لماذا نكره أنفسنا؟.. كتاب يناقش

الخميس، 04 يوليو 2024 05:00 م
لماذا نكره أنفسنا؟.. كتاب يناقش الهجرة إلى الإنسانية
أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

دراسة الإنسان وتتأمل ما يجري له من الأمور المهمة التي شغلت الباحثين والنقاد والفلسفة، وعادة تشغلني الكتب التي تخوض في النفس وتتحدث عن البشرية والإنسانية ومن ذلك كتاب "الهجرة إلى الإنسانية" لـ فتحي المسكيني.

يقول فتحي المسكيني تحت عنوان "نرسيس والحطيئة أو لماذا نكره أنفسنا؟":
ذكر المسعودي، في "مروج الذهب"، أن بعض الحيوان، مثل الفيلة والخيل والإبل، يجزع من الماء الصافي إذا ورد للشرب، فيضربه ويكدره، فإذا تكدَّر شرب منه مطمئنًّا. ولعل ذلك "لمشاهدة صورها في الماء لصقالته وصفائه". ويبدو أن هذا خاصٌّ بما عَظُم من الحيوان، الذي متى "رأى صورته مُنعكِسة على صفاء الماء أعجبَتْه لعِظَمها وحُسنها وما بان به من حُسن الهيئة عمَّا دونه من أنواع الحيوان". ولا ندري أي اطمئنان يتحقَّق لها مع الكدر أو التكدير، ولو كان رغبة من عندها.

فهل نكسر المرآة إذَن — نحن بني البشر — حتى نستطيع أن نرى أنفسنا من دون خوف؟ خوف من الوجه الآخَر لأنفسنا؟ حيث يبرز وجهُنا دون أن يكون نحن … أو دون أن يتطابق مع ما نظنُّ أنه صورتنا عند أنفسنا.

ربَّما.

ولكن يبدو أن الفرق بين الماء والمرآة أكثر خطورة مما نتصوَّر لأول وهلة. يستطيع الماء أن يتكدَّر دون أن يفقد من حقيقته: كونه يَروي ظمأ الحيوان الذي فينا. لكن المرآة لا تتكسَّر من أجلنا أبدًا. وبعض الهويات يشبه المرآة: إنها لا تتكسَّر من أجلنا أبدًا، فهي في الحقيقة لا ترى إلا نفسها، وكل مَن يحرص على أن يَدين بشكل حياته إلى كينونة مرآوية، هو يؤبِّد فقط حاجته إلى ما لا يتكسَّر من أجله، ويرهن هُويته في أنانية لا تحب غير نفسها.

تحت جلد كل مرآة، يوجد نرسيس، الإله الذي عاقبته الآلهة بحبِّ نفسه، قصاصًا منه لصده المرأة التي أحبته، «إيكو»، ابنة الهواء والتراب التي تفاخَرَ عليها بجماله فلعَنَتْه الآلهة. نعم، الآلهة تثأر بالحب. وما قتل نرسيس كان مُخبَّأً له في قَدَره منذ البداية. قالت النبوءة: «هو يبلغ الشيخوخة فقط إذا هو لم ينظر إلى نفسه ولم يرَ صورة وجهه». كانت لعنته صامتة ونائمة في عينيه. ويبدو أن لفظة «نرسيس» اليونانية (نركيسوس) كانت تتضمَّن «ناركي» أي «النوم»: ثمة نومٌ ما في عينَي كل هوية، ليس أخطَر عليها من أن ترى نفسها، أو تحدِّق في نفسها. وهكذا حين قاده الظمأ إلى الماء كي يشرب الحيوان الذي فيه، رأى نفسه لأول مرَّة، فأحبَّ نفسه وانتهى به الوجد إلى الموت، كدرًا من هذا الشعور الذي لا يمكن تحقيقه: أن يقبض على صورته ويخرجها من الماء. حين أراد أن يقبِّل وجهه في الماء، غرق في نفسه، ومات من أجل هُوية كان ممنوعًا عليه أن يراها. ناحت عليه أخواته الربَّات. ومع جثته عُثر على زهور بيضاء، هي تلك التي تُسمى «النرجس». النرجس هو ما تبقى من عينيه على صفحة الماء. هويته تحوَّلت إلى عطر. ولكن ثمن العطر هو موت نرسيس.

الهجرة إلى الإنسانية
الهجرة إلى الإنسانية

 










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة