في الوقت الذي تهيمن فيه أصوات المدافع والقنابل، على منطقة الشرق الأوسط، على خلفية الأوضاع في غزة، والتي تشهد عدوانا غاشما منذ أكتوبر الماضي، وما تلا ذلك من اتساع في دائرة الصراع ليمتد من لبنان إلى سوريا مرورا باليمن وحتى إيران، تبدو هناك بارقة أمل مضيئة، تخرج من أرض مصر، لا تقتصر على مجرد الجهود المبذولة لاحتواء الصراعات القائمة، وإنما تمتد إلى مجابهة الفوضى بالتنمية، والحروب بالفن، وهو ما يمثل نهجا جديدا واستثنائيا في إدارة اقليم مشتعل بحجم الشرق الأوسط.
ولعل الحديث عن النهج الذي تتبناه الدولة المصرية، ويتجلى بوضوح في مهرجان العلمين، والذي أصبح نقطة مضيئة في إقليم مضطرب، نجد أنه يحمل رسائل متعددة الأبعاد، منها ما يرتبط بتقديم نموذج مهم للمنطقة حول إمكانية مجابهة التحديات وتجاوز الصراعات، إذا ما كانت هناك رغبة حقيقية لذلك، وذلك إذا ما وضعنا في الاعتبار تاريخ تلك المدينة، التي كانت مزروعة بالالغام منذ الحرب العالمية الثانية، بينما أهملتها الحكومات المتعاقبة لعقود لعدم إدراك أهمية تلك البقعة الجغرافية وما تحمله من إمكانات كبيرة، لتتحول في غضون سنوات معدودة، عندما توفرت الإرادة السياسية إلى أحد معالم الجمهورية الجديدة.
والمهرجان الذي تشهده مدينة العلمين، والذي تسلطت عليه الأضواء في الآونة الأخيرة، ليس أكثر من وجه واحد من وجوه تنموية متعددة، تتراوح بين العديد من القطاعات، منها ما يرتبط بصناعة الترفيه، والسياحة، والاستثمار، وحتى السياسة، والعلاقات الدولية، إلا أن المهرجان هو بمثابة وسيلة الخطاب التي أطلقته الدولة المصرية لتقدم رسالة طمأنة للعالم، مفادها أنها قادرة على الحفاظ على أمنها واستقرارها، وأخرى للإقليم المضطرب، لتؤكد أنه من الممكن استلهام هذا النموذج لتحقيق تنمية إقليمية شاملة، من شأنها تعزيز المصالح المشتركة ودعم القضايا التي تحظى باجماع، بعيدا عن التنافسية.
رسالة العلمين ربما لاقت استجابة واضحة، في ضوء الزيارات المتكررة التي أجراها رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد للمدينة، وهي الزيارة التي حظت باهتمام كبير من قبل العديد من الصحف الخليجية، في ضوء التوقيت، حيث تتزامن مع العديد من الاحداث الاقليمية والدولية المعقدة، وهو ما يعكس نجاحا آخر في تقديم نفسها كمنصة دبلوماسية.
في هذا الإطار، ذكرت صحف خليجية أن الرئيس السيسي اصطحب الشيخ محمد بن زايد في جولة بمدينة العلمين الجديدة مساء أول أمس الثلاثاء وتفقدا، مهرجان العلمين الجديدة، حيث اعتاد الشيخ محمد بن زايد على زيارة مصر في هذا التوقيت من كل عام للاستمتاع بالأجواء الصيفية الممتعة التي تمتاز بها السواحل الشمالية في مصر.
واعتبرت التقارير المنشورة في هذا الشأن أن العلاقات "المصرية - الإماراتية" تشهد توافقا في مختلف الملفات، إلى جانب حرص الزعيمين الدائم على التواصل بشأن مختلف الأوضاع الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
المدينة تمثل كذلك فرصة لتعزيز قطاع السياحة، سواء الترفيهية، لهؤلاء الذين يرغبون في الاستمتاع بالأجواء المتميزة، عشاق المهرجانات الفنية، او سياحة المؤتمرات، عبر تنظيم العديد من الفعاليات الهامة، بين السياسة والاقتصاد على أرضها، وهو ما يمثل تعزيزا للقطاع الحيوى في الاقتصاد المصري، والذي اعتمد لسنوات على المناطق الأثرية، بصورة شبه كلية، مع وجود عدد محدود من المنتجعات، على غرار شرم الشيخ.
وهنا يمكن القول بأن مدينة العلمين الجديدة تعد نموذجا للتنمية الشاملة، في ضوء قدرتها على استيعاب العديد من القطاعات الحيوية، لتكون نموذجا يمكن استلهامه على المستوى الاقليمي بما يساهم في تخفيف حدة الصراع لصالح العمل التنموي، وبالتالي تعزيز المصالح المشتركة بين كافة القوى المؤثرة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة