حالة من الهلع يعيشها العالم، بعد فرض منظمة الصحة العالمية، حالة الطوارئ الصحية العامة على الصعيد العالمي للمرة الثانية خلال عامين، وذلك عقب امتداد تفشي الوباء الفيروسي جدري القرود من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى دول مجاورة، ويثير تفشي جدري القرود الحالي القلق أكثر هذه المرة من التفشي السابق لأنه ينطوي على متحور جديد من المرض، يقول الخبراء إنه أكثر التحورات التي رأوها على الإطلاق.
والجدري واحد من أقدم الأوبئة على مدار التاريخ، هو مرض معدي ذو أصل فيروسي وشديد العدوى، وتشمل الأعراض الأولية للمرض الحمى والقيء، ويتبعها تكوين تقرحات على مستوى الفم وطفح جلدي، على مدى عدد من الأيام يتحول الطفح الجلدي إلى بثور مملوءة بالسوائل، ثم تنتشر البثور على مستوى الجسم، وتكون قشرة على البثور ما تلبث أن تسقط مخلفةً ندبة في مكانها، ينتشر المرض بسبب العدوى بين الناس أو عن طريق الأشياء الملوثة.
وينتمي فيروس جدري القردة إلى جنس الفيروسة الجدرية التابعة لفصيلة فيروسات الجدري، عرف مرض الجدري منذ العصور القديمة، واستطاع المرض اللعين أن يحصد أرواح الكثير من البشر وأن يقضى على امبراطوريات وحضارات كبرى، وطيلة آلاف من السنوات ظل مستعصيا الوصول إلى لقاح للقضاء عليه، حتى جاء عام 1977، حين تم الإبلاغ عن آخر حالة مصابة المرض، وبعدها بثلاث سنوات، وبالتحديد عام 1980، تعلن عن منظمة الصحة العالمية القضاء نهائيا على المرض، ليكون أو وباء ينتصر عليه الوباء.
الجدري من أقدم الفيروسات التي انتشرت في العالم، وأصولها ترجع لآلاف السنين، إذ تشير بعض البرديات المصرية القديمة إلى إصابة بعض الأشخاص بالطفح الجلدي المُميت، ما جعل بعض العلماء يرجحون إصابة تلك الحالات المذكورة بالجُدري، الأمر الذي يشير إلى انتشار عدوى هذا المرض عند المصريين القدماء.
لم يتوقف الأمر فحسب عند الحضارة الفرعونية، بل امتد ليشمل أيضاً الصين في القرن الرابع الميلادي، والهند في القرن السابع الميلادي، حتى آسيا الصغرى في القرن العاشر الميلادي ما يؤكد على أن الجدري هو من أكثر الأمراض المعدية، والأوبئة التي كان يعاني منها العالم القديم والحديث.
ويعتقد كثير من المؤرخين أن الجدري كان السبب فيما يعرف بالوباء الأنطوني الذي تفشى بين عامي 165 ميلادية إلى 180، وقتل ما يقدر بين 3.5 إلى 7 ملايين شخص، بما في فيهم الإمبراطور ماركوس أوريليوس، وسرع من تراجع الإمبراطورية الرومانية.