وعد الرئيس جمال عبدالناصر قادة حركة فتح الفلسطينية بتقديم كل المساعدات الممكنة مقابل مطلب واحد وهو «أن تنطلق ولو رصاصة واحدة كل يوم فى الأرض المحتلة، بحيث يسمع صوتها، ويذيع خبرها، ويكون من ذلك رمز لوجود مقاومة فلسطينية فى الأرض المحتلة»، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى الجزء الثالث من كتابه «المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل –سلام الأوهام –أوسلو ما قبلها وما بعدها».
يؤكد هيكل، أن عبد الناصر أعطى وعده لقادة «فتح» وهم «ياسر عرفات، صلاح خلف «أبو إياد» فاروق قدومى «أبواللطف»، فى أول لقاء معهم بمنزله بمنشية البكرى فى أكتوبر 1967، ، وبعد مناقشات صريحة كانت خطوة عبدالناصر المهمة باصطحابه لياسر عرفات سرا إلى موسكو ليقدمه إلى القادة السوفييت يوم 4 يوليو، مثل هذا اليوم، 1968.
يكشف هيكل أنه حينما بدأت «فتح» تطرق أبواب القاهرة من المسالك التقليدية، بدت كل الأبواب مغلقة أمامها، وكانت كل الأجهزة الرسمية المختصة فى ذلك الوقت معبأة ضدها، بتقدير أن «الحركة إما متأثرة بالإخوان المسلمين، وإما متواطئة مع حزب البعث فى سوريا، وتكررت طرقات حركة فتح على الأبواب المصرية، ثم كان أن أرسلت فى سبتمبر 1967، أحد مؤسسيها وهو «خالد الحسن» لمقابلة «محمد حسنين هيكل» ليتولى عرض قضيتهم على جمال عبدالناصر.
يذكر هيكل، أن «خالد الحسن» لم يجادل كثيرا فى أن حركة فتح كان لها نصيبها فى الأخطاء التى أدت إلى 1967، ولم يجادل فى وجود تأثيرات للإخوان المسلمين وللبعث على قيادة الحركة وتوجهاتها، ثم اقترح أن يجئ قادتها للقاهرة ويقابلوه «هيكل» ويسمع منهم جميعا، وبالفعل حضر ياسر عرفات وأبو إياد وفاروق قدومى، وطالت الأحاديث معهم إلى ساعة متأخرة من الليل، ونقل هيكل تفاصيل ما دار إلى عبد الناصر.
يؤكد هيكل: «كان عبد الناصر» على استعداد لأن يفتح صفحة جديدة لهدف لديه هو أنه يريد أن تظهر مقاومة فلسطينية مسلحة داخل الأرض المحتلة ليتبدى للعالم أن الشعب الفلسطينى موجود وحى ومشارك فى الدفاع عن وطنه وقضيته، وفى أحد أيام وجود قيادة فتح فى القاهرة «أكتوبر 1967»، أخطرهم هيكل أنهم سوف يقابلون شخصية هامة، وكانت مفاجأتهم كاملة حينما أخذهم معه فى سيارته، وإذا هى تتجه إلى منشية البكرى ثم تدخل بيت جمال عبد الناصر، ولم يكن أى منهم على استعداد، وكان اللقاء حاسما بالنسبة لدور «فتح» فى الصراع العربى – الإسرائيلى، فاعتراف عبد الناصر بفتح أعطاها شرعية منحتها مكانة تقدمت بها على غيرها من المنظمات الفلسطينية.
أما صلاح خلف «أبو إياد»، فيتذكر: «استقبلنا هيكل بطيبة خاطر، وكان الانطباع الأول الذى تركه للوهلة الأولى فى نفسى سيئا، وبدا لى فى لباسه المتأنق وسيجاره الكبير القابع بين شفتيه، واطمئنانه المفرط لدى الكلام، كأنه يتحدث إلينا من قبيل التنازل، وقلت فى نفسى أنه لا يمكن أن يكون لدى هذا الرجل أدنى تعاطف مع القضية الفلسطينية، ثم اكتشفت أنى على خطأ، فإنه عاد وأصبح واحدا من أفضل أصدقاء المقاومة، كانت أولى محادثاته بيننا وبينه قصيرة نسبيا، وبعد أن قال لنا أنه يرجو كل الخير لحركتنا، فإنه أكد أن النظام المصرى يود إقامة علاقات على أرفع مستوى مع فتح، ثم عرض أن يصطحبنا إلى الأمين العام للاتحاد الاشتراكى على صبرى.
يضيف أبو إياد: «وصلنا، ويالدهشتنا العظمى ليس إلى مقر الاتحاد الاشتراكى وإنما إلى مقر عبد الناصر، ما إن جلسنا حتى سألنا بلهجة بادية الجد وهو يشير بإصبعه إلى حافظة الوثائق التى يحملها فاروق قدومى «أيصح أنكم تحملون هنا متفجرات لقتلى»، ثم أضاف: «اطمئنوا فأنا أمزح، تلقيت تقريرا يحذرنى من أنكم ستحاولون اغتيالى، ومزقت هذا التقرير السخيف كما عارضت اقتراح هيكل بتفتيشكم على مدخل مقرى».
يؤكد أبو إياد، أن صراحة عبد الناصر شجعتهم على الحديث بمنتهى الحرية عن «فتح»، ويكشف: «راح يسألنا على مدى ساعتين حول تأسيس منظمتنا وأيديولوجيتها ومصادر تمويلها ونشاطاتها، كان يريد أن يعرف كيف استطعنا أن نصمد للإسرائيليين فى الكرامة (21 مارس 1968)، وماهى القيمة التقنية لبنادقنا الرشاشة والآربى جى، وبعد أن أصغى إلينا باهتمام كبير تناول مسائل توجهنا السياسى الذى كان يبدو أنه يقلقه، أصحيح أن بيننا الكثير من الإخوان المسلمين؟، ألسنا معادين للناصرية؟.
يؤكد: «أفضت هذه المباحثات التى دامت أكثر من 5 ساعات إلى نتائج ملموسة فقد عبر لنا عبد الناصر بأن يقدم الأسلحة ويؤمن تدريب الفدائيين، ثم أضاف أنه ليس لدى مصر الوسائل لتزويدنا بمعونة مالية، وأوصانا بأن نعمد إلى الملك فيصل فى هذا الموضوع»، وهكذا كانت مقدمات اصطحاب عبد الناصر لعرفات إلى موسكو وتقديمه إلى السوفييت يوم 4 و5 يوليو 1968.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة