لقيت الفنانة أسمهان مصرعها غرقا بسيارتها فى ترعة الساحل، بطلخا، أثناء توجهها من القاهرة إلى رأس البر، يوم 14 يوليو 1944، ولمأسوية الحادث تعددت الشائعات حول أسبابه، وبعد 15 عاما من وقوعه كتب شقيقها الأكبر فؤاد الأطرش مقالا بمجلة «الكواكب» عدد 416، الصادر فى 21 يوليو، مثل هذا اليوم، 1959 بعنوان «تنبأت بموت أسمهان»، يكشف فيه عن إحساسه المسبق بموت شقيقته، وظروف تلقيه الخبر المؤلم الذى تأكد بإذاعته فى راديو برلين أثناء وجوده فى جبل الدروز، ويكشف كيف ارتدت ابنتها الطفلة «كاميليا» السواد فى هذه الليلة بعد أن كانت سعيدة فيها.
يذكر فؤاد، أن فى الإنسان حاسة سادسة تقول له عن الشر قبل أن يقع، ترف به العين، أو ينقبض له الصدر، أو يتراءى له حلما فى النوم، ويضيف: «كانت أسمهان عزيزة علىّ، وكان أقل ضرر يصيبها يبلغنى بطريق أو بآخر من أساليب الحاسة السادسة فى الإنذار بالبلاء قبل وقوعه»، ويكشف أنه كان فى جبل الدروز يزور الأمير حسن الأطرش، زوج أسمهان السابق، وابن عمهما، وبينما يجلسون فى بيته أقبلت كاميليا، وكانت فى الخامسة من عمرها، وقد ضمها أبوها إليه حتى تتشرب روح الأسرة وتقاليدها، وأقبلت كاميليا التى كانت صورة طبق الأصل من أمها أسمهان بعينيها الخضراوين، وأنفها المدبب المتكبر، ووجنتيها البارزتين، وشعرها الحرير، يضيف فؤاد: «سألتنى عن أمها فى جنان، وجرت إلى حجرتها لتعود بصورة لها تقبلها وتحتضنها فى شوق، ولست أدرى ما الذى تملكنى فى تلك اللحظة، أنها أوحت كأن ناقوس خطر يدق فى أعماقى ويقول لى: إن شرا مستطرا يزحف نحو أسمهان من غيب لا يرحم».
يضيف فؤاد: «كانت كاميليا سعيدة بمقدمى، وكانت عائدة لتوها من جولة لها فى منزل الأقارب المجاور، ودعت صغيرات البنات لحفلة عيد ميلادها التى أحضر لها الأمير حسن صنوفا عديدة من الحلوى وتورته شمعية، وجذبتنى كاميليا لترينى ما أعدت الليلة، وكنا فى الصباح، والانقباض يزداد سيطرة علىّ، والشؤم يزحف، ويجعلنى أنظر إلى كاميليا فى إشفاق وأقول لها: لو ماتت أمك يا كاميليا ماذا تفعلين؟ ووجمت الصغيرة لسؤالى، ويبدو أنها لم تكن تعرف معنى الموت».
يتذكر فؤاد رد فعل الأمير حسن على سؤاله لكاميليا، قائلا: «نظر الأمير حسن إلىّ فى قلق وسألنى: أسمهان أختك، فلماذا تقول عنها هذا؟! أجبته فى حيرة من لا يدرك ماذا قال: والله لا أعرف لماذا قلت هذا؟»، ويضيف: «سحبتنى كاميليا من يدى إلى حجرتها مرة أخرى وهى تصيح: تعالى أفرجك على فساتينى، وفتحت دولابها لأرى ما لا يقل عن ثلاثين ثوبا».
يؤكد فؤاد: «مضت ساعات النهار وخاطر التشاؤم يملأ خاطرى، ويسيطر على تفكيرى»، ويذكر أنه عاد بتفكيره إلى الوراء وقت أن حضروا إلى القاهرة، وشقوا طريقهم بين الصخور فيها، وفريد يغني، وأسمهان تغنى، بينما هو ورغم صوته الجميل لا يغنى لأنه ليست لديه الشجاعة على مواجهة الجمهور».
يقول فؤاد، إنه فى المساء أقبل نحو أكثر من عشرين طفلا وطفلة فى ثياب جميلة للمشاركة فى الاحتفال بعيد ميلاد كاميليا، ويؤكد: «اجتمع الصغار فى سعادة، وأنا فى وقفتى مع الأمير حسن أراقب كل هذا غير مصدق إن ذاك اليوم يمكن أن يكون يوما سعيدا».
يكشف فؤاد كيف تلقوا خبر مصرع أسمهان وهم على هذه الحالة حول ابنتها كاميليا، قائلا: «فجأة دق جرس التليفون، ورفع الأمير حسن السماعة إلى أذنه، ومضت ثوان وإذا بوجهه يكفهر ويقول غير مصدق، هذا غير معقول، هذا مستحيل، وأسرعت إليه، وأمسكت السماعة منه، فقد كان على وشك أن ينهار، وكان المتحدث مدير الشرطة، وقال لى وصوته يواسينى: الخبر صحيح فعلا، أسمهان ماتت، وقعت فى ترعة، وراديو برلين أذاع النبأ».
يضيف: «ألقيت السماعة دون أن أتحدث، واستولى علىّ وجوم قاتل، عزت الدموع، وجفت، وذهبت لأرى كاميليا فى سعادتها، لكنها تنبهت لى وصاحت بى: خالى ماذا هناك؟ ولم أمتلك إلا أن أقول لها، وتلقت النبأ بصرخة مروعة، وانسحبت الفتيات من المكان، وذهبت كاميليا إلى حجرتها، خلعت ثوبها الأبيض، وارتدت الأسود».
يؤكد فؤاد، أن الأمير حسن تلقى الخبر بوجوم مثله، وهو من وافقه على الاستعداد للرحيل إلى القاهرة لكى يروا الجثمان قبل أن يواريه القبر إلى أبد لا مدى له ولاحدود، ويختتم مقاله بقوله: «نعم تنبأت بموت أسمهان».