سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 13 أغسطس ..القاهرة تستعد للانتقال من البداوة والتأخر باستخدام الحمير وسيلة للمواصلات إلى الحضارة والمدنية بانطلاق الترام الكهربائى

الثلاثاء، 13 أغسطس 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 13 أغسطس ..القاهرة تستعد للانتقال من البداوة والتأخر باستخدام الحمير وسيلة للمواصلات إلى الحضارة والمدنية بانطلاق الترام الكهربائى الترام الكهربائى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

واصلت القاهرة أفراحها فى يوم 13 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1896، وكان اليوم الثانى لبدء تسيير أول مركبة ترام كهربائى فى تاريخ مصر، وكان الحدث ثورة حضارية جعلت حال مصر قبله غير حالها بعده، حسبما يرى الكاتب محمد سيد الكيلانى فى كتابه «ترام القاهرة» الذى يقدم فيه بانوراما شاملة عن العاصمة قبل وبعد تسيير الترام، مؤكدا أن 12 أغسطس 1896 الذى سارت فيه قطارات تشق شوارع العاصمة كان حدا فاصلا فى تاريخ المجتمع القاهرى، إذ انتقل فيه من طور البداوة والتأخر الذى يتمثل فى استخدام الحمير والخيل وسيلة للانتقال إلى طور الحضارة والمدنية الذى يتمثل فى استخدام القوة الكهربائية.


يشرح «الكيلانى» الأحوال التى كانت عليها القاهرة قبل دخول الترام، مؤكدا أنها كانت مدينة غارقة فى الإهمال وسيئة فى الخدمات، ويذكر أن مسطحها كان 3880 فدانا، وطول شوارعها 353 كيلو و340 مترا، وسكانها 374 ألفا و838 نفسا منهم 31 ألفا و650 أجنبيا، وكان قسم المدينة الأكثر سكانا يشغل 1445 نفسا للفدان الواحد من المساحة المتقدم ذكرها وفى أقله 298 نفسا فقط، وكان فيها 55 ألفا و597 بيتا و379 جامعا، ولم تكن شركة المياه تمد من المنازل والجوامع سوى 4 آلاف و397 بيتا وعشرة جوامع، وبقية البيوت والمساجد تستمد مياهها من الآبار وصهاريج تملأ فى أثناء الفيضان من السقائين بمياه منقولة من النيل مباشرة.

يذكر الكيلانى، أن الحكومة شكلت لجنة من ثلاثة مهندسين، فرنسى وإنجليزى وألمانى، لوضع مشروع مجارى القاهرة، فذكرت اللجنة فى تقريرها حقائق فاجعة، مؤكدة أن القذارة تضرب شوارع وبيوت القاهرة، وأن الأربعة مرتفقات العمومية بجنينة الأزبكية يدخلها فى اليوم الواحد تسعة آلاف نفس لقضاء حاجاتهم، وإن ما يتخلل أرض المدينة من المواد البرازية من هذه المرتفعات يبلغ مائة وواحد وأربعين ألفا من الأمتار المكعبة فى السنة الواحدة، فتشحن الأرض قذارة وتفسد، وتفسد مياه الآبار التى يستقى منها العديد من الأهالى.

ويؤكد التقرير، أن القاهرة خالية من التدابير الصحية، مما رفع عدد الوفيات وبلغ متوسطها «10 و46 فى الألف» من السكان فى السنة، وفاقت هذه النسبة وفيات ثلاث وثلاثين مدينة كبرى فى أوروبا وأمريكا والهند، وأن متوسط وفيات القاهرة تكاد تكون أكثر من وفيات مدينة أخرى، مع أن الطبيعة خصتها بإقليم يقرب أن يكون عديم المثل والنظير فى الجودة.

يستمر تقرير لجنة الخبراء الثلاثة فى كشف حقيقة بؤس القاهرة، قائلا: «كانت القاهرة تعج بالعشش الحقيرة التى تساعد على نشر الأمراض والأوبئة، هذا غير الأرض الخراب المنتشرة فى جميع الأنحاء، وكان يخترق المدينة الخليج المصرى والترعة الإسماعيلية والترعة البولاقية، وحينما انتشر وباء الكوليرا سنة 1896 كان وجود هذه الترع فى مدينة كثيرة الأقذار سببا فى انتشار الوباء.

ورغم هذه الحقائق المفزعة، فإنه ووفقا لجريدة «المقطم، 23 ديسمبر 1894»، رفض مجلس شورى القوانين الاعتماد الذى طلبته الحكومة فى ميزانية سنة 1894 كدفعة أولى لتنفيذ مشروع مجارى القاهرة وقدره أربعون ألف جنيه، ورأى وجوب استخدام هذا المبلغ فى تخفيف الضرائب عن الفلاحين، وبذلك ظلت العاصمة محرومة من المصارف الصحية، وفى أكتوبر سنة 1906 استقدمت الحكومة مستر «كركيت جيمس» المهندس الذى تولى إنشاء مجارى بومباى وغيرها من مدن الهند، فدرس المشروع من جديد وعين مراقبا لمصلحة المجارى، وبدأ تنفيذه سنة 1909، وانتهى منه فى شهر يناير 1914 بتكلفة نحو مليون جنيه، حسبما تذكر «المقطم» يوم 24 يناير 1914.

كانت شوارع القاهرة قبل «الترام» فى حالة يرثى لها وعديمة النظافة، ويذكر الكيلانى من تقرير للورد كرومر المعتمد البريطانى فى مصر، كتبه عام 1900 أى بعد بداية الاحتلال البريطانى بثمانى سنوات «1882»، قال فيه: «تبلغ مساحة الشوارع فى القاهرة 2 مليون و780 ألفا و742 مترا مربعا، المرصوف منها بالحصى مليون و361 ألفا و42 مترا مربعا، وما بقى من شوارع غير مستوية وجدت منذ مئات السنين، ويطرح من البيوت يوميا ما يزن 900 طن من الفضلات ترفع منها مصلحة الكنس والرش 356 طنا كل يوم، وخدمة الحمامات 226 طنا وما بقى يترك فى الشوارع، وما كان يترك فى الشوارع يوميا هو 318 طنا وربما كان أكثر.

يؤكد الكيلانى، أن القاهرة على هذه الحالة البائسة لم يكن من السهل أن ينتقل الإنسان فيها من مكان لآخر، فالشوارع مملوءة بالحفر وأكوام الفضلات والأحجار، وكان الحمار هو وسيلة الانتقال، وكان للحمير مواقف معينة، منها موقف لخدمة السياح عند فندق شبرد القديم بشارع الجمهورية، أما عربات الركوب التى تجرها الخيل فكانت للأغنياء، وقليل منها للتأجير لمتوسطى الحال والعربات العامة المعروفة بالأمنيبوس كانت تسير ببطء شديد ولمسافة قصيرة.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة