حسن السعدني يكتب: إيمان خُليف ضربة قاضية لمحاولات تأميم الأحلام العربية

السبت، 03 أغسطس 2024 09:31 م
حسن السعدني يكتب: إيمان خُليف ضربة قاضية لمحاولات تأميم الأحلام العربية إيمان خليف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"لا بأس أن تكون المرأة قد حاربت بأنوثة كلّ النساء، لتكسب معاركها بفحولة كلّ الرجال"، ربما هذه الجملة العظيمة التي دونتها الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي في أحد روافدها الأدبية، هي خير تعبير عن انتصار مواطنتها إيمان خليف في معركتها الرياضية، على محاولات تأميم أحلامها في أولمبياد باريس 2024، انتصار يتجاوز حدود التتويج بميدالية -أصبحت مضمونة للجزائر والعرب-، ويصل إلى فضح نظرة أوروبا العنصرية وتمييزها مع كل ما هو عربي، وغياب سيمترية وزن الأشياء وتقبلها حينما لا يكون على هوى أصحاب العيون الملونة.

ومن عجب العُجاب أن أوروبا التي تدافع عن القضايا الجندرية وحقوق الجنس، لم تتقبل وجود امرأة عربية حالمة في عالم تُسيطر عليه الأفكار التقليدية، وتُفرض فيه التحديات على النساء بأشكال مختلفة، قارة بأكلمها لم تتقبل الإقصاء من إمرأة عربية، اختارت طريقًا شاقًا لتثبت للجميع أن الإرادة الصلبة والشجاعة يمكنهما التغلب على أي عقبة، هذه المرأة، التي تعاني من التمييز الجنسي والتنمر، قررت أن تكون ملاكمة، في تحدٍّ ليس فقط للخصوم في الحلبة، ولكن أيضًا للمجتمع بأسره.

ولدت إيمان خليف أنثى وعاشت أنثى وحاربت أنثى وخاضت معاركها ضد الجميع، منذ صغرها، كانت الرياضة شغفها، لم تكن تحلم بممارسة الرياضات التقليدية التي تُعتبر "ملائمة" للفتيات، بل اختارت الملاكمة. واجهت في بداية طريقها العديد من العقبات، انهزمت مرات عدة، وفازت مثلها، وتقبلت قضاء الله في الحالتين بثقة الأبطال.

كان يمكن لإيمان أن تختار لعبة أخرى، لكن من قال إن الرياضة حكرا على جنس دون آخر؟ أوروبا نفسها أول من ينادى بذلك، والملاكمة كغيرها من اللعبات وُجدت للجميع، وكونها لعبة قتالية في الأساس، فمن الطبيعي أن تترك ملامحها على وجه إيمان الحاد، في شىء لا ينتقص من أنوثتها، التي ظهرت في دموعها بعد الوصول للمربع الذهبي، نعم، تكاتف العالم كله ضدها، لكنها رفعت أكف الضراعة لله أمام الملايين، وقالت معي ربي، محاربة بذلك النظرة المجتمعية التي تستهجن رؤية امرأة تتلقى الضربات وتوجهها.

لم تكن معركة إيمان خليف في الحلبة فقط، بل كانت معركة مزدوجة ضد التنمر والتمييز الجنسي. تعليقات لاذعة ونظرات استهجان كانت تلاحقها في كل مكان، في رياضة تُعتبر حكرًا على الرجال إذا بزغن فيها نساء عربيات، ومتاحة للجميع طالما أن نساء أوروبا الجميلات يلعبنها.

لكن ورغم كل ما واجهته من تحديات، لم تتراجع إيمان، بل زادت عزيمتها وإصرارها على تحقيق حلمها، كانت تذهب إلى صالة التدريب كل يوم، متجاهلة كل الانتقادات والتهكمات، مركزة فقط على هدفها، تدريباتها كانت شاقة، وكانت تُظهر في كل يوم قوة وصلابة تفوق ما يُتوقع منها.

وبفضل إصرارها، بدأت تحقق النجاحات. فوز تلو الآخر، بدأت تُلفت الأنظار إليها، ليس فقط كإمرأة تُمارس الملاكمة، بل كرياضية موهوبة تتفوق على خصومها، حتى أثبتت للجميع أن الجنس ليس معيارًا للقدرة أو النجاح.

قصة خليف أصبحت مصدر إلهام للعديد من الفتيات اللواتي يرغبن في تحدي الأعراف والتقاليد، بعدما أثبتت أن المرأة قادرة على تحقيق أي هدف تضعه نصب عينيها، بغض النظر عن الصعوبات التي قد تواجهها، وأكدت أن الإرادة والعزيمة هما السلاح الأقوى في مواجهة التنمر والتمييز.

هذه المرأة التي اختارت الملاكمة في عالم يمتلئ بالتحديات، لم تكن مجرد ملاكمة، بل رمزًا للأمل والشجاعة، قصة نجاحها تُظهر أن القوة الحقيقية تأتي من الداخل، وأن القدرة على التغيير تبدأ من الإيمان بالنفس والإصرار على تحقيق الأحلام، مهما كانت الصعوبات.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة