نواصل تقديم سلسلة مقدمات الكتاب ونتوقف اليوم مع كتاب "يقظة الذات: براجماتية بلا قيود" لـ روبرتو مانجابيرا أونجر
مقدمة: فلسفة العصر
إن وَعْدَها بالحرية من منظور مسلَّمةٍ متعدِّدة الأوجُه، وتنازُلَها عن الادِّعاء برؤية العالَم من منظور النجوم، واعتناقَها للحالة المُحرِجة للكائن البشري، وهو يُكافِح ضد البِنى المؤسَّساتية والمفاهيمية التي تقيِّده، وعرضَها لمساعدته على تفكيك وإعادة اختراع هذه البِنى بحيث يُمكِنه أن يصبح أعظم وأكثر حيوية، بالإضافة إلى جعله أقل تعرُّضًا للتضليل؛ لا شيء من هذا كان بوسعه أن يكون كافيًا لجعل البراجماتية ما هي عليه اليوم؛ فلسفة العصر.
أصبحَت البراجماتيةُ فلسفةَ العصر عن طريق الانكماش؛ فقد حوَّلَتها أيدي العديد من أنصارها إلى صورةٍ أخرى من الشيخوخة المتنكِّرة في زيِّ الحكمة. هم يعتقدون أنهم نَضِجوا، لكنَّهم في الحقيقة سقَطوا. وكما فقدنا ثقتَنا بالمشاريع الكبرى، سواء تلك المتعلقة بالنظريات أو بالسياسة، تَم تلقينُنا كيف نعيشُ من دونها بدلًا من كيفية استعادتها وإعادة صياغتها في صورة أشكالٍ أخرى، واعدةٍ أكثر. هذا المذهب المتمثل في الانكماش، وفي التراجُع إلى خطوطٍ يُمكِن الدفاع عنها بسهولةٍ أكبر، من الوقوف والانتظار، ومن الغناء في أغلالنا، هو الفلسفة السائدة لعصرنا الحالي، كما عُبِّر عنه في كتابات الأساتذة وكذلك في مُناخ المناقشة العامة المثقَّفة. والعديدُ من صياغاتها الأكثر تأثيرًا تستخدم علامة label «البراجماتية».
لا يتعلق هذا الكتاب بكيفية قراءة مؤلَّفات جيمس، أو ديوي، هيدغر، أو فيتغنشتاين.٤ لكنه، على أي حال، يبدأ من الافتراض أن بعضَ الاتجاهات في تطوُّر الأفكار الأكثر عمومية المتوافرة لدينا — وهي الاتجاهات التي تُوصَف في كثيرٍ من الأحيان بالبراجماتية — قد جرى إضعافُها، فلسفيًّا وكذلك سياسيًّا، وبهذه الطريقة جُعلَت مستساغةً أكثر ولكن أقل فائدة. ليس من المتأخر أبدًا تغيير المسار. وسأعرض هنا حُجةً لتبرير سبب القيام بذلك، وكذلك اقتراحًا لكيفية عمل ذلك. ليست القضية هنا إنقاذَ البراجماتية، بل تمثيل إنسانيتنا وإعلاء شأنها. وفي هذا السياق، سيكون التخيُّل والأمل دليلَينا التوءمَين.