<< توقعات بتوليد 60 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون خلال عمليات إعادة بناء الوحدات السكنية بغزة بعد الحرب
<< جودة البيئة الفلسطينية: صناعة الخرسانة ينتج عنها انبعاثات وأكاسيد الكربون ومواد خطرة ومواد مشعة
<< الحكومة الفلسطينية: لا بد من تحميل إسرائيل المسؤولية في تكلفة إعادة الإعمار كونها الجهة المعتدية
<< متحدث الأونروا: سنحتاج 14 عاما لإزالة 40 مليون طن من الركام
<< رؤساء بلديات: 300 كيلو جرام من الأنقاض لكل متر مربع
<< عمليات إعادة البناء في غزة قد تستمر للقرن
<< خبراء بيئة: إزالة الأنقاض وإعادة البناء ستؤدى لانبعاث مواد كيميائية تسبب سرطانات وتشوهات للأجنة
270,000 طن من النفايات تتراكم في قطاع غزة، بحسب التقرير الصادر من الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بواقع 170,000 طن في الجنوب، و100,000 طن في الشمال، والتي تراكمت في مواقع المكبات المؤقتة التي أنشأتها البلديات مؤخرا على مقربة من المناطق السكنية بسبب عدم وجود خيارات قابلة للتنفيذ، بجانب 40 مليون طن من الحطام والركام تسبب فيها العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر وحتى تاريخ 5 يونيو الماضي.
ليس هذا فقط، بل يتنشر أيضًا 60 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وكل هذه الأطنان جاءت بعد هدم 138,400 وحدة سكنية دمرها كليا، و453,000 وحدة سكنية دمرها الاحتلال جزئيا، وإلقاء 79,000 طن متفجرات حتى يونيو 2024، مع تدمير حوالي 100 مركبة وآلية لجمع ودفن النفايات، لكن هذه الأرقام تثير تساؤلا هامًا حول كيفية التخلص من هذه النفايات بعد انتهاء الحرب على غزة؟ وأين سيتم التخلص منها؟، خاصة أن كثير من هذه النفايات تشمل قنابل لم تنفجر، وسط خروج تقارير غربية تؤكد أن عملية إعادة إعمار غزة نفسها ستتسبب أيضا في تلوث للبيئة.
حجم الأضرار التى سببها العدوان على غزة
آثار بيئية طويلة المدى للعدوان الإسرائيلي على غزة
عادة عندما تندلع الحروب، يهتم العالم بالخسائر البشرية التي تتسبب فيها تلك الصراعات، بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية، ولكن في الحقيقة تكون الكوارث البيئية أخر ما يمكن الانتباه له، ولا يتم تسلط الضوء عليه إلا بعد أن تتفاقم مخاطره، تلك المخاطر التي تنته بعد سنوات بل أحيانا عقود من انتهاء تلك الحروب، ويتوسع تأثيرها ليتخطى حدود الدول التي نشبت فيها تلك الحروب لدول أكثر بل أحيانا لقرارات.
الآثار البيئية الضارة للحرب العالمية الثانية استمرت لـ76 عاما في مدينة ألمانية
من أجل التعرف على الآثار البيئية الخطيرة التي تتسبب فيها الحروب، فأبرز مثال على ذلك ما أعلنته مدينة جوتينجن الألمانية، في يناير 2021، أنه تم نزع فتيل أربع قنابل تعود للحرب العالمية الثانية بنجاح في المدينة، على أيدي خبراء من هيئة التخلص من الذخائر، وذلك بعد عملية إجلاء كبيرة للمواطنين من أجل هذا الغرض، وفق وكالة الأنباء الألمانية، حيث اضطر أكثر من ثمانية آلاف شخص إلى مغادرة منازلهم لأسباب تأمينية من أجل إتمام عملية نزع فتيل القنابل الأربع. وأنشئت منطقة خطر بمساحة نصف قطرها كيلومتر حول مكان العثور على القنابل. كما تم إغلاق شوارع عدة كما أغلقت محطة قطار جوتينجن، بينما أعلنت إدارة المدينة حينها أنه لن تلغى هذه الإغلاقات، إلا بعد فحص جميع المباني الموجودة في المنطقة المحيطة بحثا عن أي تلفيات محتملة.
في 7 يونيو الماضي، أعد باحثون في المملكة المتحدة والولايات المتحدة، دراسة نشرتها صحيفة الجارديان البريطانية، أكدوا فيها أن إعادة بناء المباني التي دمرت في الأشهر الأربعة الأولى من الهجوم الإسرائيلي على غزة سوف تولد ما يقرب من 60 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، خاصة أن تكلفة الكربون لإعادة بناء غزة ستكون أكبر من انبعاثات الغازات الدفيئة السنوية التي تنتجها 135 دولة بشكل فردي، مما يؤدي إلى تفاقم حالة الطوارئ المناخية العالمية بالإضافة إلى عدد غير مسبوق من القتلى.
رسم بياني لحجم الدمار بغزة
إعادة بناء 200,000 مبنى سكني في غزة سيولد 60 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون
البحث الغربي، كشف أن إعادة بناء ما يقدر بنحو 200,000 مبنى سكني ومدارس وجامعات ومستشفيات ومساجد ومخابز ومحطات المياه والصرف الصحي التي تضررت ودمرتها إسرائيل في الأشهر الأربعة الأولى من الحرب على غزة، ستولد ما يصل إلى 60 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون ، وهذا ما يعادل إجمالي الانبعاثات لعام 2022 الناتجة عن دول مثل البرتغال والسويد، وأكثر من ضعف الانبعاثات السنوية لأفغانستان.
عملية البناء ينتج عنها انبعاثات لإزالة الركام وإعداد الخرسانة تتسبب في أكاسيد الكربون ومواد مشعة
بدوره، أكد المهندس بهجت جبارين، مدير دائرة الرقابة والتفتيش في سلطة جودة البيئة الفلسطينية، أن الأضرار البيئة الناجمة عن النفايات والركام والأنقاض على غزة كبيرة للغاية، كما أن عملية إعادة الإعمار أيضا ينتج عنها كوارث بيئية، موضحا أن عملية البناء ينتج عنها انبعاثات لإزالة الركام وإعادة الإعمار، فعلى سبيل المثال صناعة الباطون – الخرسانة - ينتج عنها انبعاثات وأكاسيد الكربون ومواد خطرة ومواد مشعة مثل الهيليوم والبورون وغيرها وكل العمليات من نقل وتصنيع وشحن تنتج انبعاثات ضارة للبيئة.
ويضيف مدير دائرة الرقابة والتفتيش في سلطة جودة البيئة الفلسطينية، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أنه بعد دخول الحرب شهرها التاسع وعدم تمكن العالم كله عن وقفها ووقف المجازر اليومية التي ترتكب والتى يذهب ضحيتها العشرات بل المئات صعب الحديث عن وقف الآثار والأضرار على البيئة، سواء من حيث تراكم النفايات والقدرة على التخلص منها في المستقبل القريب أو النتائج المترتبة على عمليات إعادة الإعمار.
العدوان يترك 26 مليون طن من الحطام والركام خلال الأشهر الأولى للحرب
وفقا للدراسة التي أعدها باحثون بريطانيون وأمريكيون، في السطور السابقة، والتي ترجمنا جزء كبير منها، فإن إعادة البناء في الأمد البعيد سوف تولد أضخم تكاليف الكربون الناجمة عن الحرب على غزة، حريث ترك العدوان حوالي 26 مليون طن من الحطام والركام في أعقاب القصف الإسرائيلي للأشهر الأولى، الأمر الذي قد يستغرق سنوات لتنظيفه، خاصة أن الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري الناتجة عن الهجمات الجوية والبرية خلال أول 120 يومًا من الحرب على غزة أكبر من البصمة الكربونية السنوية لـ 26 دولة من أكثر دول العالم تعرضًا للمناخ بما في ذلك فانواتو وجرينلاند.
الجارديان
وتشير الدراسة، إلى أن أكثر من 99% من الكمية المقدرة بـ 652,552 طن متر من مكافئ ثاني أكسيد الكربون التي تم توليدها في الأشهر الأربعة الأولى من الحرب على غزة مرتبطة بالقصف الجوي الإسرائيلي والغزو البري لغزة، كما أن ما يقرب من 30% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تم توليدها بواسطة 244 طائرة شحن أمريكية معروفة بنقل القنابل والذخائر والإمدادات العسكرية الأخرى إلى إسرائيل في أول 120 يوما، كما أن تكلفة الكربون خلال أول 120 يوماً من الهجوم الإسرائيلي على غزة كانت تعادل إجمالي استخدام الطاقة السنوي لـ 77.200 أسرة أمريكية.
وتوضح الدراسة، أن الانبعاثات الناتجة عن الرحلات الجوية التي تجلب المساعدات إلى البلدان المجاورة لإيصالها إلى غزة، وانبعاثات غاز الميثان، والحرائق المرتبطة بالصراع، والتهجير القسري لملايين الفلسطينيين، هي من بين مصادر ثاني أكسيد الكربون الأخرى.
آثار العدوان تؤدى لزيادة انتشار السرطانات والتشوه في الأجنة والأطفال
بالتواصل مع الدكتور مجدى علام مستشار المناخ العالمى، وأمين اتحاد خبراء البيئة العرب، أكد أن الأتربة التي تنتج عن إزالة الركام والأنقاض سواء ناتج الهدم أو الضرب بالطيران أو القنابل وكذلك مع إعادة بناء غزة وتعمير ما تم تدميره، كلها ملوثات كيميائية أو بيولوجية أو فيزيائية تسبب السرطانات والتشوه في الأجنة والأطفال الصغار ومن لديهم أمراض وراثية أو بجوار مداخن أو مصانع أو زحام سيارات.
وأضاف أمين اتحاد خبراء البيئة العرب، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن عواقب الحروب في البقعة التي تشهد الصراع أو العدوان تظل سنوات عديدة مليئة بالأتربة والكيماويات وعناصر الفيزيائية الملوثة سواء تلوث بيولوجي أو كيميائي أو فيزيائى حتى الأدخنة والأتربة لهما تأثير والغبار له تأثير، وتظل كثير من المدن فوقها ما يطلق عليها البقعة الحمراء، حيث بقاء الدخان يتعالى وهو سخن ويترفع للأعلى ووسط الشوارع الضيقة والحارات في المدن وغيرها من الأزقة يكون التأثير الكيميائي والفيزيائى والحراري مرتفع للغاية والجزء البيولوجي هناك اختفاء لأنواع وتنقض تتكاثر وتتزايد فيروسات وبكتريا وعناصر يكون قد انقرضت ويعاد زيادتها مرة أخرى نتيجة التحول في النظم المناخية.
حجم النفايات في غزة
وتأكيدا لحديث الدكتور مجدى علام عن الآثار طويلة الأمد لأضرار الحروب، فإنه في ديسمبر 2023، تمكن باحثون من الجمعية الكيميائية الأميركية من إيجاد دلائل على أن الألغام البحرية التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية قبل أكثر من 80 عاما مازالت قادرة إلى الآن على تلويث البحار والمحيطات وتحقيق قدر واسع من الضرر، حيث كشفت دراسة نشرتها "إنفيرونمنتال ساينس آند تكنولوجي"، أن إزالة الألغام البحرية من قاع المحيط يضطر الباحثين لإجراء تفجيرات متحكم بها، لكن حتى هذه التفجيرات تضر الحياة البحرية بشكل كبير عبر مخلفاتها السامة، وهذه التفجيرات كانت قادرة على دفع الرواسب إلى الأعلى والإخلال بنمط حياة الكائنات التي تعيش في تلك الرواسب.
وفي أكتوبر 2022 أيضا، اكتشف باحثون حطام سفينة تاريخية غارقة منذ الحرب العالمية الثانية ما زال يحمل تأثيرات على الأحياء الدقيقة في قاع بحر الشمال في النرويج، حيث إن هذا الحطام ما زال يسرب ملوثات خطيرة مثل المتفجرات والمعادن الثقيلة في قاع البحر.
" لا يمكن للحروب أن نقول أنها تنتهى أثارها السلبية خلال عام أو خلال عامين أو ثلاثة أو عشرين سنة وقد تظل آثارها السلبية مستمرة لمدة 50 عاما لتختفي الملوثات الناجمة منها"، هنا يشرح مجدي علام، المدى الطويل للآثار البيئة الواسعة لكل الحروب الضخمة، مما يشير لحجم الأضرار البيئية الكبرى التي ينتج عنها العدوان الإسرائيلي على غزة على المدى الطويل، مستشهدا بأحد الآثار السلبية التي نتجت عن الحروب وتأثيراتها البيئية والمناح، حيث هناك حالات مثل الطيور المهاجرة كانت تتناقص بسبب سفرها من القطب الشمالي إلى أخر جنوب أفريقيا تتأثر وتتأكل أجزاء منها وترجع ثلثين الطيور والثلث الثالث يختفى أو يمرض أو لا يستطيع مواصلة الرحلة مرة أخرى من القطب الجنوبي للقطب الشمالى.
وأوضح مستشار المناخ العالمى، أن الاحتلال استخدم الفسفور الأبيض والكيماويات كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية مع العراق فدمروها بكل السوائل الكيميائية والفزيائية والبيولوجية والمياه ومصادرها وزيادة التملح في الآبار، متابعا :" من الآثار البيئية التي تنتج عن تلك الحرب سواء من خلال النفايات والأنقاض أو إعادة الإعمار والأتربة التي تنتج عنها من المؤكد أنواع السرطانات تتزايد وتتكاثر بسبب التعرض الكيميائي والفيزيائي والبيولوجي ومن المؤكد أن هناك عناصر ملوثة غير معلومة لدينا وهناك صراع المناخ هناك دول مثل الولايات المتحدة تريد استخدام مادة الكيمتريل لتغيير مكان السحب ودول تانية في الصين وغيرها يريدون استخدام وسائل أخرى".
وهنا، يتفق معه في الرأي الدكتور السيد صبري رئيس وحدة التغيرات المناخية السابق بوزارة البيئة، الذي يؤكد أن غزة أصبحت الآن مليئة بالأنقاض والنفايات والركام والموجودة كميات كبيرة للغاية بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر على القطاع، وهناك دراسات تؤكد أن هناك صعوبة في التخلص من تلك النفايات بعد انتهاء الحرب.
ويضيف رئيس وحدة التغيرات المناخية السابق بوزارة البيئة، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن عملية إعادة إعمار غزة بعد انتهاء الحرب ستكون ملوثة للبيئة بشكل كبير نظرا للخرسانات التى من المفترض أن يتم إعدادها لبناء المباني والوحدات السكنية بدلا من التي دمرها الاحتلال.
أين سيتم إزالة هذا الحجم الضخم من الركام؟
الدكتور عدنان أبو حسنة، المتحدث باسم وكالة الأونروا، يثير هو الأخر نقطة في غاية الأهمية وهي "أين سيتم إزالة هذا الركام؟"، حيث يؤكد، أن ما يحدث في غزة كارثة بيئية خطيرة حيث نتحدث عن 40 مليون طن من الركام وهذا الحجم الهائل من الركام سيستغرق 14 عاما من أجل إزالته حسب تقديرات الأمم المتحدة.
وأضاف المتحدث باسم وكالة الأونروا، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن السؤال الذي يطرح نفسه أين سيتم إزالة هذا الركام الضخم؟ والمشكلة الآن أن هذه المواد المقذوفة والمهدمة والموجودة في مناطق متعددة في مختلف مناطق قطاع غزة هناك خطورة بالغة من تلويث للخزان الجوفى في قطاع غزة حيث تترسب المواد السامة والنيترات إلى داخل هذا الخزان.
عدد الوحدات السكنية المدمرة في غزة
"هناك تدمير لمنظومة الصرف الصحي في مختلف مناطق قطاع غزة، ويتسرب الصرف الصحي إلى داخل الخزان الجوفي ويتسبب في تسميمه تماما"، هكذا يشرح عدنان أبو حسنة آثار التدمير على المياه الجوفية، مؤكدا أن هناك احتمالية كبيرة لتلويث شواطئ دول الجوار عبر إرسال ملايين الأكواب من الصرف الصحي إلى البحر، وهذا من شأنه أن يلوث الشواطئ في الدول المجاورة بجانب التأثيرات الخطيرة على سكان قطاع غزة ، حيث إن اليوم كل سكان قطاع غزة يشربون مياه ملوثة تماما وغير نقية.
ويؤكد المتحدث باسم وكالة الأونروا، أن هناك انهيار تام للمنظومة الصحية وانتشار أمراض الكبد الوبائي والالتهاب السحائي والأمراض المعوية بجانب الأمراض الصدرية في ظل هذا الحر الشديد، موضحا أنه بالنسبة للقنابل غير المنفجرة والقنابل التى ألقيت ولم تنفجر هذه تحتاج إلى سنوات للتخلص منها لأنها منتشرة في كل مناطق قطاع غزة، وهذه تحتاج إلى فرق كثيرة وخبرات هائلة سواء فرق تابعة للأمم المتحدة أو من الدول الصديقة من أجل تأمين تلك المناطق والبحث عن تلك القذائف وهذا قد يحتاج إلى سنوات طويلة".
ويشير إلى أن ما حدث من تدمير من جانب الاحتلال جعل مناطق كثيرة في غزة غير صالحة للحياة، متابعا :" نحتاج لعقود من أجل إعادة بناء أنظمة الصرف الصحي والمياه المدمرة والتخلص من الركام والتخلص من القذائف غير المنفجرة بجانب عملية إعادة الإعمار حال توفر التمويل".
حجم الأنقاض المتراكمة في قطاع غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي، يشبه إلى حد كبير حجم الأنقاض التي ملئت شوارع العاصمة الألمانية برلين أعقاب الحرب العالمية الثانية، وبسبب تقرير نشرته "دويتش فيله" في عام 2014 ، فإن مهمة إزالة الأنقاض بعد الحرب كانت مهمة تولتها بالدرجة الأولى شركات بناء عقدت صفقات مفيدة لصالحها مع المدن، إلا أن هذه الشركات احتاجت بطبيعة الحال إلى دعم السكان، فعلى صعيد ألمانيا أجمع كان لا بد من إزالة 400 مليون متر مكعب من الأنقاض، وكان هناك 60 ألف مرأة تقريبا شاركت في برلين لإزالة الأنقاض، إلا أن هذه نسبة لا تزيد على 5% من سكان المدينة من نسبة النساء في ذلك الوقت.
سيدات ألمان يرفعن الأنقاض في برلين بعد الحرب العالمية الثانية
إعادة بناء المنازل في غزة يمكن أن تستمر إلى القرن المقبل
في مايو الماضي، صدر تقرير عن منظمة الأمم المتحدة، أكدت فيه أن إعادة بناء المنازل في قطاع غزة يمكن أن تستمر إلى القرن المقبل إذا سارت الوتيرة بتوجه إعادة الإعمار نفسها في الصراعات السابقة، حيث قدرت الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة بما بين 30 إلى 40 مليار دولار نتيجة حجم الدمار الهائل وغير المسبوق فيه بعد نحو 8 أشهر من الحرب علي غزة، وحينها قال الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، عبد الله الدردري، إن تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الأولية لإعادة بناء كل ما دمر في قطاع غزة تتجاوز الـ30 مليار دولار وتصل حتى إلى 40 مليار دولار.
