الصورة الضخمة للزعيم الصينيّ رسمها وارهول ضمن سلسلة من عشر لوحات أخرى متماثلة لماو، وأراد من خلالها أن يعكس التغييرات الكبيرة التي حصلت في الصين أثناء وبعد الثورة الثقافية.
والرسّام يقدّم "ماو" بطريقة تذكّر بلوحاته عن مشاهير السينما والفنّ، على الرغم من أن زعيم الصين كان معروفا باستبداده.
غير أن بعض النقّاد اعتبروا اختيار وارهول لماو مناسبا كثيرا باعتباره زعيما مشهورا على أيّ حال، وقد اعتمد في رسمه لهذه البورتريهات العشرة على صورة ماو المنشورة في كتابه الأحمر.
وهي نفس الصورة المشهورة التي أصبح معظم الناس في العالم يعرفونها عن هذا الرجل الذي كان يتمتّع بسلطة مطلقة، والمعروف انه كان يتعيّن على كلّ عضو في الحزب الشيوعيّ الصينيّ أن يحمل معه نسخة من كتاب ماو لأنه يتضمّن أسس الايديولوجيا الماويّة.
وعلى يد وارهول، تحوّلت تلك الصورة الرسمية للزعيم، والتي طالما استُخدمت للترويج للشيوعية في العالم، إلى مجرّد سلعة رأسمالية وإلى مادّة استهلاكية يعاد إنتاجها مرّات ومرّات بطريقة لا تختلف عن علب الحساء المشهورة.
صُوَر وارهول العشر التي رسمها لماو أصبحت في ما بعد من بين أكثر الصور الأيقونية شهرة في العالم، وقد افرد له الرسّام حضورا مدهشا وغامضا في فنّه.
كما استخدم في ملابس ماو اللون الأصفر الذي يُعتبر اللون الأكثر لمعانا وجذبا للانتباه، كما أن اللون الذي يرمز للإنذار والخطر والأنانية والجنون، وليس مصادفة أن أصول الأصفر توجد في المعادن السامّة والرصاص والكروم وغير ذلك.
هذه الصورة المشحونة بالألوان الساطعة أصبحت أكثر تفرّدا بإضافة طبقات من الجرافيتي حوّلت ماو إلى أيقونة شعبية عالمية، أي أن الرسّام يرى شبها بين الدعاية الشيوعية وصناعة الإعلان في الدول الرأسمالية.
لكن بعض النقّاد رأوا في البورتريه ما يوحي بتلاشي هالة ماو التي ستصبح قريبا مجرّد ذكرى من الماضي بعد أن جرّده الرسّام من سياق الدعاية الإيديولوجية، لكن يمكن القول أيضا أن وارهول ترك اللوحة مفتوحة على تفسيرات شتّى، فهو لم يكن يتبنّى آراءً سياسية معيّنة ولم يكن مهتمّا بالسياسة أصلا، وهو ما يدفع المتلقّي للتساؤل عن نواياه.
الجدير بالذكر أن السلطات الصينية منعت صور وارهول لماو من دخول البلاد باعتبارها "غير محترمة"، كما أنها تشكّل تجاوزا على هيبة الحزب القائد بإظهارها وجه زعيمه وقد لُطّخ بمساحيق التجميل.
لكن بعض الصحف الصينية أكّدت على أن نوايا وارهول قد لا تكون سيّئة، فصوره لا تتضمّن أيّة انتقادات أو إساءات وإن كانت ألوانها مستفزّة نوعا ما. كما أعاد البعض للأذهان أن وارهول عُرف عنه ميله إلى محو الخطوط الفاصلة بين الجنسين في لوحاته.
ومع ذلك شوهدت بعض هذه الصور تُباع سرّا في بعض الأسواق والمواقع السياحية في الصين.
كان ماو قد أسّس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 بعد عشرين عاما من الحرب الأهلية، وقد حكم البلاد كزعيم بلا منافس حتى موته عام 1976.
في عام 1982، زار اندي وارهول الصين وأعجب بثقافتها وتاريخها العريق، وقد أقيم لأعماله معرض في شانجهاي تعرّف من خلاله الصينيون على الفنّان الذي رسم بعض أشهر اللوحات عن أهمّ شخصية في تاريخ بلدهم.
وقد بيعت إحدى لوحات سلسلة ماو في نيويورك بأربعة عشر مليون دولار، بينما بيعت لوحة أخرى في مزاد بهونج كونج بثلاثة عشر مليون دولار.
كان وارهول احد رموز الفنّ الشعبيّ في العالم وأحد أشهر الرسّامين الأمريكيين في القرن العشرين، والمعروف انه بدأ في مستهلّ حياته تحويل الصور الفوتوغرافية إلى القماش واستخدم هذه التقنية طوال ستّينات القرن الماضي.
لوحة ماو