ارتفع صوت المخرج «بركات»: «برافو، إنتى مش عاوزة تيست، إنتى عاوزة عقد نمضيه حالا»، وكان ذلك دليل إعجابه القاطع بسعاد حسنى، هذا الوجه الجديد الذى رشحه عبدالرحمن الفنان عبدالرحمن الخميسى لبطولة فيلم «حسن ونعمية»، حسبما تذكر سعاد فى حوارها الموسع بمجلة «الكواكب، عدد 787، 30 أغسطس، 1957»، وأجراه الكاتب الصحفى «عبدالتواب عبدالحى»، وعادت فيه إلى بئر ذكرياتها الحزينة فى طفولتها، وعرضنا جزءا منه أمس»، راجع، ذات يوم، 30 أغسطس 2024».
تتذكر سعاد أن بركات أخذ المسلسل الإذاعى «حسن ونعيمة» لعبدالرحمن الخميسى، ليخرجه فيلما سينمائيا، وأنه كان يبحث عن وجه جديد يمثل دور نعيمة فيصدقه الناس، كانت وجهة نظره أن أى ممثلة مشهورة تمثل الدور سيقول الناس «دى فلانة مش نعيمة»، كان يريد أن يقدم لهم نعيمة الفلاحة الساذجة المغرمة التى تعطيهم إحساسا بأنهم يكتشفونها لأول مرة.
تضيف رشحنى الخميسى للدور، ودخلت ستوديو ناصيبان ليجرى لها بركات الاختبار، تتذكر: «طلب منى وأنا أمام الكاميرا أن أقول «سى حسن» بدرجات متفاوتة من الخجل، قلتها 3 مرات وفى المرة الثالثة طلعت منى وأنا أذوب خجلا بالفعل، كنت أحس أنها فرصتى اليتيمة، وأن من ورائى ظروف يتمى المقنع فيما بين بيت أمى وبيت أبى، تشبثت بفرصتى كالغريق، ولم أعرف أنى نجحت إلا وصوت بركات يقول: «برافو، إنتى مش عاوزة تست، إنتى عاوزة عقد نمضيه حالا».
كان الموسيقار محمد عبدالوهاب هو صاحب شركة «أفلام محمد عبدالوهاب» المنتجة للفيلم قبل أن تتحول إلى شركة «صوت الفن» عام 1961، ويكون عبدالحليم حافظ والمصور وحيد فريد شريكان فيها، تتذكر سعاد: «طلب الفنان محمد عبدالوهاب أن يرانى، زرته فى بيته بصحبة بركات، قال لى: «تعرفى تغنى يا حلوة»، غنيت له «كل ده كان ليه»، اتبسط قوى وقال لى: «ابقى غنى لنفسك كتير، إنتى مستقبلك كبير»، عبدالوهاب يعتبر التمثيل غناء للمواقف الدرامية، وهو يحكم على وجوه التمثيل الجديدة بطريقتها فى الغناء».
كانت سعاد بنت 16 عاما، وتذكر: «وقع معى بركات 3 عقود، الفيلم بـ250 جنيها فقط، طلبت منه أن يختار لى اسما جديدا، لكنه لم يجد اسما أرق من اسمى الحقيقى فأبقيت عليه، ودخلت استديو ناصيبان لأمثل دور نعيمة، وجاءت فاتن حمامة لتعمل دوبلاج فيلمها «بين الأطلال»، سلمت علينا كلنا، ودخلت صالة العرض لتنفذ المهمة، انتهزت فرصة استراحة قصيرة وتسللت وراءها، استفدت منها دون أن تدرى درسا كبيرا فى فن الدوبلاج».
احتكرها بركات بالعقود الثلاثة، وأثناء انشغاله بفيلم «دعاء الكروان» استأذنت منه لتمثل دورا صغيرا (5 دقائق) فى فيلم «ثلاثة رجال وامرأة»، ثم دور أخت عبدالحليم حافظ فى فيلم «البنات والصيف»، وكتب النقاد عنها: «وجه مصرى مريح يدخل القلب، فيه ميزات فاتن حمامة الفنية، لكنه يؤدى باستقلال ودون تقيد، تذكر: «تهافت علىِ المنتجون، مثلت بطولة 8 أفلام فى سنة واحدة، و28 فيلما فى 8 سنوات من يومها وإلى الآن (1966)، وآخر أفلامى «صغيرة على الحب»، ووصل أجرى إلى 2500 جنيه، وقررت أن أرفعه إلى 5 آلاف، وسوف اكتفى بـ4 أفلام فى السنة، واعتقد ان اسمى بمقياس شباك التذاكر يسمح الآن».
لم تر سعاد أن جمالها، أو موهبتها، أو صلاتها الشخصية أعطوها مفتاح الشاشة الناجحة، وإنما شىء آخر تعترف به، قائلة: «سذاجتى، كان كل المطلوب منى فى فيلم «حسن ونعيمة» أن أكون صغيرة وساذجة بالفعل، يضاف إلى ذلك صدق إحساسى الفنى، فقد تربيت فى بيوت قلقة لكنها عامرة بالفن، أختى سميرة كانت ترسم، ونجاة تغنى، وأبى ينافس بجمال خطه حروف الطباعة، تضاف إلى ذلك آلام صباى التى دفعتنى إلى أن أحقق ذاتى وأصبح شيئا، وتشجيع عبدالرحمن الخميسى لى، كان يقول لى «إنتى إحساسك مظبوط زى القهوة اللى باشربها»، وحكمة قديمة قرأتها لسعد زغلول، يقول فيها: «إذا قيل إنك نابغة، فدع الراحة».
وعما قرأته، قالت: «فى الأول قرأت كتاب «إعداد الممثل» تأليف «ستانيلافسكى»، والكتاب يقوم على أصول مسرحية معقدة، قرأته فأحسست أنى «ولا حاجة»، ولن أكون فى المستقبل شيئا، قرأت بعد ذلك سلسلة وزارة الثقافة عن فن السينما، لم أستفد منها، فهى تصلح للهواة المبتدئين، انفتحت بعد ذلك على قراءة الأدب، فقرأت أعمال نجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم، وإحسان عبدالقدوس، أقرأ أحيانا الروايات البوليسية، وأواظب دائما على قراءة الصحف والمجلات القاهرية والبيروتية.
تصف سعاد معنى الحب، قائلة: «الحب ليس وصفا، الحب معاناة، هل يستطيع أحد أن يصف بصدق شعوره ورصاصة تدخل قلبه»، وعما إذا كان هناك من فتح قلبها، قالت: «لا أحد، وحكاية عبدالحليم حافظ عديمة الأساس».