يؤدى أئمة المساجد خطبة الجمعة اليوم بعنوان "كَيْفَ تَكُونُ مَحْبُوبًا عِنْدَ اللهِ .. وَإِذَا أَحَبَّكَ اللهُ سَخَّرَ لَكَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ."، وهو الموضوع الذى حددته وزارة الأوقاف فى وقت سابق، مشددة على الأئمة ضرورة الالتزام بموضوع الخطبة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير وألا يزيد زمن الخطبة عن 15 دقيقة، لتكون ما بين عشر دقائق وخمس عشرة دقيقة للخطبتين الأولى والثانية معا كحد أقصى، مع التأكيد على أن البلاغة الإيجاز، ولأن ينهى الخطيب خطبته والناس فى شوق إلى المزيد خير من أن يطيل فيملوا، وفى الدروس والندوات والملتقيات الفكرية متسع كبير.
حددت وزارة الأوقاف المصرية موضوع خطبة الجمعة القادمة 16 أغسطس 2024م بعنوان : كَيْفَ تَكُونُ مَحْبُوبًا عِنْدَ اللهِ .. وَإِذَا أَحَبَّكَ اللهُ سَخَّرَ لَكَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ.
وأضافت وزارة الأوقاف أن عناصر الخطبة تجيب على سؤال: هل الصلاة والذكر والعبادة - مع عِظَمِهَا- تجعل صاحبها أحب العباد إلى الله تعالى؟، كما تتضمن أيضًا الحديث عن خمسة أمور هي أحب الأعمال إلى الله تعالى، وكلها في نفع الناس وهي: (إدخال السرور - كشف الكربات - قضاء الدين عن المدينين - إطعام الجائعين - المشي في حاجة الناس).
وفيما يلي نص خطبة الجمعة :
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، هَدَى العُقُولَ بِبَدَائِعِ حِكَمِه، وَوَسِعَ الخَلَائِقَ بِجَلَائِلِ نِعَمِه، أَقَامَ الكَوْنَ بِعَظَمَةِ تَجَلِّيه، وَأَنْزَلَ الهُدَى عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَمُرْسَلِيه، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
فَمِنْ مِنَّا لَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ مَحْبُوبًا عِنْدَ اللهِ؟! وَإِذَا أَحَبَّ اللهُ عَبْدًا فَرَّجَ عَنْهُ، وَيَسَّرَ عَلَيْهِ، وَطيَّبَ عَيْشَهُ، وَأَسْعَدَ قَلْبَهُ، هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مَحْبُوبًا عِنْدَ اللهِ؟!
لَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَسْأَلُهُ هَذَا السُّؤَالَ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَال أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَمَا الَّذِي يَدُورُ فِي بَالِكُمْ مِنْ إِجَابَةٍ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ؟ هَلْ قَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَكْثَرُهُمْ صَلَاةً؟ وَمَا أَعْظَمَ ذَلِكَ! هَلَ قَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا للهِ؟ وَمَا أَعْظَمَ ذَلِكَ! هَلْ قَالَ (صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ): أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَكْثَرُهُمْ عِبَادَةً؟ وَمَا أَعْظَمَ ذَلِكَ!
إِنَّ الأُمُورَ المَذْكُورَةَ مِنَ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالعِبَادَةِ مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَمَعَ ذَلِكَ جَاءَتْ إِجَابَةُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَجِيبَةً تَلْفِتُ النَّظَرَ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ يَجْعَلُ صَاحِبَهُ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللهِ، يَا تُرَى مَا ذَلِكَ الأَمْرُ الَّذِي يَجْعَلُ العَبْدَ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللهِ؟!
اسْمَع الإِجَابَةَ المُحَمَّدِيَّةَ العَجِيبَةَ، قَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ»، فَيَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ كُنْ نَافِعًا لِلنَّاسِ تَكُنْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللهِ! وَإِذَا أَحَبَّكَ اللهُ سَخَّرَ لَكَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ، وَفَتَحَ لَكَ خَزَائِنَ الرِّزْقِ.
ثُمَّ يَأْتِي السُّؤَالُ الثَّانِي: وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ فَذَكَرَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) خَمْسَةً مِنَ الأَعْمَالِ هِيَ أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى، وَكَأَنَّهَا تَشْرَحُ مَعْنَى نَفْعِ النَّاسِ المَذْكُورِ قَبْلَ قَلِيلٍ، حَيْثُ قَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَينًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وِلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا المَسْجِدِ- يَعْنِي: مَسْجِدَ المَدِينَةِ».
الأَمْرُ الأَوَّلُ: «سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ»: أَدْخِل السُّرُورَ عَلَى النَّاسِ، أَسْعِدْ قُلُوبَهُمْ، ارْسُم البَسْمَةَ عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَلَا تَنْسَ أَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِدْخَال السُّرُور عَلَيْهِمْ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْكَ، زَوْجَتُكَ، أَوْلَادُكَ، أَقَارِبُكَ، جِيرَانُكَ؛ فَخَيْرُ النَّاسِ خَيْرُهُمْ لِأَهْلِهِ.
الأَمْرُ الثَّانِي: «أَوْ تَكْشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً»: أَخي الكَريم، إِذَا أَرَدتَّ أَنْ يُفَرِّجَ اللهُ عَنْكَ كُرَبَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَضَوائِقَهُمَا فَفَرِّجْ كُرَبَ النَّاسِ، كُنْ مُغِيثًا لِلْمُسْتَنْجِدِ، هَادِيًا لِلْمُسْتَرْشِدِ، كَفْكِفْ بِرِفْقٍ دَمْعَةَ الحَزِينِ، خَفِّفْ بِحُبٍّ هَمَّ المَكْرُوبِ، وَهِنيئًا لَكَ بِفَضْلِ رَبِّكَ الَّذِي لَا حُدُودَ لَهُ، وَالَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ نَبِيُّنَا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ»، فَهَلْ خَطَرَ بِبَالِكَ أَنَّكَ إِذَا فَرَّجْتَ كُرْبَةَ إِنْسَانٍ وأَمَّنْتَهُ مِنْ خَوْفِهِ؛ فَرَّجَ اللهُ عَنْكَ كُرْبَة مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الِحَسابِ وَأَمَّنَكَ يَوْمَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ!
الأَمْرُ الثَّالِثُ: «أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَينًا»: أَنْظِر المُعْسِرَ، أَمْهِلْهُ، أَوْ ضَعْ عَنْهُ دَيْنَهُ، أَو اقْض عَنْهُ دَيْنًا كَدَّرَ خَاطِرَهُ وَأَرَّقَ نَوْمَهُ وَأَقَضَّ مَضْجَعَهُ، ثُمَّ تَصَوَّرْ عِظَمَ أَجْرِ ذَلِكَ! يَقُولُ نَبِيُّنَا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «مَنْ أَنْظَر مُعْسِرًا أوْ وَضَعَ لَهُ، أظلَّهُ اللَّه يَوْمَ القِيامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ» مَا أَعْظَمَ كَرَمَ الكَرِيمِ سُبْحَانَهُ! إِذَا أَعْطَى أَدْهَشَ بِعَطَائِهِ! إِنَّهُ سُبْحَانَهُ يَجْعَلُ فِي ظِلِّ عَرْشهِ يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ وَضَعَ عَنْ مُعْسِرٍ دَيْنًا أَوْ أجَّلَ لَهُ مَوْعِدَ قَضَائِهِ!
***
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ:
فَالأَمْرُ الرَّابِعُ مِنَ الأَعْمَالِ الأَحَبِّ إِلَى اللهِ تَعَالَى: إِطْعَامُ الجَائِعِينَ، حَيْثُ قَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا»، فَتَفَقَّدْ أَيُّهَا الكَرِيمُ جِيرَانَكَ وَأَقْرِبَاءَكَ وَلَا تَجْعَلْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَبِيتُ جَائِعًا مُحْتَاجًا إِن اسْتَطَعْتَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا، وَهَنِيئًا لَكَ بِسَبِيلِ أَهْلِ الجَنَّةِ المُنَعَّمِينَ، الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي كِتَابِ رَبِّ العَالَمِينَ، يَقُولُ سُبْحَانَه: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا}، وَيَقُولُ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ؛ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلَامٍ».
وَالأَمْرُ الخَامِسُ مِنَ الأَعْمَالِ الأَحَبِّ إِلَى اللهِ: أَنْ تَمْشِيَ فِي حَاجَةِ النَّاسِ، حَيْثُ قَالَ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «وِلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا المَسْجِدِ- يَعْنِي: مَسْجِدَ المَدِينَةِ»: تَأَمَّلْ كَيْفَ أَنَّ ثَوَابَ قَضَاءِ حَوَائِجِ النَّاسِ خَيْرٌ وَأَفْضَلُ مِن اعْتِكَافٍ وَصَلَاةٍ وَقِيَام فِي مَسْجِدِ خَيْرِ الأَنَام (صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ)، وَللهِ دَرُّ القَائِلِ:
اقْضِ الحَوَائِجَ ما اسْتَطَعْ* تَ وَكُنْ لِهَمِّ أَخِيكَ فارِجْ
فَـلَـخيـرُ أَيـَّـامِ الـفَـتَى* يَـوْمٌ قَـضَى فِـيــهِ الحَوَائِجْ
وَاعْلَمْ أَيُّهَا المُسْتَمِعُ الكَرِيمُ أَنَّكَ إِذَا تَقَرَّبْتَ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِأَحَبِّ الأَعْمَالِ إِلَيْهِ؛ جَعَلَ لَكَ فَرَجًا وَنُورًا تَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ، وَجَعَلَكَ مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْتَ، أَشْرَحَ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَطْيَبَهُمْ نَفْسًا، وَأَنْعَمَهُم قَلبًا.
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ
وَأَكْرِمْنَا يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