د. محمد كمال يكتب: الحماقة ومسيرة المنطقة

الأحد، 11 أغسطس 2024 02:34 م
د. محمد كمال يكتب: الحماقة ومسيرة المنطقة د. محمد كمال

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بالرغم من أن السياسة الدولية يجب أن تقوم على منطق الرشادة والعقل، فإن ما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط فى الشهور الأخيرة يدل على عكس ذلك.

أحداث المنطقة، خاصة ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية، يذكرنى بكتاب للمؤرخة الأمريكية باربرا توكمان، الصادر عام 1984، بعنوان «مسيرة الحماقة».

فكرة الكتاب هى أن الحكومات ترتكب أخطاء فادحة نتيجة للعديد من الأسباب، ومنها الحماقة، أى تبنى سياسات تتعارض مع العقل والمنطق، بل مع مصلحة الدولة ذاتها.

الكتاب يرصد الأمثلة على ذلك بداية من حرب طروادة، حيث قام حكام طروادة بسحب ذلك الحصان الخشبى داخل جدرانهم، على الرغم من كل سبب للاشتباه فى أنه خدعة يونانية، وقيام تشارلز الثانى عشر ونابليون وهتلر على التوالى بغزو روسيا على الرغم من الكوارث التى تعرض لها كل من سلفه، وتورط الولايات المتحدة فى حرب فيتنام عبر عدة عقود، رغم الدلائل الواضحة بأنها ستغرق فى هذا المستنقع.

مسيرة الحماقة ترتبط بثلاثة معايير، الأول أنها تكون ذات نتائج عكسية تتضح فى وقتها، أى تظهر أضرارها فى الحاضر وليس فقط فى المستقبل. المعيار الثانى هو وجود مسار بديل عملى ممكن لهذه السياسة الحمقاء، ولكن الحكومة لا تسير فيه.

أما المعيار الثالث فهو أن السياسة المعنية تكون سياسة مجموعة، وليس شخصا واحدا، ويتوافق عليها جانب كبير من النخب الحاكمة.

دلائل الحماقة كثيرة فى المنطقة، ولكن سأشير لعدد من الأمثلة المحدودة.

خذ مثلا سياسة الاغتيالات واستهداف قيادات حماس، فكل المحاولات السابقة بدءا من استهداف مؤسس الجماعة الشيخ ياسين عام 2004، وحتى اغتيال إسماعيل هنية عام 2024 لم تحقق أى أهداف، فهى لم تقض على الجماعة، ولم تغير من سياساتها، بدليل ظهور قيادات جديدة، وكسر الجماعة لحاجز الردع الإسرائيلى بهجوم 7 أكتوبر.

كل الدراسات بشأن سياسات الاغتيال توضح أنها قد تكون لها نتائج مع جماعات صغيرة الحجم، يتم اجتثاث قيادتها فتنهار، ولكنها لا تصلح مع جماعة بحجم شبكة حماس، ولكن إسرائيل تستمر فى هذه الحماقة.

نفس الأمر ينطبق على اغتيال علماء بالبرنامج النووى الإيرانى، وضرب أهداف داخل إيران، فلا ذلك أوقف البرنامج النووى الإيرانى، بل ازدادت سرعته، ولا ردع إيران فى مواجهة إسرائيل، بل قامت إيران بتغيير قواعد الاشتباك مع إسرائيل، وأطلقت صواريخ ومسيرات تجاهها، والعالم الآن يتحسب لهجوم إيرانى ثان.

المظهر الآخر للحماقة هو الاعتقاد بأن تصعيد وتوسيع الصراع فى المنطقة سوف يبعد الاهتمام عن جرائم حرب غزة، وقد يتيح فرصة لضرب البرنامج النووى الإيرانى، وربما أيضا توريط الولايات المتحدة فى حرب ضد إيران، وتبنى نموذج لتغيير النظام بها كما حدث مع العراق.

هذه الحماقة الكبيرة تتطلب من أصحاب الحكمة والرشادة الانتباه إلى أن تأثيرها المدمر لن يقتصر على أطرافها، بل سيمتد لكل المنطقة.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة