تمر هذه الأيام الذكرى الـ1377 على ميلاد يزيد بن معاوية، نجل مؤسس الدولة الأموية معاوية بن أبى سفيان، والذى تولى الخلافة بعد وفاة والده فى سنة 60 للهجرة ولم يبق من معارضى فكرة توليته العرش - الأربعة - عند توليه الحكم غير الصحابي الحسين بن علي والصحابي عبد الله بن الزبير، وهو ثاني خلفاء بني أمية، حيث حكم في الفترة بين 15 رَجَب 60 هـ - 14 ربيعُ الأوَّل 64 هـ / 21 أبريل 680 - 12 نُوفَمْبَر 683 م.
وبحسب كتاب "عصر الاتساق.. تاريخ الأمة العربية (الجزء الرابع)" لمحمد أسعد طلس، ولد أبو خالد يزيد في سنة 26 للهجرة، وأمه ميسون بنت بجدل بن أنيف الكلبية، وكانت سيدة بدوية، لم تحتمل عيشة المدن والحضارة، فطلبت من معاوية أن يردها إلى البادية فذهبت إليها، وربت ابنها تربية بدوية، وقد نشأ يزيد نشأة فتيان قريش، فصيحًا قويًّا وشاعرًا بارعًا، قال في الفخري: كان موفر الرغبة في اللهو والقنص والخمر والنساء والشعر، كان فصيحًا كريمًا، شاعرًا مفلقًا، قالوا: بُدِئ الشعر بملك وخُتم بملك؛ إشارة إلى امرئ القيس وإليه. وكان يزيد ذا مواهب كثيرة من عقل وحنكة وشجاعة ودراية، ولكن الظروف التي أحاطت به قد شوَّهت سمعته.
بويع يزيد بالخلافة بعد وفاة أبيه للنصف من رجب سنة 60ﻫ، فأول عمل عمله إقراره ولاته عمال أبيه، فأقر عبيد الله بن زياد على البصرة، والنعمان بن بشير على الكوفة، والوليد بن عتبة بن أبي سفيان على المدينة، وعمرو بن سعيد بن العاص على مكة، ثم التفت إلى طلب بيعة النفر الذين تخلَّفوا عن مبايعته، فكتب إلى الوليد بن عتبة كتابًا فيه: «أما بعد، فإن معاوية كان عبدًا من عباد الله، أكرمه الله، واستخلفه، وخوَّله، ومكَّن له، فعاش بقدرٍ ومات بأجل، فرحمه الله، فقد عاش محمودًا ومات برًّا تقيًّا، والسلام» ثم كتب إليه رسالة أخرى فيها: «أما بعد، فخذ حسينًا، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، بالبيعة أخذًا شديدًا ليست فيه رخصة، حتى يبايعوا» فدعا الوليد مروان بن الحكم وأطلعه على الكتاب، فلما قرأه استرجع وترحَّم على معاوية، ثم قال: أرى أن تبعث الساعة إليهم فتدعوهم إلى البيعة، والدخول في الطاعة، فإنهم إنْ علموا بموت معاوية، وثب كلُّ امرئٍ منهم في جانب، وأظهر الخلاف والمُنابذة ودعا إلى نفسه. لا أدري، أما ابن عمر فإني لا أراه يرى القتال، ولا يحب أن يولَّى إلَّا أن يُدفع إلى هذا.
أما الحسين وابن الزبير فإنهما يطمعان فيها. ثم بعث إلى الحسين وابن الزبير فاجتمعا وتشاورا في الأمر، فقال الحسين لابن الزبير: يا ابن الزبير قد ظننت أن طاغيتهم قد هلك، فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر، فقال ابن الزبير: وأنا ما أظن غيره، فماذا تريد أن تصنع؟ قال الحسين: أجمع قياني الساعة ثم أمشي إليه، فإذا بلغت الباب احتبستهم عليه ثم دخلت. قال ابن الزبير: فإني أخافه عليك، فقال الحسين: لا آتيه أولًا وأنا على الامتناع قادر، ثم قام فجمع إليه مواليه وأهل بيته، ثم أتاه، فسلَّم عليه بالإمرة، ومروان جالس عنده، فقال الحسين: الصلة خير من القطيعة، أصلح الله ذات بينكما. فلم يجيباه في هذا بشيء، ثم أقرآه كتاب يزيد، ودعياه إلى البيعة، فقال الحسين: إنا لله وإنا إليه راجعون، ورحم الله معاوية، وعظم لك الأجر يا وليد.
أما ما سألتني من البيعة فإن مثلي لا يعطي بيعته سرًّا، ولا أراك تجتزئ بها مني سرًّا دون أن نظهرها على رءوس الناس علانية. قال: أجل. قال: فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرًا واحدًا، فقال له الوليد: حسنًا، انصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس. وقال مروان: والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت عليه أو تضرب عنقه، فوثب الحسين وقال: يا ابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو؟ كذبت والله وأثمت، ثم خرج فقال مروان للوليد: عصيتني، «والله لا يمكنك من نفسه أبدًا»، ودخل الحسين بيته ثم خرج ليلًا إلى مكة هاربًا.
مات يزيد وهو بحوارين من أعمال حمص لأربع عشرة ليلة، خلت من ربيع الأول سنة 64ﻫ، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، وله من الأولاد معاوية، وخالد، وأبو سفيان، وعبد الله، وعبد الله الأصغر، وعمر، وأبو بكر، وعتبة، وحرب، وعبد الرحمن، والربيع، ومحمد، وقيل عنه أنه كان يزيد عاقلًا مدبرًا، فيه كثير من صفات أبيه، ولكن ما جرى في زمانه من الحوادث المؤلمة جعل الناس ينظرون إليه نظرة ازدراء وانتقاص، وأكثر المؤرخين يذهبون إلى التهجم عليه، وسلبه المزايا التي كان يتحلَّى بها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة