أصحاب الكهف.. بين القرآن الكريم والعهد القديم وقصص الحضارات

الجمعة، 26 يوليو 2024 06:00 ص
أصحاب الكهف.. بين القرآن الكريم والعهد القديم وقصص الحضارات أصحاب الكهف - صورة تعبيرية
أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تعد قصة أصحاب الكهف واحدة من أشهر القصص فى القرآن الكريم، ولها صدى فى التراث كله، فكيف وردت هذه الحكاية في القرآن الكريم والكتب المقدسة.

يقول كتاب القصص القرآني ومتوازياته التوراتية: أساطير الأولين لـ المفكر السوري فراس السواح.

 

أصحاب الكهف
(1) الرواية القرآنية

تتحدث هذه القصة القرآنية عن عددٍ من الشباب المؤمن، الذين فرُّوا من الاضطهاد الديني، ورفضوا عبادة الأوثان التي فرضها عليهم الملك، فلجئوا إلى كهفٍ في جبلٍ خارج المدينة، وهناك ألقى الله عليهم سُباتًا فناموا لمدةٍ تزيد عن الثلاثمائة سنة، وعندما انجلت الغُمة بعثهم الله من نومهم وأراد إطلاع الناس على حقيقة ما جرى لهم، ليؤمنوا بأن وعد الله حقٌّ، وأنه قادرٌ على إحياء الموتى مثلما أحيا هؤلاء الفتية.

أما عن مناسبة نزول الوحي بهذه القصة، فيقول ابن كثيرٍ بأن بعضًا من أهل الكتاب سألوا النبي عن خبر أصحاب الكهف، فقال لهم: "غدًا أُجيبكم"، ولم يُتْبع قوله هذا بقول "إن شاء الله". ولكن الوحي تأخَّر عليه خمسة عشر يومًا، وعندما جاء الوحي بالقصة أراد تعالى تذكير رسوله بنسيانه هذا؛ ولذلك قال في آخرها:
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا. والقصة مذكورةٌ فقط في سورة الكهف، ولا يوجد إشارةٌ إليها في أي موضعٍ آخر. وهذا نصُّها الكامل:

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ١ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا٢* إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ٣ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا٤* ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا٥* نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا٦* هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ٧ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا * وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا٨* وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ٩ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ١٠ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا * وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا * وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ١١ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ١٢ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا * وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ١٣ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ١٤ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا * سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ١٥ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ١٦ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا * وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا * قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (١٨ الكهف: ٩–٢٦).

لا يوجد في كتاب العهد القديم أو في كتاب العهد الجديد خبرٌ عن أصحاب الكهف. فهذه قصة مسيحيةٌ متأخرةٌ جرى تداولها في العصر الذي صارت فيه المسيحية دينًا رسميًّا للإمبراطورية الرومانية، بعد تحوُّل الإمبراطور قسطنطين (٣٠٦–٣٣٧م) إلى الدين المسيحي. وأول نصٍّ مُدوَّن لهذه القصة هو نص سرياني يعود بتاريخه إلى أواخر القرن الخامس الميلادي. ويبدو أنه قد اعتمد مروياتٍ شفهية متداولة أكثر قدمًا، وهذا ملخَّص وافٍ له.١٧
في جولةٍ له خارج عاصمته جاء الإمبراطور ديكيوس إلى إفسوس، وهي مدينةٌ يونانيةٌ عريقة في آسيا الصغرى، وهناك وصلته أخبارُ انتشار المسيحية فيها، فحاول التضييق على المسيحيين وأمرهم جميعًا بتقديم القرابين إلى الآلهة الرومانية، فرضخ فريقٌ منهم وارتدَّ تحت التهديد، ورفض فريقٌ قليل آخر مُفضلًا الألم والعذاب على ترك المعتقد. ومن هؤلاء سبعة فتية (وبعض الروايات تقول ثمانية) قُدِّمت أسماؤهم إلى الإمبراطور ليتَّخذ قراره فيهم، فأعطاهم مهلةً للتفكير في العدول عن موقفهم هذا ثم غادر المدينة ليكمل جولته. فترك الفتية بيوتهم ولجئوا إلى جبل أنخليوس خارج إفسوس حيث اختبئوا في كهفٍ. وعندما نفدت مئونتهم أرسلوا واحدًا منهم إلى المدينة ليشتريَ لهم طعامًا، وهناك علم أن الإمبراطور قد عاد إلى إفسوس وهو يطلبهم. اضطرب الفتية لسماع هذه الأنباء، وبعد تناولهم طعامهم ألقى عليهم الرب سُباتًا عميقًا، وأغلق عليهم مدخل الكهف بصخرةٍ عظيمةٍ. فتَّش جنود الإمبراطور عن الفتية ولم يعثروا لهم على أثرٍ، فجاءوا إلى أهلهم وانتزعوا منهم تحت التهديد بالقتل مكان اختباء الفِتية، ولكنهم عندما وصلوا إلى الكهف وجدوه مُغلقًا بتلك الصخرة العظيمة، وتأكَّد لهم أن الفتية قد لقوا حتفهم في داخله، فغادروا وأخبروا الإمبراطور.

دام سُبات الفتية ثلاثمائة وسبع سنين، وكانت الدولةُ قد تحوَّلت إلى الدين المسيحي منذ أمدٍ بعيد، وآلت السلطة إلى الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني. وفي عصر هذا الإمبراطور دار جدالٌ في الأوساط المسيحية حول مسألةِ بَعْث الأموات، ووقف أحد الأساقفة المدعو ثيودور في صف من يُنكر البعث، الأمر الذي أرَّق الإمبراطور. في هذه الأثناء أراد مالك الحقل الذي يقع فيه الكهف بناء حظيرةٍ لغنمه، فراح يقتلع من صخرة المدخل حجارة لاستخدامها في رفع الجدران، وذلك حتى انكشف مدخل الكهف، ولكن الرجل لم يدخل ولم يلحظ وجود أحدٍ هناك.

ثم إن الله أيقظ الفتية من سُباتهم، وظنَّ كل واحدٍ منهم أنه لم يَنَم إلا ليلةً واحدة، وراحوا يشجعون بعضهم على النزول إلى المدينة لاستقصاء الأخبار وشراء الطعام. وأخيرًا وقع الاختيار على المدعو ديوميديوس الذي نزل في المرة الأولى، فحمل فضته ومضى. عندما وصل ديوميديوس إلى بوابة المدينة رأى صليبًا كبيرًا مُعلقًا عليها، فتعجَّب وتبلبلت خواطره ولم يجد لذلك تفسيرًا. ثم إنه دخل وتجول ووقف أخيرًا عند أحد الباعة ليشتريَ طعامًا، وعندما أخرج نقوده المعدنية، رأى البائعُ عليها صورةَ الإمبراطور ديكيوس، الذي اختفى الفتية في عهده، منقوشةً على العملة، فظن أن الفتى قد عثر على كنزٍ قديم مدفون في الأرض، فراح يضغط على الفتى لمعرفة مكان الكنز، وتجمَّع حولهما أهل السوق. ثم إن الخبر شاع بسرعةٍ ووصل إلى أسقف المدينة وإلى الحاكم، فَجيء إليهما بالفتى وقصَّ عليهما القصة كاملةً، وطلب منهما مصاحبته إلى الكهف للتأكد من صحة كلامه. وخلال تفحصهما لمدخل الكهف عثرا على رقيمين معدنيَّين نُقِشَت عليهما كتابة تحكي قصة الفتية، كانا قد وُضِعَا تحت الصخرة عند احتباسهم، وبذلك تمَّ التأكُّد من صحة روايتهم. ثم إن الإمبراطور جاء بنفسه إلى المكان واستمع إلى الفتية، فقال له واحد منهم: إن الله قد أنامهم هذه المدة الطويلة ثم أيقظهم؛ لكي يُثبت للمتشككين حقيقة البعث في يوم الحساب، وقدرة الله عليه. عند ذلك أمر الإمبراطور ببناء مقامٍ دينيٍّ في موضع الكهف تذكارًا للفتية.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة