نتيجة الانتخابات الفرنسية لم يتوقعها أحد على الإطلاق، لا ساسة ولا خبراء محنكين، ولا استطلاعات رأى، ولا حتى جماهير محتشدة، وربما تكون المفاجأة الأكبر التى مرت على تاريخ الانتخابات الفرنسية، فبعد أن انهزم الجميع أمام حقيقة صعود اليمين المتطرف، والخوف من تنفيذ أهدافهم المناهضة للهجرة والمشككة فى جدوى عضوية الاتحاد الأوروبى، جاء اليسار ليعلن أنه أصبح الآن أكبر قوة فى البرلمان الفرنسى.
ووفقا لتوقعات استطلاع رأى للتلفزيون الفرنسى أن يحصل تحالف الأحزاب الجبهة الشعبية الجديدة، وهو تحالف انتخابى يسارى واسع للأحزاب فى فرنسا، لم يتجاوز عمره الشهر، وتم إطلاقه فى 10 يونيو استجابة لدعوة إيمانويل ماكرون لانتخابات تشريعية مبكرة، والذى يضم الحزب الاشتراكى الحاكم السابق، وحزب فرنسا المتمردة اليسارى، والخضر والشيوعيين - على ما بين 172 و192 مقعدا.
فيما جاءت كتلة إيمانويل ماكرون الوسطية "إنسامبل" فى المركز الثانى، ومن المتوقع أن تحصل على ما بين 150 و170 مقعدا، بخسارة تصل إلى 100 مقعد ولكنها ستكون أداء أقوى من المتوقع.
كما من المتوقع أن يأتى حزب التجمع الوطنى اليمينى المتطرف المناهض للهجرة بزعامة مارين لوبان فى المركز الثالث بحصوله على ما بين 132 و152 مقعدًا، إلى جانب حلفائه على اليمين.
وأقر زعماء الأحزاب اليسارية الفرنسية بأنهم قدموا تنازلات من أجل توحيد صفوفهم فى محاولة لمنع حزب التجمع الوطنى اليمينى المتطرف، من الاستيلاء على السلطة فى فرنسا.
ويطلق التحالف على نفسه اسم الجبهة الشعبية الجديدة، وهو اسم ائتلاف مماثل تشكل فى ثلاثينيات القرن العشرين ضد صعود الفاشية فى فرنسا، ويضم أحزاباً بيئية، والاشتراكيين والشيوعيين الفرنسيين، وحزب فرنسا المتمردة اليسارى المتشدد.
وقبل التصويت، وعد زعماء الأحزاب الأربعة الرئيسية فى التحالف بتقديم دعم ثابت لأوكرانيا، كما وعدوا بإلغاء قانون رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عامًا، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتعديل الرواتب والمعاشات التقاعدية وفقًا لمعدل التضخم، وتجميد أسعار المواد الغذائية والطاقة لتعزيز القدرة الشرائية للناس.
وتدخل فرنسا الآن فترة من عدم اليقين غير المسبوق بشأن شكل الحكومة المستقبلية ومن يمكن تعيينه رئيسًا للوزراء، فى الوقت الذى وعد فيه ماكرون بالبقاء فى منصبه كرئيس، لكنه لم يتحدث علنًا بعد النتيجة حتى الآن، وقد يستغرق الأمر أسابيع لتشكيل حكومة فى ظل عدم تمكن أى حزب من الحصول على أغلبية مطلقة.
فيما أعلن رئيس الوزراء جابرييل أتال أنه سيقدم استقالته للرئيس ماكرون صباح الاثنين، مشيرًا إلى أنه قد يظل فى منصبه لفترة قصيرة، إذا لزم الأمر، بينما يتم تشكيل حكومة جديدة.
من جانبه، ندد جوردان بارديلا زعيم حزب التجمع الوطنى اليمينى المتطرف، بنتيجة بالانتخابات، وهو الشاب الذى كان قبل ساعات فى وضع يسمح له بأن يصبح أصغر رئيس وزراء فى فرنسا، ألقى اللوم على ماكرون فى "دفع فرنسا إلى حالة من عدم اليقين وعدم الاستقرار.
كما ندد بالمناورات السياسية التى أدت إلى فشل التجمع الوطنى فى تحقيق التوقعات، رغم أنه نجح فى زيادة عدد مقاعده فى البرلمان إلى مستوى غير مسبوق.
وقالت لوبان، التى تنوى الترشح للرئاسة عن اليمين المتطرف فى عام 2027، أن صعود اليمين المتطرف إلى السلطة سيستمر، وقالت: المد يرتفع. لم يرتفع بما يكفى هذه المرة، لكنه يواصل الارتفاع وقد تم تأجيل انتصارنا ببساطة.
وأظهرت النتيجة المحدودة التى حققها الحزب الوطنى نجاح اتفاق التصويت التكتيكى الذى تم التوصل إليه الأسبوع الماضى بين الوسطيين واليسار لكبح أقصى اليمين.
وكان أكثر من 200 مرشح من اليسار والوسط قد انسحبوا من الجولة الثانية الأسبوع الماضى من أجل تجنب تقسيم الأصوات ضد حزب التجمع الوطنى، ودعت هذه الأحزاب ناخبيها إلى اختيار أى مرشح ضد حزب التجمع الوطنى، فى محاولة لمنع اليمين المتطرف من الفوز بأغلبية مطلقة من 289 صوتًا وتشكيل حكومة.
وقد تم تقديم الحزب، الذى أسسه جان مارى لوبان فى عام 1972 تحت اسم الجبهة الوطنية، من قبل اليساريين والوسطيين باعتباره خطرًا على الديمقراطية ويروج لوجهات نظر عنصرية ومعادية للسامية ومعادية للمسلمين.
فيما يواجه ماكرون، الذى سيتوجه إلى واشنطن لحضور قمة حلف شمال الأطلسى الأسبوع المقبل، حالة من عدم اليقين بشأن كيفية تشكيل الحكومة فى ثانى اقتصاد فى الاتحاد الأوروبى وقوته العسكرية الكبرى.
وجرت الانتخابات وسط توترات بعد أن صدم ماكرون حكومته وحزبه بدعوته إلى انتخابات مبكرة فى التاسع من يونيو بعد هزيمة الوسطيين فى الانتخابات الأوروبية على يد اليمين المتطرف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة