"نهارك فل يا باشا- أهلاً يا بيه- ما تشدي حيلك شوية يا هانم!"، ألقاب يستخدمها العامة لمناداة بعضهم، إمّا لتفخيم شخص ما وإمّا للسخرية منه، لكنها في الحقيقة كانت تستخدم منذ بضعة قرون، كألقاب لأصحاب المكانة العليا في البلاد، إذ كانت تُمنَح لهم من قِبَل الحاكم؛ تقديرًا لمجهوداتهم التي بذلوها في خدمة البلاد والعباد، وللأسف!
تلك الذريعة تسببت في حصول البعض على شرف لا يستحقونه، ومنحتهم سلطة التجبر على الشعب، والسؤال هنا: ما أصل تلك الألقاب، وكيف وصلتنا؟
"بيه، بيك، باي، بك"، كلها مرادفات لكلمة واحدة، ومعناها بالتركية الآمر، أو السيد، أو رئيس العشيرة، وهي فارسية الأصل، وتعني الحكيم أو المُقَدّس، وقد استخدمها السلاجقة في العصر الإسلامي بمعنى الأمير، وكان أول من استخدمها طرغك بيك، مؤسس الدولة السلجوقية، ثم انتقلت فيما بعد إلى المماليك، الذين أطلقوها على حُكّام الولايات التابعة لهم، وعلى الأمير الأكبر أيضًا.
أما العثمانيون، فقد أطلقوه على الأمير عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية، وفيما بعد صار اللقب يُمنَح لأصحاب المناصب في الدولة، وضباط الجيش، حتى قرروا إطلاق لقب جديد، أطلقوا عليه اسم الباشا، ويعني الرأس أو الرئيس، وصار يُطلق على حُكّام الولايات، وأصحاب الرتب العليا في الجيش، والصدر الأعظم، ويقوم السلطان العثماني بمنح تلك الألقاب لمستحقيها -من وجهة نظره-.
أما في مصر تحديدًا، فكان محمد علي باشا هو مانح تلك الألقاب، بعد استقلاله الجزئي عن الدولة العثمانية، وتولى الحكام من بعده تلك المهمة، فالخديو إسماعيل، وأبناؤه، وأحفاده كانوا يمنحون تلك الألقاب لرجال القصر، أفراد الأسرة الماكلكة، والنظار، وبعض الأعيان من أهل مصر، أو الأجانب من جنسيات أخرى، لكنَّ بعض الأعيان كانوا يشترون تلك الألقاب، من خلال بعض العطايا لرجال القصر، لتزكيتهم عند الخديو، وتقول بعض المصادر، أنَّ مصطفى كامل كان الوحيد الذي أخذها دون شرائها.
وبعد تحويل مصر إلى مملكة، صدرت قرارات بمنح لقب البكاوية لبعض الموظفين الذين يتعدى راتبهم 1000 جنيه سنويًا، في حين تُمنَح الباشاوية لمَن تعدى راتبه 1800 جنيه سنويًا، ومن بين الأشخاص الذين حصلوا على لقب البكاوية دون شرائها، كان الدكتور علي مصطفى مشرفة، عميد كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول، ثم حصل على الباشاوية عندما صدر قرار بتعيينه مديرًا للجامعة؛ تزامنًا مع زيارة الملك عبد العزيز آل سعود إلى مصر، لكنه أُبعِد عن المنصب فيما بعد، بسبب غضب الملك فاروق عليه.
وبذكر الملك فاروق، يجدر بنا القول، بأنَّ بعض رجال الأعمال سعَوْا لشراء تلك الألقاب بالمال، وعمدوا إلى دفع رشاوى للملك شخصيًا، ومنهم مَن وصل إلى الوزارة أكثر من مرة.
أما لقب هانم، فهو لقب عثماني الأصل، وكان يُطلَق في مصر على السيدات المقربات من العائلة المالكة، وبنات الأعيان.
وفي الـ30 من يوليو عام 1952، صدر قرار من مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء، بإلغاء الألقاب والرتب المدنية بكافة أشكالها، وصار الجميع ينادى بلقب السيد، أو الأستاذ، أو حضرة المحترم، أما النساء فينادون بألقاب مثل: آنسة، مدام، أستاذة.
لكن تلك الألقاب عادت بقوة بعد الانفتاح، فصارت تُطلَق على رجال لأعمال، وكبار الموظفين في الدولة، ورجال القانون، وضباط الجيش والشرطة، حتى أصبح عامة الشعب يُطلِقونها على بعضهم.