معركة صفين.. ما قاله عباس العقاد عن الموقعة

الجمعة، 26 يوليو 2024 09:00 م
معركة صفين.. ما قاله عباس العقاد عن الموقعة عبقرية الإمام
كتب محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في مثل هذا اليوم من عام 657م وقعت معركة صفين، بين جيش خليفة المسلمين علي بن أبي طالب، وجيش والي الشام معاوية بن أبي سفيان، وهى المعركة التي استمرت الاشتباكات بين الفريقين ثلاثة أيام وانتهت دون حسم، حيث انتهت بعملية التحكيم في شهر رمضان من سنة سبع وثلاثين للهجرة.

فكان يرفض معاوية بن أبى سفيان مبايعة الإمام على بن أبى طالب خليفة للمسلمين.وكان معاوية رضى الله عنه يرى أنه ولى دم عثمان، وأنه لا بدّ من الأخذ بثأره من هؤلاء القتلة، وأنه لا يجوز له بحالٍ أن يقصر في هذا الأمر، ويرى على بن أبى طالب رضى الله عنه أن هذه الفئة هي الوحيدة الخارجة عليه من كل الدولة الإسلامية، ومن ثَم تجب محاربتها لردها إلى الحق، وإلى جماعة المسلمين.

ويصف عملاق الأدب العربي الأديب الكبير عباس محمود العقاد في كتابه "عبقرية الإمام" أنه بعد مقتل عثمان، فأبعد الأمور عن التخيل أن يغلب عليٌّ معاوية في سوق المنافع الدنيوية؛ لأن معاوية قد أهب لها أهبته قبل عشرين سنة، وجمع لها أنصاره وكنز لها كنوزه في بلاد وادعة بين جند مطيع.

ولو توافرت لعليٍّ مادة هذه السياسة، لما توافر له أعوانها والمساعدون عليها … فليس أقل نفعًا في هذا المضمار من أعوانه الذين ثاروا على سياسة المنافع، وباءوا من أجلها بدم خليفة، واجتمعوا على التمرد قاصدين أو غير قاصدين … فلا يديرون أنفسهم إلى نهج كنهج معاوية ولو أرادوه.
وأغلب الظن أن عليًّا كان يخسر بهذه السياسة أولئك الذين أحبوه، ولا يربح بها أولئك الذين أبغضوه.

ويذكر العقاد في كتابه: أن بعض من شهدوا معركة صفين قالوا: «لما قدمنا على معاوية وأهل الشام بصفين، وجدناهم قد نزلوا منزلًا اختاروه مستويًا بساطًا واسعًا، وأخذوا الشريعة — أي: مورد الماء — فهي في أيديهم … وقد أجمعوا على أن يمنعونا الماء، ففزعنا إلى أمير المؤمنين فخبرناه بذلك فدعا صعصعة بن صوحان، فقال له: ائت معاوية، وقل له إنا سرنا مسيرنا هذا إليكم ونحن نكره قتالكم قبل الإعذار إليكم، وإنك قدمت إلينا خيلك ورجلك فقاتلتنا قبل أن نقاتلك وبدأتنا، ونحن من رأينا الكف عنك حتى ندعوك ونحتج عليك، وهذه أخرى قد فعلتموها إذ حلتم بين الناس وبين الماء، والناس غير منتهين أو يشربوا فابعث إلى أصحابك فليخلوا بين الناس وبين الماء، ويكفوا حتى ننظر فيما بيننا وبينكم وفيما قدمنا له وقدمتم له».

ثم قال راوي الخبر ما معناه: إن معاوية سأل أصحابه، فأشاروا عليه أن يحول بين علي وبين المورد غير حافل بدعوته إلى السلم، ولا بدعوته إلى المفاوضة في أمر الخلاف، فأنفذ معاوية مددًا إلى حراس المورد يحمونه ويصدون من يقترب منه، ثم كان بين العسكرين تراشق بالنبل، فطعنٌ بالرماح، فضربٌ بالسيوف حتى اقتحم أصحاب علي طريق الماء وملكوه.

وهنا الفرصة الكبرى لو شاء عليٌّ أن يهتبلها، وأن يغلب أعداءه بالظمأ كما أرادوا أن يغلبوه به قبيل ساعة … وقد جاء أصحابه يقولون: والله لا نسقيهموه، فكأنما كان هو سفير معاوية وجنده إليهم يتشفع لهم، ويستلين قلوبهم من أجلهم، وصاح بهم: «خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا إلى عسكركم وخلوا عنهم، فإن الله — عز وجل — قد نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم».

ولاحت له فرصة قبل هذه الفرصة في حرب أهل البصرة، فأبى أن يهتبلها وأغضب أعوانه إنصافًا لأعدائه؛ لأنه نهاهم أن يسلبوا المال ويستبيحوا السبي وهو في رأيهم حلال. قالوا: أتراه يحل لنا دماءهم ويحرم علينا أموالهم؟ … فقال: «إنما القوم أمثالكم، من صفح عنا فهو منا ونحن منه، ومن لج حتى يصاب فقتاله مني على الصدر والنحر.» وسن لهم سنة الفروسية أو سنة النخوة حين أوصاهم ألا يقتلوا مدبرًا، ولا يجهزوا على جريح، ولا يكشفوا سترًا، ولا يمدوا يدًا إلى مال.

ومن الفرص التي أبت عليه النخوة أن يهتبلها فرصة عمرو بن العاص، وهو ملقى على الأرض مكشوف السوأة لا يبالي أن يدفع عنه الموت بما حضره من وقاء، فصدف بوجهه عنه آنفًا أن يصرع رجلًا يخاف الموت هذه المخافة التي لا يرضاها من منازله في مجال صراع، ولو غير عليٍّ أتيح له أن يقضي على عمرو لعلم أنه قاضٍ على جرثومة عداءٍ ودهاء، فلم يبال أن يصيبه حيث ظفر به، ولا جناح عليه.







مشاركة



الموضوعات المتعلقة




الرجوع الى أعلى الصفحة