تشخيصا لما تقوم به إسرائيل منذ 7 أكتوبر، ورصدا للخطوط العامة لمجريات الأمور، يتضح الآتى، وهو أن إسرائيل تضرب وتقصف بلا هوادة أو وازع من ضمير أو خوف من قانون دولى، ولا تكترث للمنظمات الأممية ومطالباتها، ولا تعبأ بقرارات محكمة العدل الدولية، آلة الحرب حصدت أكثر من أربعين ألف روح بريئة فى غزة، وإصابات بمئات الآلاف، أحالت قطاع غزة لجبال من الركام والحطام، تقوم بضرب وكلاء إيران فى جنوب لبنان بعمليات نوعيه انتقائية، وبقصف مركزا لتحصينات عسكرية، تقتل قادة حزب الله فى سياراتهم وبيوتهم، تقوم بقصف لليمن مستهدفة تقليم أظافر جماعة الحوثى الوكيل الثانى لطهران، تقوم بضربات محدودة مركزة لقطاعات من سوريا، تتعامل مع الفصائل الشيعية المقاومة فى العراق ذى الانتماءات الإيرانية، تضرب العمق الايرانى وتستهدف قادة عسكريين للحرس الثورى الإيرانى، تستهدف إسماعيل هنية رئيس حركة حماس بعد احتفالات تولية الرئيس الإيرانى الجديد بزشكيان الذى خلف رئيسا قضى فى ظروف غامضة على متن طائرة سقطت بكل غرابة!
تلك السرديات والمشاهد تضعك أمام اندهاش متفاقم من حجم الغرور والقوة والدعم، والذى وصلت له إسرائيل بعد عمليه 7 أكتوبر، حتى أبسط قواعد التعامل مع الأعداء لم تراعها، ولم تحترز لها.
بدت إسرائيل أكثر شراسة وجرأة وقوة ووحشية، وقد أكد نتنياهو فى حديثه لـ«التايم» الأمريكية، أن السبب الأكبر والأهم هو «استعادة مبدأ الردع الإسرائيلى»، إذ رأت إسرائيل فى عملية 7 أكتوبر المتقدمة عسكريا وتقنيا، إهانة لكبريائها فى عقر دارها، واضطرت إسرائيل للإفصاح عن قوة مخابراتها وتقنياتها فى استهداف قاده الصفوف الأولى لحماس وحزب الله فى عمليات مدهشة من حيث الدقة والأهداف وصفر تكلفة سياسية أو انسانية، وحصد مكاسب خالصة من الرأى العام الإسرائيلى والعالمى المتطرف والعنصرى، السردية أيضا تقول إن إسرائيل فاعل رئيسى فى خسارة العالم المتحضر لورقة التوت أمام المجتمعات الناهضة التى كانت تتصور أن أمة الحضارة والتقدم والديمقراطية لا تقبل الظلم، ولا تشرعن الإفراط بالبطش، وغض البصر عن الرد مفرط القوة ورد الفعل الذى يتجاوز الفعل بكثير!
إن التهور العسكرى والسياسى الإسرائيلى تجاوز حتى مشاهد تغول «القطب الواحد» الذى شاهدنا بدايتها فى حرب أمريكا على العراق، وتدميره مع تحالف دولى يستر سوءات البطش الأمريكى، لم يردع إسرائيل أحد، ولم تحتو مموليها، ولم يوقظها رأى عام أو نتوءات من دول تمتعض لغرور القوة والتهور وامتطاء الدعم الأمريكى فى ظل رئيس بائس متيبس لا يعرف الفارق بين زوجته وامرأة اخرى غريبة!
إن ترميم صورة إسرائيل التى خدشت بقوه فى 7 أكتوبر من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية، وفى القلب منها حماس، يستلزم خدش كل الصور المجاورة، وفى مقدمتها إيران ووكلاؤها، وقد طالت محاولات الخدش مصر، لكن رصانة إدارتها للمرحلة نأت بها عن محاولات الزج والتوريط والاتهام.
الحكومة المتطرفة المنقسمة فيما بينها، والمتحدة على أدبيات «دراكولا»، تطيل من عمرها بمزيد من مص دماء كل الأطراف المناوئة بلا هوادة، وقد ظهر جليا فى عمليه «اغتصاب» إيران سياسيا وعسكريا أكثر من مرة، والذى إن لم تردعه إيران برد مناسب بل ومتعسف ويحقق نتائج مباشرة، أعتقد أن إيران ستواجه مشكلة كبيرة فى استعادة صورتها الذهنية، وقد تفقد فلسفة الحكم «الثورية الإسلامية» نفسها صخبها وصلاحيتها للاستمرار والتغلب، إسرائيل وضعت إيران على محك الكرامة الوطنية، وشرف صيانة الجسد الذى تعرى، واستعادة سيادة مفقودة فى غرفه نوم هنية بطهران!
إن رهان حماس على قوة إيران المتنامية التى تتمدد فى الضباب، يبدو أنه بات رهانا خاسرا، وستؤكده أو تنفيه طهران بنفسها.
كما أن رهان روسيا وتفعيل توازن الردع عن طريق دعم إيران رفعا لضغوط حلف الناتو ووكلائه فى أوكرانيا، هو الآخر تحت الاختبار.
الكل يمارس الضغط على أطراف فاعلة، لكنها تكمن خلف سحب الحروب، ومن يدفع الثمن هى الشعوب العارية وحدها!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة