تشبث الفريق الليثى ناصف بإحدى يديه بجدار شرفة شقته بالدور التاسع فى العاصمة البريطانية لندن لبضع ثوان، لكنه سقط، ونقل إلى المستشفى ولفظ أنفاسه الأخيرة عند وصوله إليها فى 24 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1973، وفقا لجريدة الأهرام فى عددها يوم 25 أغسطس 1973.
كان الليثى ناصف وقتئذ سفيرا بوزارة الخارجية منذ إبريل 1973، بعد أن كان قائدا لقوات الحرس الجمهورى منذ عام 1961، ووفقا للكاتب الصحفى عبدالله إمام فى كتابه «انقلاب السادات.. أحداث مايو 1971»، فإنه كان أبرز من اعتمد عليهم الرئيس السادات فى صراعه الشهير مع «مجموعة 15 مايو 1971» التى شملت كبار المسؤولين التنفيذيين والشعبيين ممن عملوا بجوار جمال عبدالناصر، وقبض عليهم الليثى بأمر السادات بعد تقديمهم لاستقالتهم يوم 13 مايو 1971.
قالت «الأهرام» فى تقريرها عن الحادث: إن «ناصف» سافر إلى أمريكا للعلاج بعد تعيينه فى وزارة الخارجية بناء على رغبته، وبعدها انتقل إلى لندن لاستكمال علاجه، وكان يشكو من حالة شعور بالدوار، وأن السفارة المصرية فى لندن أصدرت بيانا قالت فيه إنها تعتقد أنه أصيب بنوبة دوار عندما سقط، وقال مسؤولون فى سكوتلاند يارد: إنه ليست هناك أية ظروف مريبة فى الحادث، فقد كان فى شقته بإحدى العمارات بشمال لندن، ومعه عائلته عندما سقط من الشرفة بعد أن اختل توازنه فيما يبدو، ولم يستطع أحد معاونته.
كان الدكتور مصطفى الفقى شاهدا على الحادث بوصفه نائبا للقنصل المصرى فى لندن، ويذكر فى مقاله «الليثى ناصف » بجريدة المصرى اليوم، 9 أكتوبر 2008، أن عنصر المفاجأة الأليمة أطاح برفيقة حياته التى كانت تبكى بحرقة، وتطالب بدفنه بعد الاتصال بالملك حسين عاهل الأردن، والملك الحسن عاهل المغرب، لأنهما من سلالة النبى صلى الله عليه وسلم، مضيفا، أن السيدة الحزينة التى تنحدر من أصول تركية واضحة قالت: «إن هناك مؤامرة أودت بحياة زوجها، ورددت كثيرا أنه تم الخلاص منه بسبب اعتزازه الشديد بالرئيس جمال عبدالناصر حتى إنه أطلق اسم «هدى ومنى» على ابنتيه تيمنا بالرئيس الراحل».
احتجزت السلطات البريطانية الجثمان أسبوعين للتحقيقات اللازمة، ويؤكد «الفقى» أن التحقيقات مضت فى ثلاثة احتمالات، أولها أنه سقط لا إراديا لمرضه بضمور فى المخ ومع قامته الطويلة لم يستطع الحفاظ على توازنه، والثانى أنه انتحر وهو احتمال يكاد يكون معدوما لمن يعرفون الرجل وإيمانه وخلقه، والاحتمال الثالث أنه جرى القذف به من الشرفة، أى أن هناك فعل فاعل.
لم تر زوجته غير احتمال قتله، بل واتهمت السادات، وفقا لما ذكرته للكاتب الصحفى عادل حمودة فى كتابه «أيام السادات الأخيرة.. من قتل الليثى ناصف؟»، حيث قالت: «استيقظ فى الصباح الباكر وأدى صلاة الصبح ثم فتح المصحف وقرأ القرآن الكريم، وبعد ذلك تناول إفطاره وجلس يشاهد برامج التليفزيون، وفى التاسعة صباحا نهض من مقعده وأخبر زوجته بأنه سيذهب إلى الحمام».
تضيف: «مضت أكثر من ساعة ولم يظهر، ظننت أنه نزل ليتريض كعادته فى الصباح ثم يعود، كان توقعى أنه بعدما خرج من الحمام دخل حجرته وارتدى التريننج سوت والكوتش ونزل إلى إحدى الحدائق القريبة من العمارة، لكننى فوجئت بعد ساعتين بضابط إنجليزى يطرق بابنا ويخبرنى بالعثور على جثة زوجى أسفل العمارة».
حمل الكاتب الصحفى وائل أبوالسعود هذا الاتهام إلى صلاح الشاهد، كبير أمناء رئاسة الجمهورية مع عبدالناصر والسادات، والسنوات الأولى لمبارك، والقريب من الليثى، قال «الشاهد» لجريدة الجريدة- الكويت- 29 يوليو 2013: «عندما ظن السادات أن كل من حوله يتآمرون عليه فور توليه الحكم، قرر اعتقالهم، فاستدعى صديقه الفريق الليثى وأمره باعتقال كل مراكز القوى، لكن الليثى صارح السادات بأنه كإنسان لا يستطيع القبض على أصدقائه ومحبيه، لأن بينه وبينهم عيش وملح، فاستخدم السادات ذكاءه وحيله فى إقناعه بأن هذا الإجراء مؤقت، ومدته قصيرة للغاية من أجل حماية الوطن، وأنه لن يقدمهم إلى المحاكمات ولن يحبس أحدا منهم».
سأله «الليثى»: «هذا وعد يا سيادة الرئيس؟ رد الرئيس: طبعا، وعد يا ليثى، وسوف ترى»، فاعتقلهم «الليثى»، وحسب الشاهد: «كان فى غاية الألم النفسى، لكن عزاءه الوحيد كما صارحنى وقتها هو وعد السادات بالإفراج عنهم فى أسرع وقت دون محاكمات، ثم فوجئ بتقديمهم إلى المحاكمة، وحاول أن يذكر السادات بوعده، لكن السادات كان يرد بأن القانون يأخذ مجراه، فاحتد على السادات للمرة الأولى وطلب أن يعفيه من منصبه فرد السادات: «وماله يا ليثى، لكنك ستعين فى وزارة الخارجية بدرجة سفير».
يؤكد الشاهد: «الليثى لا ينتحر أبدا، وكان خائفا من انتقام السادات، لكنى لا أعرف ما حدث فى لندن».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة