كشفت الدكتورة حنان حسن بلخي المدير الاقليمى لشرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، أنه في الأسبوع الأخير من شهر يوليو دعمت منظمة الصحة العالمية الإجلاء الطبي لنحو 100 مريض من غزة يعانون مجموعةً من حالات طبية خطيرة، ومعهم مرافقوهم، إلى بلجيكا وإسبانيا والإمارات العربية المتحدة.
وعن السودان قالت المدير الاقليمى لشرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، إن المستوى المفزع من انعدام الأمن الغذائي يكشف عن واقع مأساوي تقشعر له الأبدان، ويظهر أحدث تحليل أجرته لجنة مراجعة المجاعة، ضمن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أن العنف المستمر قد دفع أجزاءً من شمال دارفور، ولا سيما مخيم زمزم، إلى هاوية المجاعة، ومخيم زمزم أحد أكبر مخيمات النازحين داخليًا، إذ يقدر عدد سكانه بنحو 500 ألف شخص على الأقل.
وذكرت اللجنة أن مناطق أخرى في السودان –في دارفور وغيره– قد تكون على شفا المجاعة، وأن خطر اتساع نطاق المجاعة لا يزال قائمًا ما دام النزاع مستمرًا ووصول المساعدات الإنسانية مقيدًا.
ولفتت إلى إن هذا التدهور المأساوي - كان بالإمكان تفاديه تمامًا- يرفع سقف التحديات أمام عملياتنا الإنسانية ويزيد مخاطرها بشكل كبير، فنحن بحاجة ماسة إلى الوصول إلى المحتاجين عبر جميع الطرق الممكنة، وخاصةً المعابر الحدودية، وقد حققنا نجاحًا متواضعًا الأسبوع الماضي، إذ تمكنا من إيصال بعض الإمدادات الطبية إلى شرق دارفور وجنوبه، غير أنه إذا أردنا حقا تلبية الاحتياجات الملحة المنقذة لحياة الفئات الأكثر ضعفًا وعرضةً للمخاطر في دارفور، فإن فتح معبر أدري الحدودي بين تشاد والسودان أمر حيوي لا غنى عنه.
وقالت، إنه في شتى أنحاء السودان، لا يزال النزاع يسبب نزوح الآلاف وتشريدهم، لا يزال السودان يمثل أكبر أزمة نزوح في العالم، إذ أجبر 13 مليون شخص على ترك ديارهم، ولقد تفاقم الوضع بشدة على إثر الأمطار الغزيرة الأخيرة في الشرق والجنوب والغرب، فقد أجبرت المزيد والمزيد من الناس على النزوح، وعرقلت إيصال المساعدات الإنسانية.
وأضافت: أصبت بالذهول والغضب الشديد عند الاطلاع على تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الذي يستعرض بالتفصيل انتشار العنف الجنسي على نطاق واسع في جميع أنحاء البلاد، فقد تعرضت فتيات لا تتجاوز أعمارهن 9 سنوات ونساء في الـ 60 من العمر للاغتصاب والاغتصاب الجماعي على أيدي الأطراف المتحاربة، ولعل اتخاذ الاغتصاب الممنهج سلاحًا في هذه الحرب هو الوجه الأكثر وحشيةً وفظاعةً في هذا النزاع.
وتابعت: مرةً أخرى، كشفت الأحداث المتتابعة والجسيمة في الأسبوعين الماضيين عن عمق وتعقيدات نطاق حالات الطوارئ في جميع أنحاء الإقليم، فقد شهدت هذه الفترة الوجيزة سلسلةً من التطورات المقلقة، بدءًا باكتشاف سلالات متحورة من فيروس شلل الأطفال في غزة، ومرورًا بضربات عسكرية واغتيالات في عدة دول، الأمر الذي ينذر بتهديدات أشد للأمن الإقليمي، ووصولًا إلى إعلان تحقق ظروف المجاعة في شمال دارفور بالسودان، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد إلى موجات حر وفيضانات قاتلة تبرز مجددًا الآثار المتزايدة للتغير المناخي.
مستجدات الأمور في الأرض الفلسطينية المحتلة
ولفتت إلى أن نقل 85 مريضًا إلى الإمارات الأسبوع الماضي شكل أكبر عملية إجلاء طبي منذ أكتوبر 2023 ، حيث اتسمت العملية بتعقيد بالغ، إذ نقل المرضى ومقدمو الرعاية من جميع أنحاء غزة إلى معبر كرم أبو سالم، ومن هناك إلى مطار إسرائيلي، قبل أن يستأنفوا رحلتهم إلى الإمارات العربية المتحدة.
وتعزى صعوبة الرحلة وطبيعتها الشاقة، إلى حد كبير، إلى إغلاق معبر رفح منذ السادس من مايو الماضي. ولقد دأبنا منذ أشهر على الدعوة لفتح جميع الطرق الممكنة أمام المرضى، وعلى رأسها معبرا كرم أبو سالم ورفح إلى الأردن ومصر، ومن هناك إلى بلدان أخرى.
وأضافت: نواصل أيضًا الدعوة إلى استئناف تحويل المرضى وعمليات الإجلاء إلى الضفة الغربية، وخصوصًا القدس الشرقية، إذ لا يزال أكثر من عشرة آلاف شخص في غزة بحاجة إلى الإجلاء الطبي.
وقالت، إنه ثمة قلق بالغ جراء اكتشاف نوع متحور من فيروس شلل الأطفال من النمط الثاني في عينات بيئية في غزة، وعلى الرغم من عدم اكتشاف أي حالات سريرية لشلل الأطفال حتى الآن، فإن المخاطر المحدقة بالأطفال جسيمة وكثيرة، الأمر الذي يستدعي منا تحركًا عاجلًا لاحتواء الفيروس والحيلولة دون انتشاره، ولهذه الغاية، تتعاون منظمة الصحة العالمية مع وزارة الصحة واليونيسف في اتخاذ عدة تدابير رئيسية، ومنها مثلًا خطط لعدة حملات تطعيم ضد شلل الأطفال.
وطالبت: نحن بحاجة إلى وقف دائم لإطلاق النار، لضمان تنفيذ هذه الحملات بنجاح، وشددت على أن الإخفاق دون تحقيق ذلك يعني المجازفة بانتشار الفيروس على نطاق أوسع، وحتى عبر الحدود، حيث يساور المنظمة قلق بالغ إزاء التصعيد المتواصل للأحداث في جميع أنحاء الإقليم.
وأوضحت أنه خلال الأسبوعين الماضيين، أدت الضربات القاتلة ضد المدنيين والكيانات السياسية والبنى التحتية إلى تفاقم سريع لمخاطر اندلاع حرب أوسع نطاقًا.
مبينة أن منظمة الصحة العالمية تضطلع بدورها في هذا الصدد، ففي لبنان، نعكف على نشر خبراء في حالات الطوارئ وإرسال الإمدادات الحيوية لدعم وزارة الصحة، وزودنا أيضًا مركز عمليات الطوارئ التابع لوزارة الصحة بالمعدات والدعم الفني والكوادر اللازمة لتنسيق أنشطة الطوارئ وضمان سلامة أنظمة الترصد وتوفر الإمدادات الكافية في المستشفيات، وعززت المنظمة أيضًا قدرات 98 مستشفًى على التدبير العلاجي للإصابات الجماعية، بالإضافة إلى التخزين المسبق لـ 20 مجموعةً من لوازم إسعاف المصابين وغيرها من المستلزمات المنقذة للحياة.
واستطردت : نتعاون أيضًا مع المسؤولين الصحيين في سوريا وإيران والأردن وبلدان أخرى لوضع خطط طوارئ احتياطية، ونأمل وندعو ألا نضطر يومًا إلى تفعيل هذه الخطط.
وتحدثت الدكتورة حنان حسن بلخي عن الظواهر المناخية القصوى، ومنها الفيضانات وموجات الحر والعواصف، في تعطيل حياة الناس وسبل عيشهم، وأضافت: وردتنا تقارير عن وفيات وإصابات نجمت عن موجات الحر في بعض بلدان المنطقة، وأسفرت الفيضانات العارمة التي اجتاحت أفغانستان مؤخرًا عن سقوط 58 قتيلًا وإصابة 380 شخصًا.
ولفتت بلخي إلى أن منظمة الصحة العالمية سارعت إلى دعم نظام الرعاية الصحية عبر إيصال أكثر من 160 طنًا متريًا من الإمدادات الطبية، ونشر 24 سيارة إسعاف للإحالات، وتفعيل أنظمة إدارة التدبير العلاجي للإصابات الجماعية، وإرسال 16 فريقًا متنقلًا للصحة والتغذية.
وأضافت : تأتي هذه الفيضانات وموجات الحرارة في سياق مناخ قاس يزيد وتيرة وقوع الحوادث المناخية القاسية وشدتها، ولهذه الحوادث أيضًا آثار أوسع نطاقًا على الصحة، ومنها زيادة انتشار الأمراض المحمولة بالنواقل والأمراض المحمولة بالماء كحمى الضنك والكوليرا، وزيادة مضاعفات الأمراض غير السارية، وخفض إنتاج الغذاء، وتقلص القوى العاملة الصحية، وتضرر البنى التحتية الصحية، بالإضافة إلى الأثر النفسي والعقلي.
وحذرت مما يشكله تغير المناخ من تهديد جوهري لصحة البشر، مطالبة بالانتقال إلى إجراءات جماعية وملموسة، وإدراك أن هذا التهديد لا يعرف ولا يقف عند الحدود، الأمر الذي يجعل الجميع عرضةً للخطر.
وأوضحت بلخي أن السكان المدنيين، الذين يرزحون بالفعل تحت وطأة العنف ويعانون الجوع والمرض، يجب ألا يتعرضوا لمزيد من التهديدات.
كما تحدثت بلخي عن الجهود المبذولة في سبيل تحسين فرص الحصول على الرعاية الصحية في هذه البلدان تأثرت بالفعل بمحدودية القدرات والموارد الصحية، وآثار العقوبات، والبنية التحتية المدمرة، ولا يسع هذه الجهود تحمل المزيد من العراقيل، ويجب أن ينصب تركيزنا الجماعي على دفع خطة الصحة الإقليمية قدمًا، وتجنب تعرضها لمزيد من الانتكاسات.
وأكدت، أن كل دولة عضو لها مصلحة في ضمان الأمن البشري والصحي لإقليمنا، ولا بد من بذل كل الجهود الدبلوماسية لمنع تفاقم هذا الوضع المقلق، وبينما تتعاون المنظمة مع الشركاء في سبيل إنقاذ كل حياة نستطيع إنقاذها، فإننا نحتاج إلى التزامات من جميع الأطراف المتحاربة باحترام قدسية الرعاية الصحية احترامًا تامًا غير مشروط.