تحظى الحرب التي تدور رحاها في السودان، بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، على اهتمام عالمى كبير على مستوى الحكومات والمنظمات الدولية، خاصة في ظل وقوع الآلاف من الضحايا نتيجة الحرب، وتدهور الأوضاع الإنسانية، نتيجة انتشار الأمراض المميتة، وعلى رأسهم الكوليرا، والسيول والفيضانات التي فاقمت الأزمة.
المنظمات الأممية، حرصت على متابعة الوضع في السودان عن كثب، خاصة أنها متدخلة بشكل كبير وواضح في أعمال الإغاثة، وتلعب دورا كبيرا فيما يخص محاولة توفير المساعدات للمدنيين في أماكن النزاع، خاصة أن العديد من المنظمات دقت ناقوس الخطر فيما يتعلق بالأمن الغذائي في مناطق عديدة في السودان.
مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: الصراع فى السودان خارج السيطرة
شددت ندى الناشف، مسئولة أممية، ونائبة مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، على ضرورة إنهاء معاناة السودان، ودعت المجتمع الدولى لعدم السماح باستمرار الأوضاع كما هى عليه في السودان.
وقالت الناشف:" بعد أكثر 16 شهرا، لا يزال الصراع في السودان يخرج عن نطاق السيطرة، ويتحمل المدنيون وطأة الأعمال العدائية"، خلال كلمتها أمام جلسة الحوار التفاعلي بشأن حقوق الإنسان في السودان في إطار الدورة العادية الـ 57 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، وفقا للموقع الرسمي للأمم المتحدة.
وقالت "إن الهجمات العشوائية واستخدام الأسلحة ذات التأثيرات واسعة النطاق في المناطق المكتظة بالسكان أسفرت عن سقوط آلاف الضحايا المدنيين وتدمير البنية التحتية الحيوية بما في ذلك المستشفيات والمدارس والأسواق، وتدمير مصادر كسب العيش"، مشيرة إلى أن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وثق في الفترة ما بين يونيو وأغسطس، أكثر من 864 حالة وفاة بين المدنيين في هجمات على مناطق سكنية في جميع أنحاء السودان.
وأثارت الناشف، قضية الاستغلال الجنسى كسلاح من بداية الصراع، مشيرة إلى أن مكتب حقوق الإنسان "منزعج بشكل خاص من استخدام العنف الجنسي كسلاح حرب منذ بداية الصراع"، حيث تم توثيق 97 حادثة شملت 172 ضحية، معظمهم من النساء والفتيات، وهو رقم يمثل أقل مما هو عليه الحال في الواقع، على حد وصفها، وأوضحت أن المسئولية عن %81 من الحوادث نُسِبت إلى رجال يرتدون زي قوات الدعم السريع ورجال مسلحين تابعين لهم.
وأشارت الناشف إلى أن المكتب وثق شهادات، عن عمليات إعدام بإجراءات موجزة وعنف جنسي ونزوح قسري ارتكبتها قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها، وخاصة استهداف قبيلة المساليت في غرب دارفور.
وأكدت أنه يتم تعبئة المدنيين، بمن فيهم الأطفال، وهو الأمر الذى يزداد كثافة في جميع أنحاء السودان، وخاصة على أسس قبلية، مضيفة :وهذا يفرض مخاطر اتساع نطاق الحرب الأهلية مع أبعاد عرقية أخرى".وشددت الناشف كذلك على أن "هذا الصراع العبثي له تأثير مدمر على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وخاصة الحق في الغذاء والسكن والتعليم".
منظمة الأغذية: شبح الجوع يخيم على نصف سكان السودان
ومن جهتها أطلقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" تحذيرا حول تدهور وضع الأمن الغذائي في السودان، وقال عبدالحكيم الواعر مساعد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، والممثل الإقليمي للشرق الأدني وشمال أفريقيا، أن الوضع الأمني الغذائي في السودان يدعو للقلق بشكل كبير .
وقال الواعر، إن نصف سكان السودان في مرحلة حرجة من الغذاء، جراء استمرار الصراع المسلح، وهو ما أدى إلى عدم قدرة المؤسسات الأممية والإنسانية من الوصول إلى المحتاجين للغذاء، وأوضح أن السيول والفيضانات، أدت لتزايد صعوبة الوضع، ومنعت القوافل من الوصول إلى ولايتي دارفور وكردفان في غرب السودان، وفقا لما نشرته وكالات الأنباء.
