تعزيز دور الإعلام بدا أولوية كبيرة، منذ ميلاد "الجمهورية الجديدة" قبل عشرة أعوام، وهو ما تجلى على العديد من الأصعدة، ربما أبرزها الحرب التوعوية التي خاضتها الدولة المصرية في الحرب على الإرهاب، والذي يعد باكورة التحديات التي واجهتها في أعقاب ثورة 30 يونيو، وهو الركن الذي لعب فيه الإعلام الدور الرئيسي من خلال دحض الأفكار التي طالما روجت لها جماعات الظلام، مما ساهم في تجريدها من أحد أبرز عناصر القوة التي تمتلكها، وهو الفكر المتطرف، بينما نجح الترويج الإعلامي للبعد الفكري، ساهم في استلهامها من جانب قوى دولية كبيرة، خاصة في الغرب الأوروبي، بعدما نجحت التنظيمات الإرهابية، من اختراقها أمنيا عبر بث سمومها من خلال التكنولوجيا الحديثة، لتستند هي الأخرى إلى الألية الفكرية في مجابهة هذا التحدي الضخم، إلى جانب الملاحقة الأمنية.
والحديث عن استلهام التجربة المصرية في الحرب ضد الارهاب بمثابة حجر الزاوية في بناء حالة من الثقة الدولية في قدرات الدولة على مجابهة التحديات، والتي تشترك فيها مع العديد من دول العالم باختلاف تصنيفاتها، بينما يرجع الفضل في ذلك، في جزء كبير منه إلى الإعلام الذي يلعب دورا رئيسيا في تسويق التجربة المصرية، وبالتالي القدرة على تعميمها، خاصة في مناطقها الجغرافية، بينما ساهم بصورة أخرى إلى تعزيز الرؤى المصرية تجاه العديد من القضايا الدولية والإقليمية، وأحدثها العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، والذي مثلت فيه أدوات مصر الناعمة، وفي القلب منها الإعلام، دورا لا يقل أهمية عن الدور الذي لعبته الدبلوماسية الرسمية، مما يعكس قراءة متأنية لطبيعة المعركة التي تخوضها إسرائيل وحقيقة الأهداف من ورائها.
فلو نظرنا إلى التحركات الإسرائيلية منذ بدء العدوان على غزة، نجد أن الاحتلال والمنصات الموالية له، خاضوا حربا إعلامية اعتمدت نشر الأكاذيب حول عملية طوفان الأقصى في أكتوبر الماضي، تهدف في الأساس إلى استمالة الرأي العام العالمي نحو رؤية الدولة العبرية، بينما تصدى لها الإعلام المصري عبر توضيح الحقائق وفضح الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الاحتلال لتضع العالم أمام اختيار أخلاقي، إما الانتصار لمبادئ حقوق الإنسان التي طالما روج إليها لعقود طويلة من الزمن أو دعم الانتهاكات التي طالت النساء والشيوخ والأطفال من الفلسطينيين في قطاع غزة بهدف إجبارهم على ترك أراضيهم وتجريدهم من أرضهم التي تمثل أحد أهم أركان الدولة الفلسطينية المنتظرة.
نجاح الإعلام المصري، والذي يعد أحد أبرز أدوات مصر الناعمة، انعكس في العديد من المراحل خلال الأشهر الماضية، ربما أحدثها تصدر القاهرة قائمة أكبر 10 دول أفريقية تتمتع بأكبر تأثير للقوة الناعمة فى العالم، بينما سبق ذلك العديد من الانتصارات التي خدمت القضية الفلسطينية، والعديد من القضايا المرتبطة بمحيطيها الإقليمي والدولي.
فعلى صعيد القضية الفلسطينية، نجد أن نجاح دبلوماسية مصر الناعمة، عبر ذراعها الإعلامي، في دحض أكاذيب الاحتلال وفضح انتهاكاته في غزة، لعبت دورا رئيسيا في فضح مخططاته، وهو ما ساهم في تجريده من حالة التعاطف الدولي التي حظي بها مع اندلاع طوفان الأقصى، وهو ما بدا في الضغوط الدولية التي يمارسها أقرب حلفاء إسرائيل على رئيس وزراءها بنيامين نتانياهو، لوقف إطلاق النار وتمرير المساعدات الإنسانية، بل وإعلان عدة دول أوروبية، من المعسكر الموالي للدولة العبرية، اعترافهم بدولة فلسطين، وموافقة الغالبية العظمى من دول العالم على منحها العضوية الكاملة بالأمم المتحدة، في صفعات مؤلمة للاحتلال وحكومته.
الدور الكبير للإعلام المصري، في دعم القضية الفلسطينية خلق تقاربا ملموسا مع المحيط الإفريقي، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث ساهم بصورة كبيرة في تعزيز التضامن القارى مع القضية المركزية في الشرق الأوسط، وهو ما تجلى في الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا، أمام محكمة العدل الدولية حول الانتهاكات المرتكبة في غزة، مما أضفى مزيد من الزخم على القضية، وأكسبها المزيد من الشرعية.
وعودة الزخم لحالة التضامن الأفريقي مع القضية الفلسطينية يعد ثمرة مهمة للتقارب الكبير بين مصر ودول القارة خلال السنوات الماضية، والتي تمكنت خلالها الدولة المصرية عبر دبلوماسيتها الرسمية وأدواتها الناعمة من استعادة مكانتها في إفريقيا بعد سنوات من التباعد، وهو ما ظهر جليا في الدفاع عن مصالحها في العديد من المحافل الدولية، ناهيك عن تعميم تجاربها التنموية في دول القارة، على غرار الدور الفعال في بناء سد تنزانيا الذي يمثل طفرة تنموية مهمة في مجال الطاقة الكهرومائية.
وهنا يمكن القول بأن أدوات مصر الناعمة، بقيادة الإعلام الواعي، لعبت دورا محوريا في تعزيز دورها في كافة أقاليمها الجغرافية، مما ساهم بصورة كبيرة في خدمة القضايا الرئيسية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والتي حققت العديد من المكاسب رغم العدوان الراهن وما أسفر عنه من دمار، يمكن البناء عليها في المستقبل من أجل تحقيق خطوات فعالة على طريق حل الدولتين.