رئيس بلدية دير البلح: أصبح من الصعف التخلص من تكدس النفايات في الشوارع
وفى السياق ذاته، كشف دياب الجرو رئيس بلدية دير البلح، عن حجم التلوث البيئي الذي نتج عن الدمار الذي خلفه الاحتلال وتكدس النفايات في الشوارع والتي من الصعب إزالتها، موضحا أن هناك تكدس لأكوام النفايات بالقرب من مراكز الإيواء والمكبات العشوائية والشوارع والطرقات وكلما زادت درجة حرارة الشمس نتج عن ذلك تسرب عصارات هذه النفايات السامة إلى الخزان الجوفي مما يسبب ضرر بيئى ليس فقط على منطقة غزة ولكن المناطق المحيطة بقطاع غزة مثل مصر والأراضى المحتلة في الضفة الغربية.
ويضيف رئيس بلدية دير البلح، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، من غزة، أن التلوث البيئي في دير البلح حدث ولا حرج في ظل عدم دخول الغاز الطهي للأهالى والأهالى اضطروا لإشعال كل شيء حتى يتمكنوا من طهي الطعام لأولادهم و لغلى المياه لعمل حليب لأطفالهم ونبشوا في النفايات من أجل استخراج أكياس النايلون أو البلاستيك أو الخشب أو أي شيء يصلح للاشتعال أو بالإمكان أن يشتعل أخرجوه المواطنون وأوقدوا منه نارا من أجل أن يقومون بطهي طعامهم".
وبشأن مدى وعي سكان غزة بخطورة إشعال تلك المواد للطهي على صحتهم يقول دياب الجرو :"هم يعلمون أن هذا الدخان الناتج عن تلك هذه المحروقات هي سموم قاتلة لكن لا مفر أمامهم إلا أن يشعلون النار بأي شيء من أجل توفير الطعام لأنفسهم وذلك بسبب عدم قيام الاحتلال بإدخال الغاز المنزلى والوقود اللازم لطهي الطعام".
وحول وبشأن حجم المتفجرات المتراكمة في القطاع عامة وبلدية دير البلح غزة في الأنقاض التي تملأ شوارع المدينة، يقول رئيس بلدية دير البلح :"ليس لدينا معلومة لأن الأمر لا يتعلق بأمر البلدية ولكن هناك قسم بوزارة الداخلية اسمه هندسة المتفجرات يقومون بمتابعة الصواريخ التي لم تنفجر ومعالجتها والتعامل معها ولا علاقة لنا بهذا الأمر ولا إطلاع لنا عليه، وعندما يكون هناك أماكن تعرضت للقصف تذهب طواقم الدفاع المدني وتتأكد من خلو المكان من أي مواد متفجرة ثم نتدخل بعد ذلك، وإذا كان المكان يوجد به مواد متفجرة نحن كبلدية لا نقترب منه إلا بعد التعامل معه من قبل جهات الاختصاص وهي هندسة المتفجرات بوزارة الداخلية وجهاز الدفاع المدني".
أثار دياب الجرو، رئيس بلدية دير البلح، نقطة مهمة بشأن المفتجرات والنفايات المتراكمة في قطاع غزة، والتي من المفترض أنها ستكون ضمن الأنقاض التي يتطلب إزالتها بعد الحرب، وبعض هذه المتفجرات لم تنفجر وهو ما يشكل خطورة كبيرة للغاية خاصة خلال عمليات إعادة الإعمار.
بقاء المتفجرات في المباني أمر خطير والاحتلال يمنع أداء الفرق الدولية مهمتها في إزالة تلك القنابل
هنا يقول محمود بصل المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في غزة، إن قضية بقاء المتفجرات داخل المباني والطرقات هو أمر خطير للغاية ويعرض حياة المواطنين للخطر، حيث يمكن أن تنفجر هذه المخلفات في أية لحظة وتحدث أضرار في المباني والمواطنين سواء على المدى القريب أو البعيد.
