كشفت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية عن خلاف صريح دب بين رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ومؤسسته الأمنية حول إمكانية التوصل لاتفاق مع الفصائل الفلسطينية، من شأنه أن يخفف من حدة التوترات المتصاعدة فى المنطقة.
وذكرت الصحيفة - في سياق مقال تحليلي بعددها الصادر اليوم الثلاثاء، كتبته رئيسة التحرير رولا خلف - أن نتنياهو بات على خلاف حاد مع رؤساء الأجهزة الأمنية بشأن اتفاق محتمل لوقف القتال في قطاع غزة وتخفيف حدة التوترات المتصاعدة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، في حين يسعى مسئولون دفاعيون إسرائيليون إلى إبرام الاتفاق.
يأتي الخلاف - وفقا للصحيفة - داخل أعلى المؤسسات الأمنية الإسرائيلية في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة للرد على عملية انتقامية محتملة من جانب إيران وعملائها بالوكالة بسبب اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والقيادي العسكري لحزب الله اللبناني فؤاد شكر الأسبوع الماضي.
في الوقت نفسه، انتهج نتنياهو في الأسابيع الأخيرة موقفا أكثر تشددا في المحادثات الجارية مع حماس، الأمر الذي يعرض صفقة محتملة من شأنها أن تشمل إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين الذين تم أسرهم خلال هجمات 7 أكتوبر للخطر، في حين قال شخص مطلع على المداولات الإسرائيلية - في تصريح خاص للصحيفة - إن "هناك اختلافات في الرأي حول مزايا الاتفاق بين نتنياهو وكبار رؤساء الأجهزة الأمنية".
وقال الشخص الذي لم تذكر الصحيفة اسمه:" في الوقت الحالي يعتقد جميع المسئولين الأمنيين أنه لا يوجد عائق لإسرائيل أمام التوصل إلى اتفاق، لكن يتعين على نتنياهو الموافقة".
وبحسب الصحيفة، يعتقد الدبلوماسيون الدوليون أن وقف إطلاق النار في غزة قد يفتح أيضا نافذة لاتفاق لتهدئة التوترات بين إسرائيل وحزب الله.
وأفادت وسائل إعلام محلية بأنه من بين المسئولين الأمنيين الذين يؤيدون الاتفاق، رئيس قوات الدفاع الإسرائيلية هيرتسي هاليفي ورئيس وكالة التجسس "الموساد" والمفاوض الرئيسي في المحادثات ديفيد برنيع ورئيس وكالة الأمن الداخلي "شين بيت" رونين بار، في حين قال شخص آخر مطلع على الوضع إن جميع الشخصيات الدفاعية التي حضرت اجتماعا مثيرا للجدل الأسبوع الماضي فضلت التوصل إلى اتفاق.
وينظر أيضا إلى وزير الدفاع يوآف جالانت على أنه يؤيد التوصل إلى اتفاق، حيث قال يوم الأربعاء الماضي في مكالمة هاتفية مع نظيره الإيطالي إن هناك "أهمية فورية للتوصل إلى اتفاق بشأن إعادة المحتجزين".. لكن مقتل هنية، الذي كان نقطة الاتصال الرئيسية لحماس مع الوسطاء، من شأنه أن يؤدي إلى تراجع المحادثات.
وأشارت "فاينانشيال تايمز" - في مقالها - إلى أنه في أعقاب الاغتيالين، أعلنت إسرائيل مسئوليتها عن الضربة التي قتلت فؤاد شكر في جنوب بيروت الأسبوع الماضي، لكنها لم تؤكد أو تنف أنها قتلت هنية بعد ساعات في العاصمة الإيرانية.
وأبرزت الصحيفة أن الخلاف بين نتنياهو ورؤساء دفاعه خرج إلى العلن في نهاية الأسبوع عندما أفادت وسائل إعلام الإسرائيلية، من بينها قناة 12 الإخبارية، بتراشق كلامي في وقت متأخر من الليل بين رئيس الوزراء وكبار المسئولين الأمنيين.
وقال رؤساء الأمن الإسرائيليون "إنه بعد 10 أشهر من الحرب، لحقت أضرار بحماس تكفي لإضعاف قدراتها العسكرية والتهديد الذي تشكله في قطاع غزة، وهو هدف حاسم للحرب.. ولكن في الوقت نفسه، يعتقدون أن هناك فرصة محدودة حاليا لإطلاق سراح المحتجزين الـ 115 المتبقين من الآسر والذين لم يعد ثلثهم على الأقل على قيد الحياة حيث توفى عدد منهم في الأشهر الأخيرة.
وتعثرت المحادثات بشأن اتفاق وقف إطلاق النار مقابل المحتجزين في غزة لعدة أشهر، حيث أصرت حماس في الأصل على أن أي اتفاق يجب أن يوفر ضمانا مقدما بأن الحرب ستنتهي بشكل دائم، وهو الأمر الذي رفض نتنياهو النظر فيه غير أن حماس وافقت في الشهر الماضي على تأجيل المفاوضات حول كيفية إنهاء الحرب لحين اكتمال المرحلة الأولى من الاتفاق المكون من ثلاث مراحل، فيما اعتبرته الحركة تنازلا كبيرا من جانبها.
وعلى صعيد متصل، قالت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية إن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) واجهت عاصفة من الهجمات من جانب أجزاء من المؤسسة السياسية الإسرائيلية التي تريد حلها والتي تزعم بأن تفويضها لرعاية اللاجئين الفلسطينيين من حرب عام 1948 التي أدت إلى إنشاء إسرائيل أدى إلى إدامة الصراع العربي الإسرائيلي الطويل الأمد بدلا من المساعدة في حله (على حد وصفها).
وأشارت الصحيفة إلى أن الأونروا فصلت تسعة موظفين ربما يكونوا قد شاركوا في هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي والذي أشعل فتيل الحرب في غزة، غير أنها لم تقدم التفاصيل بشأن الأدلة على ذلك.
ونسبت الصحيفة - في تعليق أوردته اليوم - إلى نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق أن التحقيق الداخلي الذي أجرته الهيئة الأممية "لم يتمكن من التحقق بشكل مستقل من صحة معظم المعلومات المقدمة لها" حيث ظلت "المعلومات التي استخدمها المسؤولون الإسرائيليون لدعم الادعاءات" في عهدة إسرائيل.
وأشارت إلى أن التحقيق الذي أجراه مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة خلص إلى أنه لا توجد أدلة كافية تشير إلى أن تسعة موظفين آخرين في الأونروا تم التحقيق معهم شاركوا في الهجوم. ولم ترد أي أدلة في حالة أخرى، /على حد قولها/.
من جانبه، قال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني "إنه بعد تحقيق داخلي أجرته الأمم المتحدة فإن الأدلة ضد التسعة "إذا تم التحقق منها وتأكيدها قد تشير إلى أن "الموظفين ربما يكونوا قد شاركوا" في الهجوم.
وبدأت الأمم المتحدة تحقيقاتها بعد أن زعمت إسرائيل في تقرير قدم إلى الدبلوماسيين، وتم تسريبه في يناير الماضي، أن ما لا يقل عن 12 من أصل 13 ألف فلسطيني يعملون لدى الأونروا في غزة قد شاركوا في هجوم حماس.
وأضافت الصحيفة أن الأونروا كانت قد فصلت في السابق 10 موظفين بينما عثر على اثنين آخرين من المتهمين، متوفيين. لكن الوكالة اشتكت من أن إسرائيل لم تشارك الأدلة التي استندت إليها مزاعمها.
وأوضحت الصحيفة أنه لم يتم إثبات مزاعم أخرى في التقرير المسرب، بما في ذلك أن 190 موظفا في غزة كانوا من نشطاء حماس أو جماعة الجهاد الإسلامي الفلسطينية.
وعلى خلفية ذلك فقد استجابت أمريكا وبريطانيا وعشرات المانحين الآخرين لمزاعم إسرائيل بتعليق حوالي 440 مليون دولار من التمويل للوكالة.
وذكرت حكومة حزب العمال الجديدة في المملكة المتحدة الشهر الماضي أنها ستستأنف تمويل الأونروا، لتنضم إلى الاتحاد الأوروبي ودول أخرى في استعادة المساعدات للوكالة التي تقدم مساعدات إنسانية حيوية لمئات الآلاف من الفلسطينيين المحاصرين في غزة.
يشار إلى أن الأونروا هي الوكالة الرئيسية للأمم المتحدة المسؤولة عن أكثر من 5 ملايين لاجئ فلسطيني في ولبنان وسوريا والأردن ونازحين في غزة والضفة الغربية المحتلة.
وقال لازاريني - في بيان نقلته الصحيفة - "إن أولوية الوكالة هي مواصلة الخدمات المنقذة للحياة والحيوية للاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء المنطقة، لا سيما في مواجهة الحرب المستمرة وعدم الاستقرار وخطر التصعيد الإقليمي".