وقال إن المنظمة بادرت العام الماضي مع بداية موسم الأمطار بتوزيع 10 آلاف طن من البذور لإنقاذ البلد من المجاعة، كما استهدفنا هذا العام مليون و 200 ألف مزارع ولم نتمكن من الوصول إلى عدد كبير منهم بالمناطق الغربية، مضيفا أن ما تقوم به المنظمة بشكل عاجل هو توفر البذور للموسم الشتوي القادم في نهاية هذا الشهر وبداية الشهر المقبل لإنتاج الخضروات والفواكه والقمح.
وشدد على أن هناك طلب كبير للدعم الدولي والأممي لدعم العمليات الإنسانية في السودان، مشيرا إلى أن منظمة الفاو وضعت خطة استجابة طارئة لعام 2024 استهدفنا فيها 104 ملايين دولار لتوفير المستلزمات لتفادي المجاعة، قائلا: "ولم نتمكن حتى الآن من توفير نصف هذا المبلغ من خلال المساعدات الدولية".
الصحة العالمية: يجب ألا نخذل شعب السودان
حرص الدكتور تيدروس أدهانوم، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، على زيارة بورتسودان، واختتم الاثنين، زيارة هامة، أكد خلالها التأكيد على التزام المنظمة بالوصول إلى جميع السودانيين المحتاجين للمساعدة، ودعيا المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل للتصدي للأزمة الصحية والإنسانية العصيبة وإنهائها.
وقال مدير عام منظمة الصحة العالمية، خلال مؤتمر صحفي الاثنين، في بورتسودان :"يبدو أن المجتمع الدولي قد نسي السودان، ولا يعير اهتمامًا يذكر للصراع الذي يعصف به، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على المنطقة، ولهذا السبب جئت إلى السودان، وأنا هنا، برفقة زميلتي الدكتورة حنان بلخي، المديرة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط، لمقابلة المجموعة الواسعة من الشركاء المساهمين في الاستجابة".
وأضاف قائلاً: "ندعو العالم أن يستيقظ ويساعد السودان على الخروج من الكابوس الذي يعيشه.. يجب ألا نخذل شعب السودان"، وفقا للموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية.
وكشفت منظمة الصحة العالمية، أن الصراع تسبب في تدمير جزء كبير من النظام الصحي في السودان، وأكدت وقوع أكثر من 100 هجمة على مرافق الرعاية الصحية خلال أكثر من 500 يوم من الصراع، وهو ما أسفر عن وقوع خسائر كبيرة في صفوف العاملين الصحيين والمرضى.
وزارت بعثة منظمة الصحة العالمية، مركز لتثبيت الحالة الصحية الغذائية تدعمه المنظمة، حيث رأى الدكتور تيدروس عن كثب تأثير أزمة سوء التغذية التي تجتاح السودان، وكشفت المنظمة عن معاناة 3.6 مليون طفل من سوء التغذية الحاد، وقد أدى الصراع الدائر إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي، وهو ما زاد من صعوبة تقديم الخدمات الغذائية والصحية الأساسية للفئات السكانية الضعيفة.
وزار الدكتور تيدروس مخيمًا للنازحين لاحظا فيه الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها الناس، فسكان المخيم يعانون من نقص الغذاء والدواء والمياه النظيفة، وهو ما يعرضهم لخطر متزايد لتفشي الأمراض وغير ذلك من التهديدات الصحية.
وفي أعقاب انتهاء الزيارة، شدد الدكتور تيدروس أدهانوم على ضرورة بذل جهود متضافرة على الصعيد الدولي للنهوض بالسلام وتقديم المساعدة اللازمة في الأجلين القصير والطويل، وقال :"أولويتنا هي ضمان حصول كل سوداني محتاج للمساعدة على ما يحتاج إليه أينما كان موقعه في البلد، ولن يكون ذلك ممكنًا إلا بإحلال السلام الدائم، والاستثمار الكبير في البنية الأساسية الصحية، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء السودان دون عوائق، وبجميع الوسائل اللازمة، عبر خطوط التماس وعبر الحدود من البلدان المجاورة".
وقد ترك النزاع حوالي 25 مليون شخص - أي أكثر من نصف سكان البلد - في حاجة ماسة إلى المعونة اﻹنسانية. ومن بين هؤلاء، يحتاج 14.7 مليون شخص إلى المساعدة الفورية، ويشمل ذلك مختلف أشكال الدعم المنقذ للأرواح، وقد طلب القطاع الإنساني 2.7 مليار دولار أمريكي لتمويل المساعدة، وما توفر من هذا التمويل المطلوب لا يزيد عن النصف.
وتضمنت البعثة أيضًا افتتاح مقر جديد لمكتب منظمة الصحة العالمية في بورتسودان لتوسيع قدرة المنظمة على الوصول إلى الأشخاص المحتاجين للمساعدة.