سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 23 أغسطس 1798.. نابليون يغازل المشاعر الدينية للشيوخ بالحديث عن استعداد جيشه لاعتناق الإسلام فى القريب العاجل أثناء مشاركته الاحتفالات بالمولد النبوى

الجمعة، 23 أغسطس 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 23 أغسطس 1798.. نابليون يغازل المشاعر الدينية للشيوخ بالحديث عن استعداد جيشه لاعتناق الإسلام فى القريب العاجل أثناء مشاركته الاحتفالات بالمولد النبوى نابليون بونابرت
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أمر نابليون بونابرت قائد الاحتلال الفرنسى لمصر، منذ قدومه على رأس حملته فى يوليو 1798 بإقامة الاحتفالات بالمولد النبوى الشريف، كالمعتاد بعد أن سأل لماذا يعملوه كعادتهم، فاعتذر الشيخ خليل البكرى نقيب الأشراف «بتعطيل الأمور وتوقف الأحوال، فلم يقبل نابليون، وقال لا بد من ذلك، وأعطى له ثلاثمائة ريال فرنساوى معاونة، وأمر بتعليق تعاليق وأحبال وقناديل، واجتمع الفرنساوية يوم المولد ولعبوا ميادينهم وضربوا طبولهم ودبادبهم، وأرسل الطبلخانة الكبيرة (موسيقى الجيش) إلى بيت الشيخ البكرى، واستمروا يضربونها طوال النهار والليل»، حسبما يذكر عبد الرحمن الرافعى فى موسوعته «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر» نقلا عن الجبرتى فى موسوعته «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار».


بدأت هذه الاحتفالات يوم 20 أغسطس 1798، وبلغ الضجيج والفوضى غايتهما ثلاثة أيام وثلاث ليال، وفقا لما يذكره «ج. كرستوفر هيرولد» فى كتابه «بونابرت فى مصر»، ترجمة، فؤاد أندراوس، مراجعة، دكتور محمد أحمد أنيس، مضيفا: «تحولت شوارع القاهرة إلى سوق ليلى، بينما سار الألوف فى مواكب يحملون المشاعل والشموع الكبيرة وينشدون أغانى كلها نشاز، ترافقها موسيقى أكثر نشازا، ويتصايحون ويزعقون ويحدثون ضجيجا شنيعا».


يصف «كرستوفر»، الاحتفالات يوم 23 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1798، قائلا، إنها بلغت ذروتها، فأصبحت الميادين العامة حافلة بالمعارض والفرج الصغيرة، فترى فيها الدببة والقردة المدربة والمغنين والمغنيات ينشدون أدورا يجاوبهم فيها آخرون، والنسوة يغنين الأشعار، والحواة يأمرون الثعابين فتختفى، والأطفال يرقصون بفجور، وظهر الدراويش عند المساء، والشعب يجل هؤلاء المتعصبين الذين يطلقون شعورهم ويسيرون عراة تقريبا، واجتمع الأتقياء فى حلقات يجلس فيها الرجال متلاصقين وعقد كل منهم ذراعه بذارع صاحبه، ثم بدأوا يهتزون فى حركات عنيفة أفرادا وجماعات ذات اليمين وذات اليسار، ورافق حركتهم التلوى العنيف، واستمرت الى أن خارت قواهم».


أقام «خليل البكرى» حفلا عظيما فى بيته لنابليون، اجتمع فيه مائة من كبار شيوخ الأزهر، افترشوا الأرض حول عشرين منضدة منخفضة، وشرع أحدهم فى رواية سيرة النبى محمد «صلى الله عليه وسلم»، ويقول المؤرخ «خوان كول» فى كتابه «مصر تحت حكم بونابرت»، ترجمة، مصطفى رياض، مراجعة، الدكتور أحمد زكريا الشلق، أن رواية السيرة تمت بنغمة وجدها الفرنسيون مملة، ويصف الموائد التى جلس الفرنسيون حولها قائلا: «قدمت لهم أدوات مائدة وصحافا فضية بل قنينة نبيذ معتق، ثم مدت الموائد بالمشويات والمقبلات والأرز والعجائن وكلها مطهوة بالتوابل، ويتذكر أحد الضباط الفرنسيين الحاضرين: يأكل العرب بأصابعهم ويغسلون أياديهم ثلاثا أثناء تناول الطعام».


يضيف «كول»: «تحدث بونابرت حول الموائد مرارا مع شيوخ الأزهر ساعيا إلى التعرف على حاجات البلاد والوسائل التى يتحقق بها رخاؤها، وفى بعض الأحيان يصل إلى مغازلة مشاعرهم الدينية، إذ يصور لهم مدى استعداد الجيش الجمهورى لاعتناق الإسلام فى القريب العاجل»، ويعلق ضابط آخر أن القائد الأعلى لم يدخر وسعا لإقناع المصريين بما يكنه الجيش الفرنسى من توفير عظيم للرسول، أما الجنود فالتزموا الأدب فى ما يقولون، ولكنهم ما إن عادوا إلى ثكناتهم حتى ضجوا بالضحك لما رأوه من تلك المهزلة».


كان لنابليون نشاط آخر فى 23 أغسطس، يذكره «كرستوفر»، قائلا: «أملى بونابرت أمرا بأن ينشأ فى القلعة فرن للخبر ومخزن للطعام ومستشفى لاستعماله فى حالة الحصار، والاستيلاء على ثلاثة آلاف جواد، وأمرا فى النشرة اليومية يجرم على جميع القواد الصغار فرض التبرعات على السكان، ومنع الفلاحين من تجاوز أنصبتهم من ماء النيل والترع، وقبل ذهابه لبيت البكرى حضر أول اجتماع عقده المجلس العلمى المصرى، واقترح عليه أن يبحث فى المسائل الآتية:
هل من الممكن تحسين أفران الخبز؟ وكيف؟ وهل من سبيل لصنع الجعة بدون حشيشة الدينار (التى لا تنمو فى مصر)؟ وما هى الطرق التى تستعمل فى مصر لتنقية ماء النيل؟ وأى الطواحين أصلح من الناحية العلمية للقاهرة؟ طواحين الهواء أم الماء؟ وهل فى مصر موارد طبيعية تعين على صنع البارود؟ وما الموقف عموما فى مصر من ناحية القانون المدنى والجنائى، وتدريس القانون؟ وهل يمكن إدخال تحسينات يتقبلها الأهالى؟».


يعلق «كرستوفر»: «كان نابليون أشبه بحرباء بشرية، يستطيع فى لحظة أن ينقلب من المحارب إلى المشرع أو العالم أو اللاهوتى، فتجده فى اليوم التالى 24 أغسطس يصدر التعليمات فى هدوء لتحويل مسجد الصالحية إلى قلعة، وفى اليوم التالى يأمر بحرق قرية علقام التى وقع فيها ستة عشر فرنسيا فى كمين وقتلوا، ومصادرة ما فيها من ماشية وأغلال، وسوق أعيانها إلى القاهرة رهائن، ولعل هذه الأمور التى كان يقلبها فى عقله وعليه سيماء التقوى والورع، بينما كان الشيوخ يتلون أورادهم على مسابحهم».










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة