عادل السنهورى يكتب: 68 عاما على ملحمة تأميم قناة السويس.. "الصرخة القوية" يوم 26 يوليو ردا على سحب تمويل السد العالى.. "واحنا أممنا القناة" قرار تأميم قناة السويس كان مدروسا و"ناصر" انتظر اللحظة المناسبة

الجمعة، 26 يوليو 2024 11:00 ص
عادل السنهورى يكتب: 68 عاما على ملحمة تأميم قناة السويس.. "الصرخة القوية" يوم 26 يوليو ردا على سحب تمويل السد العالى.. "واحنا أممنا القناة" قرار تأميم قناة السويس كان مدروسا و"ناصر" انتظر اللحظة المناسبة السد العالى - جمال عبد الناصر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- العدوان الثلاثى فشل بفضل تكاتف الشعب ووقوفه خلف قيادته وتضحياته وكفاحه ومقاومته الشعبية الباسلة

- إيدن تلقى خبر التأميم وهو يتناول العشاء فى لندن مع ملك العراق ونورى السعيد رئيس الوزراء وقال غاضبا: "لا بد

من ضرب مصر ومعاقبة عبد الناصر"
- إجمالى تكلفة مشروع السد العالى 1.2 مليار دولار "500 مليون جنيه مصرى" ساهم الشعب المصرى بـ400 مليون جنيه والاتحاد السوفيتى 100 مليون جنيه


فى مساء يوم 26 يوليو عام 1956 وفى ميدان المنشية بالإسكندرية وفى واحدة من أشهر خطاباته التاريخية وأقواها تأثيرا فى الوجدان الشعبى المصرى، وفى مجرى السياسة الدولية فى ذلك الوقت، يفاجئ الرئيس جمال عبد الناصر العالم كله بأخطر قراراته وأشجعها منذ قيام الثورة، وهو تأميم مصر نهائيا قناة السويس كشركة مساهمة مصرية خالصة، ردا على الرفض الأمريكى بالموافقة على قرض لبناء مشروع السد العالى وسحب عرض تمويل المشروع والتحالف الغربى بقيادة بريطانيا معها، والضغط على البنك الدولى لعدم منح مصر باقى القرض للبدء فى بناء السد.

فى الجزء الأهم من الخطاب التاريخى الذى شرح فيه ناصر أوضاع مصر الاقتصادية وخططها الطموحة فى إطلاق مشروعاتها التنموية الكبرى فى طريق بناء نهضتها وحلمها ومستقبلها، ما زال العالم يتذكر كلماته الصادمة التى باتت كلمات غناها المصريون وشبههوها بـ"الصرخة القوية فى الميدان بإسكندرية"، حين قال: "تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية وينتقل إلى الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات وتحل جميع الهيئات واللجان القائمة على إدارتها".

القرار كان مدروسا جيدا ولم يكن مجرد صدفة، وتذكر وتؤكد ذلك كافة أقوال ومذكرات من شاركوا وعاصروا تلك الفترة، والوثائق الإنجليزية أيضا فيما بعد. فمصر ورجال الثورة بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر لم يغب عن أفكارهم عقب يوليو 52 الأهمية الاقتصادية والسياسية والوطنية لقناة السويس بالنسبة لمصر وللعالم، خاصة بعد تحقيق الجلاء وزوال الاحتلال الإنجليزى، ولم يتبق من نفوذ أجنبى سوى فى قناة السويس التى كان يسيطر عليها الدول الاستعمارية الكبرى مثل فرنسا وإنجلترا.

بدأ ناصر يدرك مدى تغلغل النفوذ الأجنبى الذى عانت منه مصر والخطط والمؤامرات التى تدار لمد الامتياز وتدويل القناة، فعقد العزم على اتخاذ قرار التأميم عندما تحين اللحظة المناسبة، والرغبة فى استرجاع الحقوق المصرية المسلوبة والسيادة الكاملة على قناة السويس، المرفق الملاحى الأهم فى الربط بين الشرق والغرب، والتى لا يتجاوز نصيب مصر من أرباحها الفتات بنسبة لا تتعدى 3% فقط.

كان نصيب مصر فقط من أرباح القناة قبل التأميم مليون جنيه فقط، وأرباح الدول المسيطرة عليها ما يقدر بحوالى 35 جنيه مليون -الجنيه المصرى فى ذلك الوقت كان يساوى 2.5 دولار- وبعد أقل من 5 سنوات من التأميم واستعادة القناة بلغت أرباح مصر 52 مليون جنيه.

ما احتاجته مصر لبناء مشروع السد العالى تكلفة إجمالية حوالى 500 مليون جنيه -أى ما يقرب من أو يزيد قليلا على 1.2 مليار دولار- وبعد رفض البنك وواشنطن، منح الاتحاد السوفيتى مصر حوالى 100 مليون جنيه، إضافة إلى الخبراء من المهندسين الروس، وجمع المصريون حوالى 400 مليون جنيه، بما يعنى أن هذا المشروع الهندسى الأضخم فى القرن العشرين ساهم فى الجزء الأكبر منه الشعب المصرى، كما ضحوا من قبل بأرواحهم فى حفر القناة.

فى عام 1955 بدأت مباحثات تمويل السد العالى مع البنك الدولى والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تدخل مرحلة حاسمة، وكان من المقرر أن يتعهد البنك الدولى بتقديم 200 مليون دولار لتمويل السد، على أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بتقديم قرض بذات القيمة ليكون بذلك إجمالى المبلغ المقترض 400 مليون دولار من أصل 100 مليون دولار تمثل التكلفة الإجمالية لإنشاء السد العالى.

وأثمرت المفاوضات مع الجانب الأمريكى والبريطانى على أن يتم تقسيم دفعات القرض على مرحلتين، فى المرحلة الأولى تقدم أمريكا قرضًا بميلغ 54 مليون دولار، فيما تقدم بريطانيا قرضًا قيمته 16 مليون دولار، بخلاف قرض البنك الدولى وقيمته 200 مليون دولار، ويستكمل التمويل فى المرحلة الثانية بتقديم أمريكا وبريطانيا المبلغ المتبقى وقيمته 130 مليون دولار.

ومع تقدم المفاوضات لتحويلها إلى نطاق الواقع الفعلى تأرجح الموقف الغربى نتيجة فرضه شروطًا مجحفة تحمل تدخلاً سافرًا غير مقبول فى الشئون المالية المصرية وقد تكون نواة للتدخل السياسى، بل والعسكرى فى مصر، وهو ما انتبهت له الحكومة المصرية واتفقت حياله مع الاتحاد السوفيتى لدعمها فى موقفها والضغط على القوى الغربية، وهو ما أثمر عن إعلان يوجين بلاك مدير البنك الدولى فى 18 فبراير 1956 موافقة البنك على تمويل المشروع.

تبدل الموقف الغربى بعد أيام قليلة وبصورة مفاجئة من تمويل مشروع السد، نتيجة للسياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية ورفضها القاطع للصلح مع إسرائيل، علاوة على استكمال تسليح الجيش المصرى بعقد صفقات سلاح مع الجانب السوفيتى فيما سمى بصفقة الأسلحة التشيكية، بالإضافة إلى رفض الرئيس عبد الناصر الانضمام لحلف بغداد وغيره من الأحلاف العسكرية والسياسية وتأسيسه لحركة عدم الانحياز، فضلا عن مساندته لثورة الجزائر واعترافه بالصين الشعبية.

 

وفى 19 يونيو 1956 وخلال المباحثات التى جمعت الدكتور أحمد حسين، سفير مصر فى واشنطن بوزير الخارجية الأمريكية جون فوستر دالاس، أعلن لينكولن هوايت المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية الأمريكية سحب العرض الأمريكى بالمساهمة فى تمويل السد العالى لأسباب أرجعها إلى "سوء وضع مصر الاقتصادى"، والادعاء بتأثير السد العالى على الحقوق المائية لدول شقيقة مثل السودان وإثيوبيا وأوغندا، بما يعد تشكيكًا فى النوايا المصرية و"إفسادًا للعلاقات التاريخية بدول حوض النيل".

أما الموقف البريطانى فلم يختلف كثيرًا عن الموقف الأمريكي، فسرعان ما شككت بريطانيا فى قدرة الاقتصاد المصرى على تمويل السد العالى وتسوية القروض المطلوبة، على الرغم من تقارير البنك الدولى حينئذ التى كانت تؤكد قوة الاقتصاد المصرى وارتفاع الدخل القومى من 748 مليون جنيه عام 1952 إلى 868 مليون جنيه عام 1954.

وشاءت الأقدار وحانت اللحظة التاريخية المناسبة ليكون قرار الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس هو الرد الأمثل على محاولات القوى الغربية التحكم فى مصير الدولة المصرية، وإفشال خططها الاستعمارية لتعجيز مصر.

قبل قرار التأميم كانت هناك دراسات ومناقشات ومشاورات بين عبد الناصر وكافة المختصين من رجال القانون وأساتذة الجامعات والخبراء وممثلى الجهات والأجهزة المعنية بالدولة، نذكر منهم وزير الاقتصاد الدكتور عبد المنعم القيسونى، الذى قام بإعداد مشروع قانون التأميم، مع محمد على الغتيت عضو مكتب هيئة قناة السويس، والمستشار بدوى حمودة ممثلا لمجلس الدولة، والدكتور مصطفى الحفناوى القانونى والصحفى صاحب الدراسات المعروفة عن قناة السويس قبل ثورة يوليو، والمستشار محمد فهمى السيد مستشار الرئيس للشئون القانونية ومساعده المستشار عمر الشريف، والمستشار حسن نور الدين مستشار وزير الداخلية.

واختار الرئيس جمال عبد الناصر المهندس محمود يونس، رئيس الهيئة المصرية العامة للبترول، ليكون هو المسئول الأول عن عملية تأميم القناة، وخوّل له كافة السلطات والصلاحيات وحرية اختيار رجاله.. أبطال ملحمة التأميم.. ونذكر منهم المهندس عزت عادل وعبد الحميد أبو بكر، وسعيد الرفاعى وفؤاد الطودى ومشهور أحمد مشهور، وإبراهيم زكى ونبيه يونس وحسن إسماعيل، ومحمد حسان وأحمد فؤاد عيد الحميد وقاسم سلطان ومصطفى نيازى وعبد الله شديد، توفيق الديب وشوقى خلاف ويوسف محمد يوسف وحسنى مسعود وحسن جلال حمدى وعصام العسلى، وعبد السلام بهلول وعبد الحميد بهجت، والشافعى عبد الهادى ومحمد الزفتاوى وجلال ثابت وحسام هاشم، وعمر عزت وعباس أبو العز وسيد خليفة ومحمد بهجت والمهندس إبراهيم زكى وكيل وزارة الأشغال، علاوة على مدنيين من هيئة البترول ووزارة التجارة وضباط من الداخلية ومن سلاح المهندسين بالقوات المسلحة، لتنفيذ أخطر مهمة قومية فى أقل من 3 أيام منذ مساء 26 يوليو ومع سماع كلمة السر "ديليسبس".

سادت الفرحة الغامرة والسعادة العريضة جموع الشعب المصرى عقب قرار التأميم، فهو من الناحية الاقتصادية عودة دخل قناة السويس إلى مصر، ومن الناحية السياسية والوطنية عودة القناة تحت السيادة المصرية الكاملة.

على الجانب الآخر، كان من الطبيعى أن يقابل قرار التأميم بغضب كبير من الدول العظمى. فالسير أنتونى إيدن رئيس وزراء بريطانيا- كما تذكر الدكتورة إيمان عامر فى كتاب "قناة السويس فى الوجدان المصري"- اشتاط غيظا وأصر على الانتقام من مصر ومن عبد الناصر. فعندما تلقى إيدن نبأ التأميم عقب خطاب ناصر قال: "لقد ذهب بعيدا –يقصد عبد الناصر- وفقد صوابه ولا بد أن نعيد إليه الصواب ونضربه بشدة".

كان إيدن عند تلقى نبأ تأميم القناة يتناول العشاء فى لندن مع الملك فيصل الثانى ملك العراق ورئيس وزرائه نورى السعيد، فنزل عليه الخبر كالصاعقة، فأنهى العشاء سريعا، وقام باستدعاء وزرائه ورؤساء أركان جيشه وسفيرى فرنسا والولايات المتحدة، واستمر الاجتماع أكثر من ساعتين للرد على عبد الناصر. وأسفر الاجتماع عن تجميد الأموال المصرية بالخارج، وعزل مصر سياسيا، وإثبات خروجها على الشرعية الدولية وضرورة معاقبتها عسكريا بالعدوان الثلاثى.

انتصرت مصر سياسيا بفضل الملحمة الوطنية والقيادة السياسية والمقاومة الشعبية، وانتصرت إرادة المصريين فى فرض استقلالهم الوطنى، وانتهى العدوان بانسحاب القوات المعتدية من سيناء وقناة السويس يوم 29 أكتوبر 56. وانتصرت إرادة مصر وترسخت زعامة عبد الناصر، وانطلقت مصر فى طريق البناء لتحقيق أضخم عملية تنمية فى العالم الثالث، وقادت مصر حركات التحرر فى أفريقيا والعالم العربى، وتزعمت حركة عدم الانحياز لأكثر من نصف شعوب العالم فى أسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

ونحن نحتفل اليوم بمرور 68 عاما على ذكرى تأميم القناة علينا أن نعى الدروس ونستقى العبر من تلك اللحظات التاريخية المجيدة فى حياة وطننا الغالى، الذى سطر بوحدته وتكاتفه خلف قيادته وبنضاله وكفاحه ومقاومته الباسلة سطورا من ذهب فى التضحية والفداء والعزة والكبرياء والكرامة المصرية فى ملحمة وطنية كبرى لم ولن ينساها التاريخ.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة