قال إندرميت جيل، رئيس الخبراء الاقتصاديين بمجموعة البنك الدولي والنائب الأول لرئيس البنك الدولي لشؤون اقتصاديات التنمية: "ستكون البلدان متوسطة الدخل هي مسرح العمليات لكسب أو خسارة معركة تحقيق الرخاء الاقتصادي العالمي، غير أن الكثير من هذه البلدان تعتمد على إستراتيجيات متقادمة كي تلحق بركب الاقتصادات المتقدمة، فهي لا تعتمد إلا على الاستثمار لفترة طويلة للغاية - أو تتجه نحو الابتكار دون الاستعداد الكافي لذلك، لذا، من الضروري اتباع نهج جديد يتمثل في التركيز أولاً على الاستثمار؛ ثم بعد ذلك الاستفادة من التكنولوجيات الجديدة الواردة من الخارج؛ وأخيراً، اعتماد استراتيجية ثلاثية المحاور توازن بين الاستثمار و التكنولوجيا والابتكار. ومع تنامي الضغوط الديموغرافية والإيكولوجية والجيوسياسية، غير مسموح بالخطأ."
ويقترح التقرير المنشور على موقع البنك الدولى هذه الاستراتيجية ثلاثية المحاور حتى يتسنى للبلدان الوصول إلى وضعية البلدان مرتفعة الدخل، وحسب مرحلة التنمية التي تمر بها، على جميع البلدان اعتماد مجموعة من السياسات الأكثر تطوراً ومراعاةً للأولويات. ويمكن للبلدان منخفضة الدخل أن تركز فقط على السياسات المصممة لزيادة الاستثمار – المرحلة الأولى (الاستثمار). ولكن بمجرد وصولها إلى وضعية الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، عليها التحول نحو توسيع نطاق سياساتها ليشمل المرحلة الثانية (الاستثمار والتكنولوجيا)، وهي المرحلة التي يتم فيها اعتماد التطورات التكنولوجية الواردة من الخارج وتعميمها في مختلف قطاعات الاقتصاد. وعلى مستوى الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل، ينبغي أن تتحول البلدان مرة أخرى إلى المرحلة النهائية وهي: الاستثمار والتكنولوجيا والابتكار. وفي مرحلة الابتكار، لن تكون هذه البلدان مستوردة للأفكار والتكنولوجيات العالمية، بل ستتصدر المشهد.
ومن جانبه، قال سوميك لال، المدير المسؤول عن تقرير عن التنمية في العالم 2024: "لن يكون الطريق أمامنا سهلًا، لكن البلدان بإمكانها إحراز تقدم حتى في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها اليوم... وسيعتمد النجاح على مدى ما تحققه المجتمعات من تقدم في تحقيق التوازن بين قوى الإبداع والحفظ والإحلال، فالبلدان التي تحاول تجنيب مواطنيها المعاناة المرتبطة بالإصلاحات والانفتاح ستخسر المكاسب التي تأتي مع تحقيق النمو المستدام."
ويشير التقرير إلى إن كوريا الجنوبية تعد مثالاُ بارزاً على هذه الإستراتيجية ثلاثية المحاور؛ ففي عام 1960، كان نصيب الفرد فيها من الدخل يبلغ 1,200 دولار فقط. وبنهاية عام 2023، ارتفع هذا الرقم ليصل إلى 33 ألف دولار، وقد بدأت بمجموعة بسيطة من السياسات لزيادة الاستثمارات العامة وتشجيع الاستثمارات الخاصة. وفي سبعينيات القرن العشرين تحول ذلك إلى سياسة صناعية شجعت الشركات المحلية على اعتماد التكنولوجيا الأجنبية وأساليب الإنتاج الأكثر تطوراً.
واتبعت بلدان أخرى المسارات نفسها، وخاصةً بولندا وشيلي، أما بولندا فركزت على زيادة الإنتاجية باستخدام التكنولوجيات القادمة من أوروبا الغربية، في حين شجعت شيلي الحصول على التكنولوجيا من الخارج - واستخدمتها لدفع الابتكار المحلي، وتمثل أكبر إنجازاتها في تعديل تكنولوجيات استزراع السلمون النرويجي للتكيف مع الظروف المحلية، مما جعل تشيلي من أكبر مصدري سمك السلمون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة