يستعد الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب ونائبة الرئيس كامالا هاريس لمواجهة قوية تجمع بينهما خلال الساعات القادمة فى المناظرة الرئاسية، ورغم أن المناظرات لا تؤثر بشكل واضح فى نتائج الانتخابات نفسها، إلا أنها لها أهمية كبيرة فى استعراض كل مرشح لقدراته وسياساته.
تشبه المناظرات الرئاسية فى الولايات المتحدة مباريات كرة القدم فى الأدوار التمهيدية للبطولات الكبرى، ففوزك بها يمنحك نقاطا لكنها وحدها ليست كافية للوصول إلى الدور التالى، لكنها أيضا ليست كما يعتقد البعض أنها أشبه بمباراة الهدف الذهبى، الذى يؤّمن من يحرزه الفوز فورا.
تنتمى كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية فى انتخابات أمريكا 2024 إلى الفريق الأول على ما يبدو، وتسعى إلى تعزيز فرصتها فى الفوز بأداء قوى تستعرض فيه أجندتها بشكل واضح وتظهر فيها أيضا قدرات خطابية تحتاجها بشدة فى مواجهة خصم عنيد. بينما يتمنى ترامب أن يحرزا هدفا ذهبيا فى المناظرة يقضى به على منافسته، مثلما فعل فى مناظرته مع بايدن فى يونيو الماضى.
فى المناظرة، تلعب المهارات الخطابية دورا كبيرا فى جنى النقاط أيا كانت السياسة التي يتحدث عنها المرشح، فربما يكون لديه برنامج قوى وخبرة عظيمة، لكن عدم قدرته على استعراض ذلك بالخطاب والنيل من المنافس بالكلمات، ربما يهدر فرصته.
ويحمل تاريخ المناظرات الرئاسية الأمريكية يحمل الكثير من الدروس لكلا المرشحين إذا أراد أيا منهما أن يضمون الوصول إلى البيت الأبيض. تعود المناظرة كفكرة تعود إلى القرن التاسع عشر، حيث، بدأت أول مرة فى عام 1858 عندما عقدت سبع مناظرات بين أبراهام لينكولن والسناتور ستيفين دوجلاس فى إطار سباقهما على مقعد مجلس الشيوخ، وكان بدون وسيط يدير المناظرة، وقامت على أساس أن يلقى كل واحدا منهما خطابا مدته ساعة، ثم يكون لكل مرشح فرصة ساعة ونصف لتقديم الحجج، ثم ينهى المرشح الأول المناظرة برد يستمر نصف ساعة.
لكن أول مناظرة رئاسية يتم بثها تلفزيونيا فى الولايات المتحدة كانت فى عام 1960 بين نائب الرئيس الجمهورى ريتشارد نيكسون والمرشح الديمقراطى جون كينيدى. وجاءت تلك المواجهة مع إدراك لأهمية التلفزيون لدى الشعب الأمريكى فى التعرف على المرشحين وبرامجهم وسياساتهم وحتى مظهرهم. وشاهد هذه المناظرة 66 مليون شخص أى ما يقرب من ثلث سكان الولايات المتحدة.. وتعرفوا فيها على جون كينيدي، الشاب الطامح فى البيت الأبيض الذى بدا واثقا من نفسه وثابتا، بينما كان منافسه ريتشارد نيكسون غير مرتاح وغير قادر على مواجهة خصمه، وحقق كينيدى مفاجأة وفاز فى هذه الانتخابات بفارق ضئيل.
فى انتخابات عام 1976، جرت المناظرة بين الجمهورى جيرالد فورد نائب نيكسون الذى خلفه فى الحكم عقب استقالته على خلفية فضيحة وترجيت، فى مواجهة حاكم ولاية جورجيا الديمقراطى جيمى كارتر الذى استطاع أن يحقق الفوز، وقال المحللون حينئذ إن فُورد هزم بسبب هفوته فى تلك المناظرة التى قال فيها إن الاتحاد السوفيتى لن يهيمن على دول أوروبا الشرقية ما دام رئيسا للولايات المتحدة.
لكن فى عام 1980، لم يحالف الحظ كارتر للفوز بفترة رئاسية ثانية فى منافسته مع رونالد ريجان.ولم يكن ريجان مرشحا عاديا بل كان ممثلا سبق له المشاركة فى عدد من أفلام هوليود، واستعان بمهاراته التمثيلية واعتياده الوقوف أمام الكاميرات، حيث توجه للأمريكيين قائلا: " هل تشعرون أنكم أفضل مما كنتم عليه قبل أربع سنوات". كما وقع كارتر فى خطأ حيث قال خلال المناظرة، "كنت أتناقش مع ابنتى إيمى صباح اليوم وسألتها عن أهم قضية، فقالت إنه سباق التسلح النووى مع روسيا"، الأمر الذى جعله يبدو ضعيفا فى مواجهة الشيوعية.
فى عام 1984، خاض ريجان مناظرة أخرى أمام منافسه عن الحزب الديمقراطى والتر مونديان الذى حاول استغلال كبر سنه، حيث كان يبلغ من العمر 73 عاما ليضعف من موقفه. لكنه قلب الأمر ضد منافسه عن قال "لن استغل شباب خصمى وخبرته المحدودة لأسباب سياسية".
وكانت المناظرة الرئاسية فى انتخابات عام 1992استثنائية. فلم تقتصر على مرشحى الحزبين الكبيرين الجمهورى والديمقراطى جورج بوش "الأب" وبيل كلينتون، بل شارك فيها المرشح المستقل روس بيرو.. ورغم أن كلينتون استطاع أن يهيمن على المناظرة بأسلوبه وسعيه لمخاطبة الجمهور والحديث عن التغيير والمستقبل، إلا أن بيرو استطاع أن يحقق نجاحا وظهورا واضحا وحصد 19% من الأصوات كأكبر نسبة يحققها مرشح مستقل.
وفى عام 2012، خاض الرئيس باراك أوباما ثلاث مناظرات أمام منافسه الجمهورى ميت رومنى، استطاع رومنى فى أولها أن يتفوق على خصمه خاصة فى الحديث عن الاقتصاد لكن أوباما سرعان ما استعاد توازنه فى المناظرتين الأخرتين واستطاع التفوق فيهما.
أما فى انتخابات 2016، فكان ترامب مفاجئا فى حدة هجومه على منافسته الديمقراطية هيلارى كلينتون، ولم يتردد فى استخدام الإهانات وإطلاق أوصاف مسيئة وتوجيه اتهامات حادة وقوية والتلاعب بالحقائق والأرقام ضد الخصم. واستطاع ترامب بأدائه أن يوسع قاعدة ناخبيه ويحقق المفاجأة الكبرى بالفوز بالانتخابات رغم أن كل التوقعات كان تصب فى صالح كلينتون.
ورغم أن هذه الاستراتيجية لم ترجح كفة ترامب فى انتخابات 2020 بعد أن خسرها أمام بايدن، لكن لا يزال يؤمن بقدرتها على تعزيز فرصه فى الفوز فى السباق الحالي، وهو ما ستكشف عنه الأسابيع القادمة.