احتل الجيش المصرى، بقيادة إبراهيم باشا، مدينة بيلان جنوبى إسكندرونة، وخفقت عليها أعلام النصر، وذلك بعد الانتصار على الجيش العثمانى فى معركة دامت ثلاث ساعات، فقد العثمانيون فيها نحو 2500 قتيل وجريح، وأسر المصريون 2000 أسير، وغنموا 25 مدفعا وكثيرا من الذخائر، فى 30 يوليو، مثل هذا اليوم، 1832، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على».
يؤكد «الرافعى»، أن الترك فرت فلولهم إلى الإسكندرونة لتلجأ إلى السفن التركية، لكنهم لم يدركوها لأنها أقلعت من الميناء بعد هزيمة بيلان، فسار المصريون فى أعقابهم وأسروا الكثيرين منهم واحتلوا الإسكندرونة، ثم تقدم فرسانهم وساروا بمحاذة الساحل، واحتلوا بياس شمالى الإسكندرونة، وأسروا فيها 1900 مقاتل من الجيش التركى، وسلمت أيضا أنطاكية واللاذقية والسويدية، ويضيف «الرافعى»: «كانت نكبة الجيش التركى فى هذه الواقعة ساحقة، واختفى قائده العام على وجهه متنكرا خوفا من الفضيحة، ونجاة بنفسه من القصاص الذى هو لا بد من ملاقيه إذا عاد إلى الآستانة وفى تبعيته هذه الهزيمة».
جاءت هذه المعركة ضمن المعارك، التى كان يخوضها إبراهيم باشا بجيشه ضد العثمانيين لإخضاع الشام إلى نفوذ والده محمد على باشا، وبدأ ذلك بإخضاعه عكا فى عام 1832، ثم توالت انتصارات إبراهيم وأخضع حمص وحلب، وفقا للدكتور عبدالرحمن زكى فى كتابه «التاريخ الحربى لعصر محمد على الكبير»، مضيفا: «وصل إبراهيم باشا إلى حلب فى 17 يوليو 1832، وأقام فيها عدة أيام ليستريح جنوده، وأفاد من بقائه بعد أن أوضح للأهالى من جميع الملل أهداف أبيه من قتال الباب العالى، فانضموا إليه بعد أن تبدت نواياه، وسمعوا خطباء المساجد يخطبون باسم خليفة المسلمين، وفى أثناء إقامته جاءته وفود من أورفا وديار بكر تعلن خضوع المدينتين لحكم محمد على».
يذكر «الرافعى» أن قوات الجيش العثمانى فى بيلان تألفت من نحو 45 ألفا من الجنود النظامية، بقيادة حسين باشا، ولديها السلاح الكافى يعززها نحو 160 مدفعا، وهى قوة لا يستهان بها ترابط فى مواقع منيعة، ولكن قيادتها تعوزها الكفاية والخبرة، وحالة الجنود المعنوية لم تكن على ما يرام بسبب الهزائم المتوالية، عكس الجيش المصرى الذى ملأت الانتصارات المتتابعة جنوده قوة وحماسة، وجعلتهم يركنون إلى قائدهم الباسل إبراهيم باشا.
يضيف «الرافعى»: «اتخذ الجيش التركى مواقعه على قمم جبال بيلان، وعسكر الجيش المصرى فى السهل المنبسط، وأنعم إبراهيم باشا النظر فى مواقع الترك على جبال بيلان فرآها منيعة يصعب على الجيش المرابط فى السهل المنبسط أن ينال منها، وأخذوا يتداولون فى الخطة التى تكفل لهم الفوز».
يذكر عبدالرحمن زكى، أن إبراهيم باشا جمع فى مساء 28 يوليو 1832 مجلسا من ضباطه، لوضع قرارهم النهائى فى الخطة التى ستنفذ، فرأى بعضهم تأجيل الهجوم على المضيق إلى بعد الغد، ورأى آخرون الهجوم غدا ليحرموا العدو من تعزيز مراكزه أو وصول إمدادات إليه من إسكندرونة، ومن محاسن الصدف أن المستشار الفنى لحسين باشا قائد القوات العثمانية، وكان فرنسيا، وقع فى قبضة إبراهيم باشا فحرم الأتراك من معاونته.
قرر الاجتماع الأخذ بخطة الهجوم فى اليوم التالى «صباح 29 يوليو»، والقيام بحركة التفاف حول ميسرة الترك من الجنب، تمهيدا للإحاطة بها، ثم احتلال بعض المرتفعات المتسلطة على القلب، ويجعل مشاة الأتراك هدفا لنيران المدافع المصرية، وفى الوقت نفسه يرسل جزءا من قواته للإحاطة بميمنة الأتراك، وأخذ إبراهيم باشا على كاهله قيادة وحدات آليات المشاة وآليات الخيالة، وبطاريات مدفعية الميدان لأهمية دورها المطلوب تنفيذه.
استمرت المعركة ثلاث ساعات، وانتهت بهزيمة القوات التركية العثمانية، ويؤكد «زكى» أن خسائر المصريين لم تتجاوز 20 قتيلا، وانتصر «إبراهيم» لأن تنفيذه للخطة كان دقيقا ورائعا، وكان نشاطه باديا فى كل حركة من حركات الجند والضباط، فاستحق ثناء والده وإعجاب مواطنيه.
يؤكد «زكى»: «قضى الجيش المصرى ليلة 29 يوليو فى مواقع الأتراك ماعدا أورطتين أمرتا بدخول بيلان، وانفصل منهما بلوكان وفصيلة خيالة مدرعة لاستكشاف الطريق إلى إسكندرونة، وفى 30 يوليو 1832 احتل إبراهيم باشا بيلان، أما الخيالة فسلكت طريق إسكندرونة بقيادة عباس باشا حلمى الأول، حيث عثروا على كميات مكدسة من الغنائم و14 مدفعا، وأصناف التعيين التى تكفى الجنود 4 أشهر، وتردد حسين باشا قائد الجيش العثمانى فى تدميرها، وكان وصول فلوله إلى إسكندرونة بعد قيام سفن الأسطول العثمانى بدقائق».
يضيف «زكى»: «احتل إبراهيم ميناء إسكندرونة، واندفعت الخيالة إلى باياس آسرة نحو 1400 تركى وسلمت أنطاكية واللاذقية والسويدية، وعقب راحة قصيرة الأجل، احتل جنود إبراهيم أدنة وطرطوس، وكانت الأولى مفتاح الزحف على الأناضول، وبعد أيام كان العلم المصرى يخفق على أورفا وعينتاب ومرعش وقيصرية».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة