سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 17 أغسطس 1798.. نابليون بونابرت يسعى إلى التقرب للمصريين بالمشاركة فى الاحتفال بعيد وفاء النيل.. أقاموا الزينة وعبر قاربي يحمل اسم الوالي.. لكن الأهالي يعزفون عن التنزه بالمراكب

السبت، 17 أغسطس 2024 10:07 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 17 أغسطس 1798.. نابليون بونابرت يسعى إلى التقرب للمصريين بالمشاركة فى الاحتفال بعيد وفاء النيل.. أقاموا الزينة وعبر قاربي يحمل اسم الوالي.. لكن الأهالي يعزفون عن التنزه بالمراكب نابليون بونابرت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سعى نابليون بونابرت إلى كسب قلوب المصريين بكل الوسائل، بعد قدومه علي رأس الحملة الفرنسية لاحتلال مصر في عام 1798، ومن الوسائل التي ابتكرها لتحقيق هدفه إقامته الحفلات والأفراح، حسبما يذكر عبد الرحمن الرافعي في الجزء الأول من موسوعته " تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر".
 
يري "الرافعي" أن نابليون لجأ إلي وسيلة إقامة الحفلات والأفراح لأنه أدرك ميل المصريين الفطري إلي الابتهاج والانشراح بما كان يشاهده من تجمع الأهالي في شوارع القاهرة لسماع المغنيين والنافرين علي الدفوف، فأراد أن يصل إلي قلوبهم عن طريق التفريح، وانتهز أولا فرصة وفاء النيل ليشارك المصريين في احتفالهم بهذا اليوم السعيد.
 
يذكر "الرافعي" أن نابليون أمر أن يجري الاحتفال المعتاد وأن يشترك الجيش في المهرجان، وحضر الاحتفال مصحوبا بقواده وأركان حربه وبجانبه كتخدا باشا (نائب الوالي) والقاضي التركي (قاضي مصر)، وأعضاء الديوان والأغا (المحافظ) وأعيان المدينة، وازدانت السفن بالأعلام والرايات، وأطلقت المدافع والصواريخ النارية من البر والبحر، لكن الأهالي لم يشتركوا في هذا الاحتفال ولم يخرجوا للتنزه ليلا في المراكب كعادتهم كل عام.
 
ينقل "الرافعي" ما قاله الجبرتي حول ذلك: "في يوم الجمعة خامس ربيع الأول سنة 1213 الموافق لثالث عشر مسري القبطي (17 أغسطس، مثل هذا اليوم، سنة 1798) كان وفاء  النيل المبارك، فأمر صاري عسكر بالاستعداد وتزيين العقبة كالعادة، وكذلك زينوا عدة مراكب وغلايين (سفن حربية) ونادوا علي الناس بالخروج إلي النزهة في النيل والمقياس والروضة علي عادتهم، وأرسل صاري عسكر أوراقا (تذاكر دعوة) لكتخدا الباشا والقاضي وأرباب ( أعضاء) الديوان وأصحاب المشورة والمتولين للمناصب وغيرهم بالحضور في صبحها ( السبت 6 ربيع الأول – 18 أغسطس)، وركب صحبتهم بموكبه وزينتهم وعساكره وطبوله وزموره إلى قصر قنطرة السد، وكسروا الجسر بحضرتهم، وعملوا شنك مدافع ونقوطا حتي جري الماء في الخليج، وركب وصحبته حتي رجع إلي داره، وأما أهل البلد فلم يخرج منهم أحد تلك الليلة للتنزه في المراكب على العادة سوى قليل من الناس البطالين حضروا في صبحها".
 
يذكر المؤرخ الأمريكي "خوان كول" في كتابه "مصر تحت حكم بونابرت وغزو الشرق الأوسط"، ترجمة، مصطفي رياض، أن افتقاد "بونابرت" للشرعية كان يعد أحد العقبات الرئيسية التي اعترضت محاولته لحكم مصر، فهو جنرال أجنبي من أصول أوربية كاثوليكية، وخشي كثير من المصريين أن يجبرهم علي التحول عن الإسلام، ويستشهد "كول" بما ذكره عالم الأحياء "سان إيلاير" الذي كان ضمن علماء الحملة، حيث كتب في أغسطس عام 1798 في مذكراته أن حجم المخاوف التي اعترت النساء فاق ما شعر به الرجال، فلم ينقطع نحيبهن وتعالت أصواتهن خوفا من أن يجبرن علي التخلي عن دينهن، ومن أجل تعزيز موقف بونابرت بوصفه حاكما مواليا للإسلام في بلد مسلم، تقدم علي رأس المحتفلين بوفاء النيل والمولد النبوي في أغسطس.
 
يضيف "كول" أنه في صباح يوم الاحتفال بوفاء النيل أمر بونابرت بتزيين سفينة نهرية تدعي " العقبة" كما قام قلة من البكوات وهم الموالون للفرنسيين بتزيين عدة غلايين أخري، ودعا أهل القاهرة أن يخرجوا إلي المتنزهات علي ضفتي النهر وفي جزيرة الروضة كما اعتادوا، وحرص الفرنسيون على حشد أكبر عدد من الناس في المنتزهات وعلى صفحة النيل، ولعبت الفرق الفرنسية والمصرية مقطوعات موسيقية، وسار نابليون وكبار الجنرالات الفرنسيين، وعلماء المسلمين ونائب الوالي العثماني في موكب يمتطون صهوات الجياد المطهمة إلى جسر السد، وجلسوا في خيمة عظيمة. 
 
يذكر "كول"، انه حين أعطي "بونابرت" إشارة إزالة السد تدفقت المياه من فتحته في تيار قوي إلى القناة، وعبر قارب يحمل اسم الوالي القناة يتهادي، وفي تلك الأثناء انتشرت الفوضى وألقي الرجال والنساء والأطفال بأنفسهم في النيل، كما ألقوا خصلات من ذؤبات الخيل وخرقا من قماش وغير ذلك من القرابين لينعم الله علي نسائهن بالخصوبة أو ليحفظ عليهن جمالهن.
 
 وينقل "كول" عن الكابتن "ساي" (أحد رجال الحملة) أن طائفة من الراقصات انطلقن علي طول القناة يحيين من تجمع لمشاهدتهن برقصاتهن الخليعة، كما ينقل عن صحيفة "كورييه دي ليجيبت" التي تصدر بالفرنسية في القاهرة، أن "بونابرت" ألقي كميات كبيرة من العملات الصغيرة بين الناس، كما ألقي قطعا من الذهب علي سطح القوارب المارة، كما منح شيخ الأزهر كسوة سوداء، وشيخ الأشراف كسوة بيضاء، كما وزع القفاطين علي كبار الضباط الفرنسيين تكريما لهم.
 
وجاء العمال بتمثال صغير لامرأة صنع من الطين يدعي "المخطوبة"، وذلك امتداد لعادة فرعونية قديمة تقضي بإلقاء عذراء في مياه النيل، ثم ما لبث الموكب الرسمي أن انسحب فتبعه الناس وهم ينشدون المدائح النبوية.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة