23 عاما مرت على الحدث الذى غير العالم، وهو هجمات 11 سبتمبر الإرهابية التي أطلقت شرارة حروب لا تزال تداعياتها مستمرة حتى الآن، وفتحت الباب أمام جماعات إرهابية أشد عنفا وأكثر تطرف لأن تنتشر وتتوغل فى شتى بقاع الأرض تحت مسميات مختلفة.
لا شك أن الهجمات المتزامنة التي وقعت صباح الثلاثاء الموافق من 11 سبتمبر 2001 قد قلبت الولايات المتحدة رأسا على عقب، وغيرت الكثير من السياسات الداخلية والخارجية. فقد أطلقت العنان لما يسمى بـ "الحرب على الإرهاب" لملاحقة تنظيم القاعدة، الذى أعلن مسئوليته هن تلك الهجمات، حتى تحول الآن وبعد مقتل زعيميه أسامة بن لادن ومحمد الظواهرى، جزءا من الماضى، لاسيما مع ظهور جماعات أخرى رفعت راية الإرهاب بعده، أبرزها داعش.
لكن الآن، وبعد أكثر من عقدين على اليوم الأكثر دموية فى تاريخ أمريكا، لم يعد إرهاب القاعدة وخلفائها التهديد الأكبر للولايات المتحدة أو أكثر ما تخشاه، وإن كان لا يزال قائما. بل ظهر إرهاب الداخل الذى يحمل عباءته ليس أصحاب اللحى الطويلة المنتسبين للإسلام، ولكن متطرفين أشد عنفا ينتمون لأيديولوجيات يمينية متشددة، وأحيانا قليلة يسارية، تقوم على رفض الآخر ومحاولة إقصائه بالقوة، مما يجعلها فى صدارة التهديدات للأمن القومى الأمريكي فى الوقت الراهن.
فى مارس 2023، رصد تقرير لمكتب المحاسبة الحكومى الأمريكي صعود الإرهاب الداخلى فى الولايات المتحدة فى السنوات الأخيرة، وقال إن على مدار العقد السابق ارتفعت تحقيقات الإرهاب المحلى بنسبة 357%. ووفقا لوزارة الأمن الداخلى، كان هناك 231 حادثا (سواء هجمات او مخططات لهجمات) تندرج تحت تعريف الإرهاب الداخلى بين عامي 2010 و2021. وقعت هذه الحوادث عبر أنحاء الولايات المتحدة، لكن العدد الأكبر منها كان فى الولايات التي يوجد بها مدن كبرى مثل كاليفورنيا (لوس أنجلوس وسان دييجو وسان فرانسيسكو)، ونيويورك وواشنطن.
وعن أسباب هذه الهجمات، قالت وزارة العدل إن 35% منها كانت دوافعه عرقية أو عنصرية، وكانت هذه الهجمات الأكثر دموية، مثل مقتل خمسة ضباط من الشرطة فى عام 2016 فى حادث ذي دوافع عنصرية، وفى مايو 2022 قتل شخص 10 من السود فى بوفالو بنيويورك. وكانت دوافع التطرف العنيف المناهض للحكومة أو السلطة ثانى أكبر الأسباب للإرهاب المحلى، وأسفر عن مقتل 15 شخصا. بينما كانت هناك حوادث إرهاب داخلى أخرى مرتبطة بالإجهاض وحقوق الحيوان وغيرها.
محاولة اغتيال ترامب
بعد سنوات بدا فيها الإرهاب المحلى أزمة تختمر ببطء، جاءت محاولة اغتيال الرئيس السابق والمرشح الجمهورى فى انتخابات الرئاسة الحالية لتجعل المشكلة فى صدارة المشهد السياسى الأمريكي. أحدث إطلاق النار على ترامب فى يوليو الماضى صدمة هائلة حيث جاء بعد عقود من اختفاء محاولات الاغتيال السياسى فى الولايات المتحدة، والتي كان أشهرها ما تعرض له الرئيس كينيدى عام 1963 باغتياله أثناء مرور موكبه فى تكساس.
وأعلن قال مكتب التحقيقات الفدرالي FBIأنه يحقّق في محاولة اغتيال ترامب باعتبارها عملا إرهابيا داخليا محتملا. وقال مساعد مدير قسم مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفدرالي روبرت إنهم يحققون فى الواقعة باعتبارها محاولة اغتيال، لكن يحققون فيها أيضا باعتبارها عملا إرهابيا داخليا محتملا.
رغم الصدمة، إلا أن الأمر لم يكن مفاجئا. فقبل أشهر من واقعة إطلاق النار على ترامب، تعالت الأصوات المحذرة من مشكلة الإرهاب المحلى مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.
ونشر مركز صوفان للتحليلات الاستخباراتية والأمنية تقريرا فى يناير 2024، قال فيه أن الإرهاب المحلى يظل مبعث قلق كبير مع اقتراب الانتخابات، لاسيما وأن أحداث اقتحام الكونجرس فى يناير 2021 لا تزال حاضرة بقوة فى الأذهان كونها مرتبطة بنتيجة انتخابات نوفمبر 2020.
وأشار التقرير إلى أن الإيديولوجيات اليمنية المتطرفة تمثل التيار السائد للإرهاب الداخلى فى الولايات المتحدة حث كان التطرف العنيف ذو الدافع العرقية والعنصرية مسئولا عن العدد الأكبر من حوادث الإهاب المحلى. ووجد التقرير أان المحاربين القدامى بالجيش الأمريكي كانوا أكثر عرضة واحتمالا للمشاركة مع جماعات وأنشطة متطرفة مقارنة بالجمهور العام.
ورغم تصاعد التهديدات القادمة من الداخل، لكن يظل الإرهاب بمفهومه الأوسع تهديدا يلاحق أمريكا، وهذا ما أكده مقال نشر فى يونيو الماضى فى دورية فورين أفيرز الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي بعنوان " أضواء التحذير من الإرهاب تومض باللون الأحمر مرة أخرى.. أصداء الفترة التي سبقت 11 سبتمبر".
وقال كاتبا المقال، مايكل جي كوريل، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA سابقا، وعالم السياسة الأمريكي غراهام أليسون، إن لنوايا المعلنة للجماعات الإرهابية، والقدرات المتنامية التي أظهرتها في الهجمات الناجحة والفاشلة الأخيرة في مختلف أنحاء العالم، وحقيقة إحباط العديد من المؤامرات الخطيرة في الولايات المتحدة، تشير إلى نتيجة غير مريحة ولكن لا مفر منها، وهي ببساطة أن الولايات المتحدة تواجه تهديداً خطيراً بحدوث هجوم إرهابي في الأشهر المقبلة.