تواجه الحكومة المصرية الجديدة، العديد من الملفات الاقتصادية الهامة والتحديات الجسام، والتي تأتي في ظلّ ظروف عالمية صعبة تتميز بارتفاع معدلات التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي وتشديد السياسات النقدية من قبل كبري الدول.
ورصدت دراسة أعدها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية التحديات التي واجهت الاقتصاد المصري منذ عام 2020 حتى نهاية عام 2023، حيث تأثرت مصر سلبا بسلسلة من الأحداث العالمية ، بدءًا من تفشي وباء كورونا وتبعاته من إغلاقات الحدود وتوقف وسائل النقل والسفر والتجارة الدولية، مرورًا باندلاع الصراع الروسي الأوكراني في بداية عام 2022 الذي أثر سلبًا على سلاسل التوريد والإمداد بالسلع الضرورية مثل الطاقة والغذاء، وانتهاءً بحرب غزة في أكتوبر 2023، حيث أكدت الدراسة أن جميع هذه الأحداث تسببت في إلحاق الضرر بالنشاط الاقتصادي العالمي فتباطأت معدلات النمو، وزادت من عدم وضوح الرؤية المستقبلية.
وأشارت الدراسة إلى أنه من أبرز التحديات الاقتصادية التي تواجه الحكومة الجديدة، هو ارتفاع معدلات التضخم حيث أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن التضخم وصل إلى 27.4% في مايو 2024 وعلى الرغم من تباطؤ مستويات التضخم إلا أن مازال لم يتم لمس هذا التباطؤ في الأسواق وذلك بسبب ضعف وجود الرقابة في الأسواق والتحكم في جشع التجار، كما يُمكن تفسير معدلات التضخم الحالية باتجاه كبرى الشركات والمؤسسات العاملة بالسوق المصرية إلى تسعير منتجاتها بسعر صرف جنيه مقابل الدولار أعلى من السعر المتداول في السوق الرسمية والمعلن من جانب البنك المركزي المصري والبنوك العاملة بالسوق المصرية، فعادة ما يميل التجار إلى اتخاذ قرارات تسعير منتجاتهم بناء على توقعاتهم تجاه سعر الصرف وليس سعر الصرف الحالي.
كما نوهت الدراسة عن أن مصر تواجه عجز الموازنة العامة، مما يتطلب اتخاذ إجراءات لخفض الإنفاق الحكومي وزيادة الإيرادات الضريبية، حيث ازداد الإنفاق العام في مصر بشكل كبير خلال السنوات الماضية، خاصة على بنود مثل الرواتب والدعم والتحويلات الاجتماعية. كما انخفضت الإيرادات العامة في مصر خلال السنوات الماضية، خاصة بسبب الأزمات العالمية وتراجع الصادرات المصرية. وبلغ العجز الكلى للموازنة 848.81 مليار جنيه للعام المالى 2023/2024 ، بنسبة زيادة 36.8% عن العام الذي يسبقه مع توقعات بوصول العجز الكلي إلى 1.2 تريليون جنيه.
ووفقا للدراسة تعاني مصر من تباطؤ نمو الاحتياطي النقدي، حيث شهد الاحتياطي النقدي المصري نموًا متباطئًا خلال عام 2023 بعدما سجل تراجعًا ملحوظًا خلال عام 2022 ليسجل نحو 35.1 مليار دولار، حتى ارتفع فى مايو لأعلي مستوي على الإطلاق وذلك بفضل صفقة رأس الحكمة والشراكة مع الاتحاد الأوروبي ، وعلى الرغم من زيادة الاحتياطي بالصورة الكبيرة واستقرار سعر الصرف إلا أنه لم ينعكس على الشارع المصري.
وفيما يتعلق بحل أزمة انقطاع الكهرباء، أشارت الدراسة إلى أن الحكومة نجحت في تدبير 1.18 مليار دولار لاستيراد شحنات من المازوت والغاز لإنهاء قطع الكهرباء، ومن المقرر وصول هذه الشحنات في الأسبوع الثالث من الشهر المقبل، كما تم وضع خطة لترشيد الاستهلاك لتجاوز الأزمة.
كما دعت الدراسة إلى العمل على تفعيل دور مبادرات خفض الأسعار ومراقبة الأسعار وتأجيل رفع الدعم على الكهرباء بشكل تدريجي على مدار الـ 4 سنوات المقبلة، وفقًا لما صرح به المتحدث باسم مجلس الوزراء مشيرًا إلى أنه سيتم مراعاة البعد الاجتماعي بمراعاة الفئة التي تمثل الفئة لأكثر احتياجًا في المجتمع.
ونوهت الدراسة عن أن سوق العمل المصري يواجه تحديات عديدة تحد من قدرته على توفير فرص عمل كافية للمواطنين، في الوقت الذي تعد فيه مصر من البلدان ذات الفائض في القوى العاملة، وعلي الرغم من انخفاض معدل البطالة في الربع الأول من العام 2024 إلى 6.7%، بانخفاض 0.2% عن الربع السابق كما أن حجـــم قـــــوة العمــــل سجل 31.397 مليون فرد مقابل 31.101 مليون فرد خلال الربع السابق بنسبة زيادة مقدارها 1,0%. وبلغت قوة العمل في الحضر 13.758مليون فرد، بينما بلغت في الريف 17.639مليون فرد إلا أنه مازال هناك عجز في توفير فرص عمل للشباب.
وشددت الدراسة على أنه يقع على عاتق الحكومة الجديدة العمل على استقرار سعر الصرف، حيث خسر الجنيه المصري أكثر من 50% من قيمته مقابل الدولار الأمريكي منذ بداية عام 2022، مما أدى إلى تفاقم أزمة نقص العملة الصعبة. ونتيجة لذلك، ظهرت السوق الموازية للعملة، حيث يتم تداول الدولار بأسعار أعلى بكثير من السعر الرسمي. وأدت هذه الظاهرة إلى فوضى عارمة في الاقتصاد المصري، حيث اعتمد التجار على أسعار السوق الموازية لتجنب الخسائر، مما تسبب في زيادة أسعار السلع.
كما أدى نقص العملة الصعبة إلى حجز البضائع في الموانئ، مما أدى إلى نقص المعروض من السلع وزيادة التضخم. كما تشهد مصر حاليًا العجز الداخلي والخارجي الذي ينعكس على أزمة ديون، ويمتد الصدى إلى أزمات أخرى أهم تجلياتها التضخم، ولا تزال قائمة؛ لأنه لم يتم التحرك بعد في الإصلاح الهيكلي، كما أن الصعوبات الهيكلية ما زالت قائمة لكن الصعوبات المرحلية تشهد شيئا من الانفراج، كما دعت الدراسة الحكومة الجديدة إلى العمل على تقليل الواردات للسلع غير الضرورية.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها مصر حاليًا إلا أن الحكومة السابقة سعت لتخفيف كاهل التضخم عن المواطن حيث كشفت الدراسة عن أن موازنة 2023/2024 شهدت زيادة في مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية لنحو 529.685 مليار جنيه بزيادة عن 425.993 مليار جنيه المخصصة في الموازنة السابقة، إيمانًا من الدولة بأهمية مساندة القطاعات والفئات الأكثر تضررًا من الموجة التضخمية التي يعاني منها الاقتصاد المصري منذ عام 2022، على نحو يُساعِد في الحد من آثارها السلبية.
وفيما يتعلق بالحد الأدنى للأجور، فقد شهد سبع زيادات متتالية منذ فبراير 2019؛ تمثلت آخرها في مارس 2024، حيث وجَّه الرئيس عبد الفتاح السيسي برفع الحد الأدنى لأجور العاملين في الجهاز الإداري للدولة إلى 6000 جنيه، وذلك في إطار حرص الحكومة على مساندة المواطن المصري في ظل الأزمات الاقتصادية.
وشددت الدراسة على ضرورة تشكيل حقيبة اقتصادية تكون تحت إشراف رئيس مجلس الوزراء، وبالتالي تستبعد بعض الوزارات ذات الفائدة المحدودة نظرًا للحالة الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها الحكومة وأن تعمل هذه المجموعة لإصدار قرارات تكون في مصلحة المواطن أولًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة