عندما ولد الكاتب الأديب الدكتور زكى مبارك بقرية «سنتريس» محافظة المنوفية فى 5 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1892، لم يكن أحد يدرى أن هذا المولود سيكون من أبرز كتاب العربية، وصاحب ثورات ومعارك هائلة ضد كبار الأدباء والنقاد الأدب أبرزهم طه حسين وسلامة موسى وأحمد أمين والعقاد ومصطفى صادق الرافعى وغيرهم.
كان والده من «الزراعيين الأذكياء الذين عرفوا بالخلق والكرم» بوصف أنور الجندى فى كتابه «زكى مبارك، دراسة تحليلية لحياته وأدبه»، مضيفا: «أحب زكى أباه، وكان موضع فخاره وإعجابه، ورسم له صورة وصفية عندما توفى عام 1935 تمثل فيه صباحة الوجه، وصحة الدين وصدق القول، وفصاحة اللسان وثبات الجنان والعزيمة والرزانة».
تركت نشأته الأولى فى سنتريس تأثيرا قويا على شخصيته، ويذكر أنور الجندى: «رسم زكى مبارك صورتين لحياته الأولى فى القرية، فقال فى الأولى أنه نشأ فلاحا، وما زالت فى يده آثار الفأس والمحراث، وأنه لم يعرف السعادة فى ظلال العواطف إلا بفضل ذلك العهد، وأنه فى أيام حداثته كانت سنتريس لا تعرف الطلمبات، فكان الماء يحمل إلى المنازل من النيل أو من السواقى، فكنت ترى فى الصباح أسرابا من الصبايا يحملن جرات الماء، وحولهن ظلال من الهوى والمرح والشباب النشوان، وأنه فى تلك الأيام أيام الشباب كان يخرج لصلاة الصبح ثم ينتقل مسرعا إلى داره، فيسحب البقرة أو الجاموسة أو الجمل، ويخرج إلى الغيط وهو مسرور، لأنه سيشهد أسراب الصبايا فى طريقهن إلى السواقى أو النيل، وكانت تلك المشاهد تتكرر فى الصباح، وفى الأصيل من كل يوم، فكان شباب الريف يمشون بقلوب مشبوبة فى الغدوات والأصائل، وكان الشباب لا يغدو ويروح إلا بقلب مفتون».
أما الصورة الأخرى فيرسمها فى مقدمة كتابه «التصوف الإسلامى»، قائلا: «كنت فى حداثتى كأكثر من ينشئون فى الريف، أشهد مجالس الصوفية، وكان لأبى صلات روحية بأهل الطريق، وكنت أعرف وأنا طفل أن أبى موصول العهد برجل صالح اسمه محمد سعد، وكذلك درجت على احترام أرباب الصوفية»، ويعلق الجندى: «هكذا يجمع زكى مبارك بين شخصيتين مختلفتين فى أعماقه لعلهما استمرتا تتنازعانه طوال حياته، صورة الشاعر المفرد، والإنسان الولهان، وصورة الصوفى المؤمن المحب لله».
تعلم فى كتاب القرية وحفظ القرآن فيه، وكان متطلعا فى خلال هذه الفترة إلى نظم المواويل، ولم يلبث أن وجد طريقه إلى الأزهر من قرية سنتريس سنة 1910، وحسب الجندى، فإنه تأثر فيه بالشيخ سيد المرصفى، والشيخ محمد المهدى، وكان لهما أثرهما فى طريقة فهمه للشعر، فبعد أن كان يكتبه بالمكيال حتى تصل القصيدة إلى ثلاثمائة بيت، عاد إلى المقطوعة الواحدة حتى كان يكتب بيتا واحدا، وعلى سبيل المثال نشر فى مجلة السفود سنة 1916 قصيدة من بيت واحد بعنوان «ظلام الليل»: «وجن عليِ الليل حتى حسبته / جفاء كريم أو رجاء لئيم».
كان ممن عرفوا الحزب الوطنى فى شبابه وترأس جريدة «الأفكار»، واشترك فى ثورة 1919 وكان من خطبائها المبرزين، واعتقله الإنجليز واستمر فى المعتقل مدة عام، وهجر الأزهر إلى الجامعة المصرية، وكان خامس من حصلوا على الدكتوراه منها عام 1924، عن «الأخلاق عند الغزالى»، ثم حصل من جامعة السوربون بفرنسا يوم 25 أبريل 1931 على الدكتوراه الثانية عن «النثر الفنى»، وحصل على الثالثة بعنوان «التصوف الإسلامى» فى 14 أبريل 1937، وبعدها أطلق على نفسه «الدكاترة زكى مبارك».
له نحو 40 مؤلفا أبرزها، «مراجع العشاق، عبقرية الشريف الرضى، الأسمار والأحاديث، فى الأدب والأخلاق، الأخلاق عند الغزالى، الموازنة بين الشعراء، وحى بغداد، ليلى المريضة فى العراق، حب ابن أبى ربيعة، اللغة والدين والتقاليد، جناية أحمد أمين على الأدب العربى، ذكريات باريس، العشاق الثلاثة، وفى رصيده مئات المقالات فى الصحف، وكثير من المعارك التى خاضها ضد أكبر مفكرى وأدباء عصره.
يراه فتحى رضوان فى كتابه «أفكار الكبار»: «ممن نأوا بأنفسهم عن السلطة من جهة، وممن حرصوا على خصائص المصرى الأزهرى الريفى، وإن كان قد فتح عقله وقلبه لكل مفاتن وحقائق ولذائذ الحضارة الغربية، ولكنه حرص على أن يبقى فى الجوهر مصريا، عربيا مسلما حرا، لا يدين بفضل إلا لمن علموه وأرشدوه، ولا يبيع قلمه ولا لسانه لحاكم ولا لحزب ولا لصاحب جاه»، ويدلل رضوان على ذلك بما قاله «مبارك» فى جريدة الأفكار سنة 1919: «تنصحنى يا هذا بأن أجامل وبأن أصانع بل تريد أن أنافق، ويحك إنما ينافق الضعفاء، إن الله لم يخلقنى لأكون ألعوبة، أدارى هذا، وأحابى ذاك، أنا فى نعمة من ذلك لا أبالى بعدها أين يكون سخطكم، وأين يكون رضاكم».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة