تملك مصر تراثا فنيا كبيرا تكشفه لنا المجلات القديمة والأرشيف الصحفي، ومن ذلك استوقفني موضوع في العدد الأول من مجلة الكواكب، والذي صدر في مارس سنة 1932، ليصبح أول عدد في هذه المجلة المهمة، وكان الموضوع عن كيف يحفظ الممثلون أدوارهم، واخترنا منهم الفنانين الكبار (يوسف وهبي، ونجيب الريحاني، وعلى الكسار).
يوسف وهبي
يركن الأستاذ يوسف وهبي في حفظ أدواره إلى حدة ذاكرته وسرعة حافظته فهو يضطر - لكثرة مشاغله وتعدد نواحي عمله - إلى إرجاء حفظ الدور إلى اللحظة الأخيرة قبل رفع الستار، بينما ترى الزوار يملأون غرفة تنكره وهو يرتدي ملابس الدور ترى النوتة السوداء أمامه يقلب صحائفها على عجل ليستوعب الكلمات ويدق جرس الخطر في غرفته فيهرول مسرعا إلى المسرح والنوتة في يده يطالع أول الكلمات التي ينبغي أن يبدأ بها موقفه، حتى يشير عليه مدير المسرح بالدخول، فيدخل ويندمج في الرواية كأنه قد حفظ الدور عن ظهر قلب منذ أيام بعيدة!
وقد يضيق به الوقت أحيانا وتنتزع مشاغله اللحظات الأخيرة قبل دخوله إلى المسرح، فيدخل دون أن يكون قد فتح النوتة أو قرأ الدور، ولكنك لن تستطيع إدراك ذلك أو ملاحظاته، لأنه يكون هادئاً في تتبع مجرى الحديث وقد فهم دقائق المواقف كلها من قبل أثناء تمرينه الممثلين على الإخراج في البروفات، فيلقي الحديث كأنه حفظه عن ظهر قلب وإن شط عن كلمات الدور وألقى من عنده غيرها فإذا أحس بذلك وأدرك أن الممثل الذي أمامه لم يستطع إلحاقه أومأ بعينه أو بإشارة خفية منه إلى الملقن فيسرع هذا إلى إنقاذ الممثل الآخر بإعطائه مفتاح جملته التي ينبغي أن يرد بها على حديث يوسف المؤلف المبتكر . . !
نجيب الريحاني
قل أن تجد في يد الأستاذ نجيب الريحاني ( كشكش بك ) نوتة الدور بل هو لا يكلف نفسه عبء حملها مطلقاً، لأنه لا يهتم بحفظه مكتفيا بفهمه لدوره (وهو دائما مؤلف مشترك في وضعها)، لهذا يسهل عليه إلغاء النوتة وتمثيل موقفه معتمداً في ذكر الكلمات أو مفاتيح الجمل على الملقن نفسه، ولعل في نوع روايات الأستاذ نجيب ما يسهل عليه هذا التخلص، ولأن ذاكرته خصبة تساعده على التصرف أمام الجمهور بما لا يخرج عن معنى الدور، وله في مواقف كثيرة مداعبات وقفشات فكهة مبتكرة لا أصل لها في الرواية ....
على الكسار
والأستاذ على الكسار لا يختلف كثيراً عن الأستاذ الريحاني، فهو لا يلجأ إلى نوتة ولا إلى حفظ الدور مكتفياً بما يعلق من الدور في ذاكرته من البروفات تاركا البقية للملقن وسرعة خاطره.
وتروى عن سرعة خاطر الكسار على المسرح فكاهات مضحكة، فهو يظل دقيقة أو اثنتين يداعب الجمهور أو يرد على عبارات أحد المشاهدين دون أن يكون لهذا طبعا أي أثر في الأصل، وهو يعتمد في تكييف دوره ونكته المبتكرة على الظروف وحدها يساعده في ذلك النوع الكوميدي الذي يمثله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة