شخص من الصعب أن يجرى حوارات أو حتى يدلى بتصريحات، فهو لا يبحث عن الشو الإعلامى، لكنه يعمل بكل شغف فى البحث ودراسة الآثار المصرية القديمة، يأتى إلى مصر بين الحين والآخر، على مدار 40 عامًا، هو البروفسيور ساكوجى يوشيمورا رئيس البعثة اليابانية فى مصر لاستخراج وترميم وإعادة تجميع مركب خوفو، ولثقل تلك الشخصية كان هدفى هو مقابلته والحديث معه حول عدد من القضايا الأثرية، وظللت انتظر قدومه إلى مصر، وفى نفس الوقت أبحث عن مدخل استطيع من خلاله الخروج بحوار مصور صوت وصورة، وبالفعل عندما علمت بقدوم العالم الكبير وأنه سيكون متواجدا فى المتحف المصرى الكبير ذهبت على الفور، لكن لم أجد المدخل الذى أستطيع من خلاله إقناعه بالحديث.
ومن بعيد رأيته قادما بصحبة ابنه ليجلسا على طاولة مطعم فى الحيز التجارى بالمتحف المصرى الكبير وراقبته مراقبة دقيقة حتى أعرف ما إذا كان مهيأ للحديث أم أنه مشحون بأعباء العمل الأثرى فى مصر، وخصوصًا أنه قادم من ناحية متحف مراكب خوفو التى يشرف عليه، واستمر الوضع على ما هو عليه حيث وقفت ما بين النصف ساعة والساعة أراقب من بعيد فى انتظار اللحظة المناسبة، حتى رأيته يأكل وهو سعيد للغاية رغم أن الطعام الذى يتناوله ليس مخصصا لصفوة المجتمع بل إنها أكله شعبية للغاية، كما أننى علمت من أحد أصدقائى الأثريين بالمتحف أن الذى بصحبته هو ابنه من زوجته المصرية وكانت تلك الفرصة هائلة للحديث مع ابنه، فطلبت من صديقى أن يعرفنى عليه، وقد فعل ذلك، وطلبت منه أن يقول لوالده العالم الكبير أننى انتظر قدومه منذ سنوات حتى أقابله، ففعل ذلك ورأيت رئيس البعثة اليابانية يبتسم وهو علامة على قبول الحديث وتحقق الهدف المنشود.. وإلى نص الحوار..
بداية.. أحب أن أعرف متى بدأت علاقتك بالآثار المصرية؟
بدأت علاقتى بمصر عندما أتيت إليها منذ عام 1966م، ومن وقتها وقعت فى غرامها، فمصر تحمل العديد من الأسرار والجمال التى تبوح به عبر تاريخها العظيم.
بالطبع كما تحدثت أن مصر تحمل العديد من الأسرار فما أكثر تلك الأسرار جاذبية بالنسبة لك؟
بكل تأكيد مصر بها الكثير والكثير من الآثار التى تشهد على عظمة الإنسان المصرى القديم، وعندما أتيت إليها جذبتنى الصروح العملاقة فى منطقة آثار الجيزة وهى الأهرامات، إذ أصبت بحالة من الانبهار منذ الوهلة الأولى وهو ما لم يحدث لى من قبل.
هل هذا ما جعلك تعمل فى مشروع مركب خوفو الثانية؟
كانت زيارتى الأولى فى مصر عام 1966م الأهرامات، وكما ذكرت اندهشت للغاية وأنا أقف أمام هذا الصرح العملاق العظيم، لدرجة أننى اعتقدت أننى أقف أمام إله، وهو ما قادنى بعد ذلك لزيارة متحف مركب خوفو الأولى (2551- 2528 ق.م.) التى كانت موجود عند الضلع الجنوبى للهرم الأكبر بمنطقة آثار الهرم، والتى اكتشفها كمال الملاح فى 26 مايو عام 1954م، وأحدث هذا الكشف عاصفة عالمية من الاهتمام أدهشت العالم، والتى سميت بمركب الشمس وعمل بعد ذلك كمال الملاخ وأحمد يوسف على اكتشاف وترميم وإعادة تركيب المركب الأولى، والتى خرجت إلى النور بعد أن مكثت فى باطن الأرض ما يقرب من 5000 سنة، كما علمت أنا من المشرف الأثرى آنذاك بأن هناك مركب أخرى للملك خوفو مازالت مدفونة، ومن هنا بدأ حلمى بأن أجد واستخراج مركب خوفو الثانية وأرى شكلها.
من أين جاءت الثقة قبل أن تعمل على استخراج المركب الثانية للملك خوفو بأنها موجودة بالفعل فى باطن الأرض؟
كان لابد قبل أن أعمل على هذا المشروع أن أتأكد من وجود مركب ثانية للملك خوفو، ولهذا بحثت وقرأت وتحدثت كثيرًا مع عدد كبير من علماء الآثار المصرية القديمة حول وجود مركب ثانية من عدمه، وبالفعل كل هذا أسفر عن أنه بالفعل يوجد ما أبحث عنه، وأنه لابد من وجود مركب أولى للنهار وأخرى لليل، وهو ما جعل شغفى يزداد مع الوقت حتى ستخرج المركب الثانية من تحت الأرض.
كيف بدأت أعمال البحث عن مركب خوفو الثانية؟
القصة ترجع لعام 1987 عندما قررنا إسقاط كاميرا تحت الأرض حتى تستكشف بالمسح الإلكترومجنتك، مكان وجود المركب، وبالفعل التقطت الكاميرا صورا تؤكد أنه يوجد مركب فى هذا المكان واستغرقت تلك العملية 5 سنوات، والموضوع كان صعبا للغاية مع وجود عضويات دقيقة وكان من الصعب فتح ثقب لاسقاط الكاميرا.
ونحن نجرى الحوار داخل أكبر الصروح العالمية وهو المتحف المصرى الكبير أريد أن أعرف انطباعك عن هذا المشروع العلاق؟
بالطبع المتحف المصرى الكبير فى منطقة الهرم أعظم الصروح التى رأيتها حول العالم، والذى سوف يضم آلاف القطع الأثرية المتنوعة، إلى جانب تفرد المتحف بالعديد من الأشياء التى لم يرها أى شخص حول العالم مثل المسلة المعلقة التى تكشف لأول مرة عن خرطوش للملك رمسيس الثانى لم يظهر للنور من قبل، والدرج العظيم الذى يحمل العديد من القطع الأثرية الضخمة، بالإضافة لضم مجموعة الملك توت عنخ آمون بشكل كامل أيضًا لأول مرة والتى تتخطى الـ5000 آلاف قطعة أثرية، وبالطبع عرض مركبى خوفو الأولى والثانية أمام الجمهور.
ما هو انطباعك عندما علمت بنقل مركب خوفو الأولى من أمام الهرم الأكبر تمهيدًا لعرضها بجانب الثانية بمكان واحد بالمتحف الكبير؟
فكرة رائعة ولم أكن أتخيل أن يتم نقل المركب الأولى من أمام الهرم لأكبر إلى المتحف المصرى الكبير، نظرًا لأنه واحدًا من أهم المشروعات الهندسية الأثرية المعقدة، فهى نتاج جهد وتعب ودراسة، وتخطيط وإعداد وعمل جاد، امتد أكثر من 30 شهرًا، ونقلها كان بالنسبة لى مستحيلا لصعوبة تحريك هذا الحجم الكبير من المركب الأولى بكل تفاصيلها وخصوصًا أنها ليست ثابتة، وبالنسبة لعرض المركب الأولى والثانية فهو ما سيتحدث السياح عنه بحالة من الانبهار بعد أن يمرون عبر حفرة تحاكى حفرة مركب الملك التى كانت تحتوى على الأخشاب، إذ تتركز الفكرة على أن تكون هذه الحفرة هى بداية مسار الدخول إلى مبنى متحف مراكب خوفو، وخلال هذا المسار سوف يشاهد الزائر مجموعة فريدة من الكتابات الموجودة على الأحجار التى كتبت منذ 4600 سنة، إذ أنه تم نقل مجموعة متميزة من الأحجار التى كانت تغطى الحفرة الأصلية للمركب ووضعها على الحفرة المصممة، حتى يشعر الزائر بأنه داخل البيئة الحقيقة للمركبين.
بحكم عملك الأكاديمى فى الجامعة اليابانية فماذا تنقل لطلابك انطباعك عن مصر؟
أقول لهم دائما بأن من لم يزر مصر لم يزر أى مكان فى العالم، وأقول للكبار والصغار من الضرورى أن تذهب إلى مصر قبل أن تنتهى حياتك، والشعب اليابانى والمصرى بينهما أشياء مشتركة كثيرة، وأن العلاقة بين مصر واليابان مبنية على أساس الثقافة والصداقة، وبالطبع يوجد اختلافات صغيرة بين الشعبين ولكن التشابهات أكثر بكثير وهو ما أركز عليه عندما أشرح لطلابى بالجامعة بشكل خاص أو أى مواطن يابانى بشكل عام.
علمنا من حديثك سر تعلقك بتاريخ وحضارة مصر لكن هناك أيضًا أشياء أخرى تحبها فى مصر مثل الأكلات الشعبية فما أكثر ما تحبه؟
الكشرى .. وأعرف أعملها أحسن من المصريين أنفسهم.