بدأ موسم جنى البلح فى شمال سيناء بتوافد المزارعين إلى بساتين النخيل، حيث يجمعون ثمار البلح الأحمر والأصفر التى تُزرع فى مختلف مناطق المحافظة، ويُعتبر هذا الموسم من أهم المواسم الزراعية فى سيناء، حيث يسهم فى تعزيز الاقتصاد المحلى وتوفير فرص عمل للعاملين فى جنى وتجارة البلح.
وتنتشر زراعة البلح فى شمال سيناء بمراكز متعددة، أبرزها مركز بئر العبد الذى يُعد موطنًا لأهم مناطق الإنتاج مثل "المحمم"، و"جعل"، و"الجنادل"، و"قاطية"، و"اقطية"، وتتركز زراعة النخيل فى نطاق مركز العريش بمناطق مثل "المساعيد" و"الريسة"، أما فى مركز الشيخ زويد، فيُزرع البلح فى أحواض تشمل مناطق "الصبخة"، و"الخروبة"، و"قبر عمير"، و"العميد"، بالإضافة إلى ذلك تنتشر زراعة البلح فى المناطق الساحلية على امتداد شاطئ البحر المتوسط.
يُزرع فى شمال سيناء العديد من أصناف البلح، التى تتميز كل منها بخصائصها الفريدة، من أشهر هذه الأنواع "الحيانى"، و"المجهل"، و"بنت عيش"، وتنمو أشجار النخيل في المناطق الساحلية المنخفضة التي تُعرف باسم "السراديب"، وتعتمد في ريها على تدفق المياه الجوفية من تحت سطح الأرض إلى الأعلى بشكل طبيعي، حيث يُسمى هذا النظام بـ"المث"، ويُعد نخيل شمال سيناء مختلفًا عن النخيل المزروع في مناطق أخرى، ليس فقط من حيث الأنواع والمسميات، ولكن أيضًا من حيث طرق الزراعة التقليدية التي تعتمد على الخبرات المتوارثة.
تلعب النساء دورًا محوريًا فى مراحل تصنيع منتجات النخيل، حيث تبدأ هذه العملية بعد أن يقوم الرجال بجمع البلح، ويتم نقل المحصول إلى "المشرات"، وهو مكان خاص بتصنيع البلح، يتكون من سياج مربع يُبنى من جريد النخل، وتكون أرضيته مفروشة بالجريد الأخضر، وداخل هذا المكان، يتم فرز البلح إلى نوعين الرطب والبلح، يتحول البلح إلى رطب بعد تجفيفه، ومن ثم يتم تصنيعه إلى نوعين رئيسيين:
والبلح الجاف (الشقيق) حيث يتم شق الرطبة إلى نصفين ثم تجفيفها تحت أشعة الشمس، ويُعرف هذا النوع محليًا باسم "شقيق"اضافة لتجفيف البلح لتتحول لتمور.
والعجوة، حيث يتم تقشير الرطب وشقه لاستخراج النوى، ثم يُجفف تحت الشمس لمدة ثلاثة أيام، بعد ذلك، يُجمع ويُعجن ليُحوَّل إلى عجوة على شكل أقراص تُجفف لفترة إضافية تحت الشمس قبل تخزينها في أكياس.
لا تقتصر فوائد شجر النخيل في شمال سيناء على إنتاج البلح والعجوة فقط، فمخلفات عملية الجمع والتصنيع تُستخدم في أغراض أخرى، حيث تُجمع النوى المستخرجة من البلح لتُستخدم فيما بعد كعلف للحيوانات، بينما يُقطع جريد النخيل ويُستخدم في بناء العرائش التي تؤمن الظل، كما يُستخدم الحطب الناتج من جريد النخل كوقود للنار.
تُعد العجوة واحدة من أهم المنتجات التي تشتهر بها شمال سيناء، ويُسهم إنتاج شمال سيناء من العجوة في وضع المنطقة على قائمة أهم المناطق المنتجة للرطب، حيث تتميز العجوة السيناوية بمذاقها الفريد الذي يحظى بإقبال واسع في الأسواق المحلية. يحرص كل زائر لمدينة العريش على شراء العجوة كواحدة من أبرز المنتجات المحلية التي تجسد التراث السيناوي.
ولا يقتصر موسم البلح في شمال سيناء على كونه موسمًا زراعيًا فقط، بل يُمثل أيضًا حدثًا اجتماعيًا تتجمع في بساتينه العائلات السيناوية، ويتحول موسم جني البلح إلى خلية نحل تعج بالنشاط والحركة، حيث تُقيم الأسر القادمة من مسافات بعيدة تحت ظل العرائش حتى انتهاء الموسم، هذه التجمعات العائلية تُعيد إحياء عادات وتقاليد قديمة، منها صيد الطيور وتخزين البلح والعجوة لاستخدامها في الشتاء، خاصة خلال فترة "الأربعينية" التي تشهد انخفاضًا شديدًا في درجات الحرارة، وتكون فيها العجوة مصدرًا هامًا للطاقة.
في الوقت الحاضر تطورت صناعة العجوة في شمال سيناء بشكل ملحوظ، لم يعد تخزين العجوة يتم بالطريقة التقليدية القديمة، بل أصبحت تُقسم إلى قطع صغيرة وتُغلف بعناية لجذب المستهلكين، وأصبح من المعتاد أن يُبدع المصنعون في تغليف منتجاتهم بطريقة تضمن انتشارها وتسويقها في الأسواق المحلية وخارجها، مما زاد من شهرة العجوة السيناوية.
من أبرز المصطلحات التي تتوارثها الأجيال في شمال سيناء مع كل موسم لقطف البلح هو مصطلح "المشره"، وهو المكان الذي يُخصص لتجفيف البلح وتصنيعه، وتمتد المشره على مساحة تتراوح بين 10 إلى 12 مترًا مربعًا، محاطة بسور من جريد النخل يبلغ ارتفاعه نحو متر ونصف، وهو غير مسقوف. تُفرش أرضيته بجريد النخل الأخضر، ويُستخدم لتجفيف البلح والرطب، بالإضافة إلى إنتاج "الشقيق" و"الفديغ"، الذي هو الرطب المجفف بعد شقه نصفين وتنشيفه تحت أشعة الشمس.
جنى البلح
النخيل
جنى البلح
جنى البلح الأحمر
البلح
ثمار البلح
جنى البلح