ويضيف المتحدث باسم جهاز الدفاع المدني في غزة، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن هذا الأمر يحتاج لأن تزال هذه المخلفات لكن الاحتلال الإسرائيلي يمنع الفرق الدولية من أن تأتي لكي تقوم بأداء مهامها في عمليات الانتشال والتقييم، وكل من يتعامل في هذا الملف يتم قتله من جانب قوات الاحتلال.
300 كيلو جرام من الأنقاض لكل متر مربع
من جانبه يكشف المهندس علاء العطار رئيس بلدية بيت لاهيا، حجم الأنقاض الهائلة المتراكمة في البلدية بسبب الاحتلال وهو ما يزيد من الأضرار البيئية خاصة عند عمليات إعادة إعمار غزة، مؤكدا أن هناك متوسط 300 كيلو جرام من الأنقاض لكل متر مربع من الأرض في المدينة الفلسطينية.
ويضيف رئيس بلدية بيت لاهيا، في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أن هناك كميات كبيرة من الأنقاض وتحتاج إلى آليات ثقيلة وعدة سنوات لإزالتها وأيضا تحتاج إلى إعادة تدوير لإعادة استخدامها مرة أخرى، مؤكدا أنه يوجد حوالي 14 ألف طن من النفايات لم نتخلص منها وكذلك حوالي 2500 طن من النفايات الطبية لم يتم التخلص منها وهذا يشكل خطر كبير على صحة الناس وعلى البيئة على المدى القريب والبعيد.
وبشأن انتشار المتفجرات في الشوارع، يقول علاء العطار، إنه يتم ابلاغ المعنيين عن أي وجود لأي مواد متفجرة حين معرفتها لأنه تشكل خطرا كبيرا على حياة الناس، حيث يوجد مكب رئيسي في شرق مدينة غزة "مكب جحر الديك" ويوجد بها جهاز لمعالجة النفايات الطبية و يتم تشويل النفايات العادية بالمكب وهناك دراسات قدمت للاستفادة من النفايات لاستخراج الغاز وتوليد كهرباء من النفايات ولكن الأمر الآن صعبا نظرا لصعوبة الوصول للمكتب لتواجد قوات العدو الإسرائيلي بالمكان.
ضرورة تشكيل ائتلاف دولي للدول المانحة لعدم انتظار اليوم التالي لوقف الحرب
وبشأن خطط الحكومة الفلسطينية لمواجهة تلك النفايات والركام بعد انتهاء الحرب، يؤكد الدكتور محمد أبو الرب مدير الاتصال السياسي الحكومى، والمتحدث باسم الحكومة الفلسطينية، أن الدمار الذي حل بقطاع غزة غير مسبوق في التاريخ الحديث وهناك تقديرات لمؤسسات دولية تتحدث عن الحاجة لعشرات السنين لإزالة الركام وإعادة البناء وبتكلفة عشرات المليارات بحال توفرت الأموال لذلك، مشيرا إلى أن هناك حاجة لتشكيل ائتلاف دولي للدول المانحة والمنظمات الدولية لعدم انتظار اليوم التالي لوقف الحرب ولا بد من تحميل إسرائيل المسؤولية في تكلفة إعادة الإعمار كونها الجهة المعتدية والمسببة لهذا الدمار.
ويضيف "أبو الرب" في تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، من الضفة الغربية، أن الحكومة الفلسطينية من جانبها وضعت برامج تنفيذية تعمل عليها في قطاع غزة ضمن خطة الاستجابة الطارئة بالتنسيق مع المؤسسات الإغاثية، لكن حجم الكارثة أكبر من الإمكانيات الحالية وهنالك حاجة لموارد أكبر لتلبية احتياجات أكثر من مليوني نازح فقدوا منازلهم وممتلكاتهم وأعمالهم لأكثر من 8 أشهر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة