التواصل مع المراهقين يعتبر أحد أكبر التحديات التى يواجهها الآباء، يمكن أن تكون المحادثات معهم مشحونة بالعواطف والتوتر، وغالبًا ما يبدو أنها على وشك الانفجار، قد يبدو لك أن ابنك المراهق هو شخص غامض وغير قابل للفهم، حيث يفضل الانعزال ولا يظهر رغبة فى الحديث معك، يسيطر جيل جديد من المراهقين على الساحة، ما يجعل جيل الثمانينيات والتسعينيات يشعرون وكأنهم قد فاتهم الكثير من التطورات وأساليب التفكير الحديثة، أو كما يقول البعض، يشعرون بأنهم «دقة قديمة»، من هنا، تسعى «اليوم السابع» إلى استكشاف الفجوة التى تفصل بيننا وبين «الأندر إيدج» لفهم كيف يفكرون وكيف ينظرون إلينا، وما هى تحدياتهم المستقبلية، بالإضافة إلى تقديم إجابات عن أسئلة تطرأ فى أذهاننا ولكن قد نخشى طرحها على أبنائنا من هذا الجيل.
جيل السرعة ينافس جيل الووكمن.. معفرتين لكن راسيين
يثير جيل «الأندر إيدج» الكثير من الجدل فى المجتمع حيث يختلف بشكل جذرى عن جيل الثمانينيات والتسعينيات، هذا الجيل، الذى يتراوح أفراده بين منتصف المراهقة وأوائل العشرينات، يتميز بأسلوب حياة ولغة تعكس تغييرات اجتماعية وثقافية عميقة.
عندما تحدثنا إلى باسل حسن، البالغ من العمر 14 عامًا، أوضح رؤيته لجيل الثمانينيات، مشيرًا إلى أنهم كانوا يبذلون جهدًا كبيرًا للوصول إلى المعلومات، بينما التكنولوجيا اليوم تجعل الحصول على المعلومات أسرع وأسهل، وقال: «سرعتنا بيعتبروها عيب فى شخصيتنا، أو إننا بنستسهل مع إن ده وقت التكنولوجيا وجمع المعلومات بشكل أسهل وأسرع».
وأضاف باسل أن جيله قادر على التعبير عن الحب والألم بطرق مختلفة، مما يوضح أن هذا الجيل ليس «دون إحساس» كما قد يعتقد البعض، وتابع قائلاً: «بنعرف نحب ونعبر عن دا لأهلنا ولأصحابنا ولكن بطريقة مختلفة عشان كدة ممكن يكونوا مش متأكدين من مشاعرنا تجاههم»، وأكد أنه تعلم الاعتذار مؤخرًا بعدما أدرك أنه قد يخطئ، مشيرًا إلى أن جيله يقدر تعب الآباء والأمهات، لكنه يحتاج إلى مساحته الشخصية للتعبير عن نفسه، مشددًا على أهمية الصراحة والوضوح، حتى لو كان يُنظر إلى ذلك أحيانًا على أنه «جرأة» زائدة.
باسل حسن
وعن طموحاته، قال باسل: «الجيل القديم بيفتكروا أننا مش بنسعى للنجاح»، وأوضح أن العديد من أصدقائه لديهم أحلام وطموحات كبيرة، غالبًا ما تتعلق بدعم هواية أو رياضة يحبونها، وأضاف: «نفسى لما أكبر أبقى حارس مرمى لأنى مركز فى الرياضة وليا حلم وبإذن الله هحققه زى حارس مرمى ريال مدريد تيبو كورتوا».
أما بخصوص لغة جيله وطريقة كلامه، فقد أشار باسل إلى أنه رغم استماعه لبعض الكلمات الجديدة ومعرفته لمعانيها، إلا أنه يفضل الوضوح والمباشرة، خاصة فى الأوقات الجادة مثل الدراسة أو التحدث مع من هم أكبر منه سنًا. وعن الفنانين المفضلين لديه، ذكر أن النجم محمد منير يظل مميزًا بالنسبة له من جيل الكاسيت، بينما يفضل من الجيل الجديد كايروكى وعفروتو.
رحلة تحول ثقافة الشباب
«مواكبة الأحداث على مدار الساعة، وتتبع الموضة، واستكشاف أماكن السفر الجديدة، وذوق مختلف فى الأغانى» أهم ما يميز جيل «الأندر إيدج» عن جيل الثمانينيات من وجهة نظر مريم أحمد، البالغة من العمر 14 عامًا والتى أضافت أن جيلهم يهتم بكل ما هو مختلف، بدءًا من المصطلحات الغريبة فى حديثهم وصولًا إلى الأغانى والمطربين، حيث أشارت إلى أن هؤلاء الفنانين يشبهونهم فى طريقة الكلام، الملابس، وحتى الأفكار «المجنونة».
وتوضح مريم أن جيلها يفضل أغانى الراب والموسيقى التى تحتوى على كلمات واضحة تعبر عنهم وعن أفكارهم، مستشهدة بنجاح المغنى الجديد توليت، الذى وصفته بأنه يشبههم فى طريقة تصويره الغامضة وعدم إظهار وجهه فى غالبية الصور التى ينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. وقالت مريم إن هذا الغموض أثار فضولهم ودفعهم لمتابعته بشكل أكبر لمعرفة من يكون هذا الشخص، وعن مطربى الجيل السابق، أشارت إلى أنها تستمتع بسماع أغانى عمرو دياب وحميد الشاعرى.
مريم أحمد
وأضافت مريم أن «التاريخ يعيد نفسه»، حيث يرتدى توليت ملابس تعود إلى الثمانينيات والتسعينيات، ولكنه يعتبر الأقرب لجيلهم. وأوضحت أن أغانيه ليست «راب بحت»، بل هى «مزيج بين الجيلين». كما تحدثت عن مصطلحات مثل «روش طحن» التى كان يستخدمها جيل التسعينيات والثمانينيات، وتشبه كلمة «شياكة» المستخدمة حاليًا، و«ملزق» التى تعنى الشخص الذى يتظاهر بغير طبيعته، والذى يُطلق عليه الآن «سيمب»، وأشارت إلى أن مثل هذه المصطلحات قد تتواجد فى أغانى الراب، لكنها حذرت من ضرورة الحذر أثناء استخدامها، مشددة على أهمية معرفتها حتى لا يجد جيلهم أنفسهم غير قادرين على التعبير أو فهم ما يدور حولهم.
وكشفت مريم أن هذه المصطلحات ظهرت مع تزايد ظاهرة التنمر، وأنها شخصيًا تعرضت للتنمر عبر مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة بعد انتقالها من مدرسة فى حى شعبى إلى مدرسة أخرى أرقى، حيث اعتبرها زملاؤها شخصًا مختلفًا، لكنها واجهت هذا التنمر بإضافة اسم الحى الذى نشأت فيه إلى اسمها على مواقع التواصل الاجتماعى، لتوصل رسالة أنها تعتز به وليس نقطة ضعف تخجل منها مما ساعدها على اكتساب الشهرة، وأكدت أن حلمها هو أن تصبح مهندسة برمجة، رغم اهتمامها بالموضة والفاشون كهواية، وذلك بسبب شغفها بالتكنولوجيا الحديثة ورغبتها فى مواكبة تطورات سوق العمل فى المستقبل.
أما عن سيف الله طارق، البالغ من العمر 13 عامًا، فقد قال إن جيله يعتمد بشكل كبير على الإنترنت والتكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعى فى تواصلهم واكتسابهم للمعلومات، بينما كان جيل التسعينيات يعتمد أكثر على القنوات التقليدية فى التعلم والتفاعل الاجتماعى، وأوضح أنه يفضل المنصات الرقمية التى تمنحهم حرية أكبر فى التعبير، لكنها قد تكون أحيانًا خارج السيطرة، ورغم ذلك، أعرب عن تفضيله لقضاء وقت الراحة مع عائلته ليشعر بالترابط والألفة، وأكد على أهمية أن يكون بجانب أصدقائه وأن يحبهم ويحبوه، دون أن يشعر بالضغط لتحمل المسئولية، لأنه يدرك ذلك بالفعل.
سيف الله طارق
وفيما يتعلق بالموسيقى، أشار سيف الله إلى أنه يحب الاستماع إلى ويجز ومهاب، ومن الجيل السابق يفضل تامر حسنى، كما أبدى إعجابه بتوليت، الذى وصفه بصاحب الصوت الجميل والمميز، والذى يعبر عن جيلهم الذى يركز على التفاصيل مهما كانت غامضة.
جيل الأندر إيدج.. رؤية جديدة للتكنولوجيا والبرمجة
تخلى الجيل الجديد عن وسائل الإعلام التقليدية، وتوجه بكل قوة نحو التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعى، سواء لأجل الترفيه أو التعلم، كما أوضحت جنى أيمن صاحبة الـ17 عاما أنها بدأت باستخدام الإنترنت كأداة للترفيه والتواصل مع الأصدقاء، ولكن مع مرور الوقت، اكتشفت أن التكنولوجيا تمثل بحرًا واسعًا من المعرفة، خاصة فى مجال البرمجة التى تمتد تطبيقاتها إلى مجالات متعددة. وأضافت جنى أن الموسيقى، خاصة أغانى الراب، أصبحت تعتمد بشكل كبير على التعديلات التى تتم باستخدام الحواسيب وأدوات متطورة لصناعة أفكار مميزة، مشيرة إلى أن بعض هذه الأغانى لا تتطلب استخدام آلات موسيقية وإنما تعتمد على مؤثرات صوتية مصممة على أجهزة الكمبيوتر المتقدمة.
جنى أيمن
وأشارت جنى إلى أن مطربها المفضل فى الآونة الأخيرة هو توليت، الذى نجح فى جذب إعجاب كل من جيل الثمانينيات والتسعينيات وجيل الأندر إيدج، وأكدت أنها تستمتع أيضًا بالاستماع إلى مطربى جيل التسعينيات مع والدتها، بالإضافة إلى شيرين وفيروز ومطربى المهرجانات، وعلى الرغم من أن الجيل القديم غالبًا ما ينكر وجود هؤلاء المطربين أو أفكارهم، إلا أن جنى ترى أن هذا الاختلاف الكبير فى الذوق يمثل ميزة لا تمتلكها الأجيال السابقة، كما لفتت إلى أن أغانى الراب، التى تتسم بالمصطلحات القوية والحادة والواضحة، تعبر عنهم بشكل مغاير عن أغانى الفراق والندم التى لا يعرفون عنها الكثير.
فيما يتعلق بالتكنولوجيا، أكدت جنى على أهمية مواكبة التطورات قائلة: «لازم نعرف العالم بيفكر إزاى وإحنا مش أقل منهم فى التطور، بل نقدر ننجح ونوصل ونطور كمان».
استشارى الصحة النفسية: جيل الأندر إيدج واعٍ ومحبوب لكنه بحاجة لمن يفهمه
من جانبها، أوضحت استشارى الصحة النفسية، الدكتورة سمر كشك، فى حديثها لـ«اليوم السابع» أنه لا توجد صيغة محددة لإقامة علاقة صحيحة بين الأبوين وأطفالهم المراهقين من جيل الأندر إيدج. ولكن إذا كانت العلاقة قائمة على التفاعلات الدافئة والمحبة فى أغلب الأوقات، سيشعر الأبناء بالحب والأمان، وأشارت إلى أن جيل الأندر إيدج يتمتع بوعى كبير وهو محبوب، لكنه يحتاج إلى الفهم لتقريب وجهات نظره مع ما يريده الأهل.
وأضافت أن الفجوة الثقافية واللغوية بين الأجيال نابعة من تأثير مواقع التواصل الاجتماعى على جيل «تيك توك»، مما يستوجب على الآباء متابعة اهتمامات أبنائهم والمشاركة فيها، مهما كانت تبدو بسيطة أو «تافهة» من وجهة نظرهم، وأكدت على أهمية تشجيع الأبناء على الأمور الجيدة وتقديم النصح دون إصدار أحكام أو عقاب، لتجنب حدوث فجوة بينهم.